|
|
|
|
|
أضيف في 19 ماي 2019 الساعة 14 : 14
لقد أصبح موضوع الحركة الإسلامية اليوم موضوