لم تخل رسالة جماعة العدل والإحسان إلى كل من العدالة والتنمية، وحركة الإصلاح والتوحيد، الذراع الدعوي للحزب، من "ود" خادع، و"مجاملة" تقتضيها اللحظة، لكنها لم تخل أيضا من تهديد، وتعبير عن اليأس، من انخراط حزب "المصباح" في الحملة لصالح الدستور الجديد، والتصويت لفائدته، وهو ما ترك في حلوق أتباع الشيخ عبد السلام ياسين غصة، وحسرة، وخيبة أمل كبيرة، لأنه أضاع عليهم فرصة: "ليست بالهينة"، خاصة و" أن الفرص الكبرى لا تدوم"، وأفشل مخططهم في "غسل الشوارع بالدماء"، وتحويل شباب حركة 20 فبراير إلى حطب لـ "القومة" الكاذبة.
والواقع أن العدالة والتنمية لم يُضيّع الفرصة على أحد، بل الجماعة هي التي أضاعت الفرصة على نفسها، وفضلت أن لا تركب قطار الإصلاح والتغيير، الذي انطلق في اتجاه المستقبل، ولما انتبهت وجدت أن اللحظة التفت على أحلامها، وأن المطالب الحقيقة للشعب وجدت ضالتها في الدستور الذي صوت عليه ثلاثة أرباع المغاربة بنسبة ترنو عن المائة في المائة، وأن هذه اللحظة ذاتها هي التي أوصلت العدالة والتنمية إلى الصف الأول في الانتخابات، ومنحته الحق في رئاسة الحكومة، وتشكيل الأغلبية.
ولا شك، أن العدل والإحسان اليوم، أو عقلاءها على الأقل إن كان فيها عقلاء، تندب حظها العاثر، لأنها لا تجد موقعا لها لا في الأغلبية ولا في المعارضة، بل خارج سياق التاريخ، خاصة وأن صوتها قد بح من الصراخ من دون أن يلتفت لها أحد، وأن كل دعواتها ذهبت أدراج الرياح، وفاجأها هذا الوعي الجماعي الذي يلفظ الأساطير والخرافات، تماما، كما يلفظ الموج البقايا والأشلاء.
ولا شك، أن اضطرار الجماعة إلى مراسلة العدالة والتنمية والإصلاح والتوحيد، هو محاولة لفك طوق العزلة الذي يضيق حول رقبتها، بعدما فشلت في تحقيق "القومة" فيما نجح إخوة بنكيران في الوصول إلى الحكم، وهو ما يبين الفرق بين من ظل رهين " أوهام" دولة الخلافة، وبين من قرر القبول بمبدأ المشاركة في "اللعبة" الديمقراطية، غير أن أصحاب الشيخ ياسين يسعون، تفريغا لكربتهم، إلى التشكيك في أصول هذه "اللعبة"، وهو ما يكشف عمق التناقض الذي تتخبط فيها الجماعة، فهي حائرة بين بسط اليد أو تركها مغلولة إلى عنقها.
وهكذا فبعد أن أشاحت بوجهها عن حركة 20 فبراير، تريد اليوم أن تولي وجهها شطر حزب العدالة والتنمية وحركة الإصلاح والتجديد، لكن مع نوع من "التقلاز" من تحت الجلباب.