طه لمخير
يتشابهان في هزال شديد في الجسم وتهرأ الملامح، حتى إنك لو حلقت للأب ياسين لأشبه الأم تريزا، ولو منحت الأخيرة لحية لأشبهت الأول، ولو تزوجا لأنجبا الخرافة بعينها تمشي على قدمين.
لكن التشابه بينهما يتجاوز المظاهر الشكلية إلى مهنتهم التي امتهنوها والنطاق الذي كرسا له أعمارهما الطويلة؛ أعمال الدجل التي مارساها باقتدار على مريديهما وأتباعهما الذين صدقوا خرافات القديسَيْن وظنوا أنهما من حملة السر الإلهي وأن فيهما "شيء لله".
BojaxhiuAgnes أجنيس بوجاكسيو، الراهبة الألبانية الطموح التي صارت في ما بعد معروفة تحت اسمها الحربي nom de guerre الأم تيريزا، تماما مثل عبد السلام الذي ارتقى به أصحابه من رتبة عميد (الأستاذ) قيد حياته إلى درجة جنرال (الإمام) بعد وفاته مع إضافة لقب آخر هو المجدد!!
طبعا هؤلاء القديسون يتسلطون على الألقاب ويولونها عناية خاصة بها لأن مدار أعمالهم على الشعوذة وسحر الأعين والآذان وطمس أي تجليات للعقلانية وأي إمكانية للنقد لدى الأتباع. المظهر والشكل والصورة مكونات أساسية في علم القداسة !.
صنع أسطورة الأم تريزا مبشر معروف اسمه مالكوم ماكجيريدج في وثائقي من صنعه تحت عنوان something beautiful for god، عندها فقط انطلقت مسيرة الراهبة المغمورة لتصبح الأسطورة الأم تريزا عام 1969. المسؤول عن تصوير هذا الوثائقي ليس إلاken McMillan صاحب السلسلة الشهيرة "حضارة" التي كانت تنتجها إذاعة BBC.
براعته(ken) في إدراك أهمية الضوء واللون والتلاعب بهما كانت من الطراز الأول، وخلاصة الحكاية كما يحكيها الأخير في شهادته:"أنهما (هو والمبشر المذكور) زارا الراهبة في دار تديرها لرعاية المشرفين على الهلاك، كان يتسرب إلى الدار شعاع الضوء من خلال كوات صغيرة في أعلى الجدران، وحسب (ken) فإن التصوير في محيط يكاد يكون معدوم الإضاءة كهذا هو ضرب من المحال، لكنهما قررا في نهاية المطاف أن يحاولا..
ومضت الأيام- يقول (ken)- وعندما عدت إلى الأستوديو في لندن، وشاهدت ما صورناه لأول مرة على الشاشة كانت المفاجأة: كان المكان يشع بالأنوار اللطيفة الهادئة حتى إنه كان بالإمكان مشاهدة أدق تفاصيل المكان!! وكنت على وشك أن أقول إن أفلام كوداك الحديثة تثير الإعجاب، لولا أن المبشر مالكوم هتف: إنه النور الرباني !! إنها الأم تريزا !! ولم تمض ثلاثة أيام حتى تلقيت اتصالات من الجرائد اللندنية تخاطبني بكلام من قبيل: سمعنا أنك حضرت لتوك من الهند رفقة مالكوم ماكجيريدج وأنك كنت شاهدا على معجزة."
وهكذا ولد نجم الأم تريزا من جودة أفلام كوداك، أما نجم الأب عبد السلام، فهي حكاية أكثر تعقيدا، وإن كانت كلها لها علاقة بالمعجزات وبخرق قوانين الفيزياء وسنن الطبيعة، ويمكن حصرها في أربعة عُقَد أساسية تدور عليها اعتقادات المريدين في الطبيعة الإلهية لياسين، وتستغلها الجماعة كرصيد مهم لنسج الأساطير حول نبيها، سنذكرها ثم نعلق عليها تعليقات مختصرة:
-الرسالة
حيث تعتبر الجماعة رسالة ياسين إلى الملك الراحل إحدى دلائل النبوة، ويعتقدون ضمنيا أن الشيخ قدم ذاته النورانية قربانا من أجل "الحق" وأن مصيره كان الإعدام المحقق، لكن الرسالة نفسها ليس فيها ما يثير غضب الموجهة إليه إطلاقا، وما كان يقوم به الشيوعيون وغيرهم في تلك الحقبة من هذا المنظور سيجعلهم كلهم من أولياء الله الصالحين، بل إن صورة الرجل المجهول في ساحة "تيانين مين" الذي وقف متحديا أمام زناجير دبابة عسكرية لا زالت من أنذر لحظات الشجاعة التي صورتها عدسات الكاميرا، ورغم ذلك فلم يقدسه أحد في الصين، أو رجل متصوف مثل الحلاج الذي ضرب ألف سوط فما تأوه، ثم قطعت يده ثم رجله ثم يده ثم رجله ثم قتل وأحرق بالنار، فلما صار رمادا ألقي في دجلة ونصب الرأس ببغداد..
فهذه مواقف حقا تثير الإعجاب، لكن رجلا قضى عقدا في رحاب بيته آمنا آكلاً شاربا ومؤلفا ثم مات يوم مات وهو متربع على ثروة مليونية، وشيد له قصرا باذخا في حي السويسي الراقي، حي النخبة الأرستوقراطية الرباطية، فعن أي اضطهاد يتحدثون؟
-الإقامة الجبرية
حيث كانت تلك الفترة بيئة خصبة لنسج الأساطير والخرافات حول القديس (في طور التكوين حينها) من طرف دراويشه المغيبين الذين كانوا يشيعون في الناس أنه كان يخترق جدران البيت ويطير في الهواء، وحسب لقاء معه على قناة الحوار زعم ياسين بأنه صام طيلة السنوات العشر التي كان فيها قيد الإقامة الجبرية !! ولا ندري لماذا يدلي بهذا التصريح رغم أن التفاخر بالعبادات هو من قبيل الرياء القبيح الذي تحبط به الأعمال، كما أنه لم يحدد أصام العشر سنوات متواصلة أم كان يفطر عند الغروب !!.
-الأحلام
وهذه جنت على الشيخ وجماعته أعظم الجناية في واقعة"(2006) وما أدراك ما (2006)" ، وهي السنة التي شهدت موجات من الانشقاقات في صفوف الإخوة والأخوات الذين تبين لهم أنه "ليس تحت القبة شيخ"، بل سراب من الوعود الكاذبة والادعاءات الفارغة التي لا تنطلي إلا على ضعاف العقول والأميين المغرر بهم.
-النظرية
وهذه مؤسسة على تصور لمجتمع يوطوبي مستحيل، عناصره كقوالب السكر تخرج على نمط واحد مثل بضائع المصنع، إيديولوجيا تؤمن بها الجماهير بيقين شامل والتزام مطلق، وهذا النمط من المجتمعات قام لفترات محدودة في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وروسيا الستالينية، فترتبت عنه فظائع الإبادات الجماعية وقمع لكل مظهر من مظاهر الاختلاف. جماعة من المومنين بفكرة شمولية والحالمين بمجتمع ملائكي صارم، يقدسون كتابا وضعه لهم الزعيم المرشد يتخذونه النبراس المنير والمنهاج الخالد، في الحالة النازية نجد كتاب هتلر الشهير كفاحي، كتبه هو الآخر وهو رهن السجن.
طبعا مفهوم "النظرية" هنا لا علاقة له بمفهوم النظرية العلمية التي هي تفسير قوي الدعائم لجانب معين من العالم الطبيعي، مبني على جسم من الحقائق التي تم التأكد من صحتها أكثر من مرة عن طريق المشاهدة والتجربة، هذه النظريات المدعمة بالحقائق ليست مجرد "تخمينات" ولكنها تفسير موثوق للعالم الحقيقي، مثل نظرية النسبية العامة والثقوب السوداء والانفجار العظيم والأكوان الموازية…
من هنا، فنظرية المنهاج التي يبشر بها أعضاء الجماعة هي هراء محض، ولون من ألوان الدجل الشعبوي، هي نظرية الهرتلة الإيديولوجية، حيث تتجلى في جوهرها في القدرة على رص الكلام المنثور وصياغة التعبيرات الفضفاضة والبلاغة التي لا طائل وراءها، تلك نظرية "المنهاج" عند عبد السلام ياسين.
وشخصيا، لست أدري كيف لشخص "سوي" يسمي نزوة فكرية -عنت له خلال اطلاعه على حديث مكذوب وضعه بعض الوضاعين الماجنين من ذوي الخيال الشاطح في العصر العباسي- نظرية.
ومن هنا فعندما يقولون نظرية المنهاج نجيبهم بلازمة الممثل الكوميدي المصري الراحل يوسف عيد: "مش النظرية". المصريون ينطقونها: نزرية.
ولنا عودة.
الملكية هي الحل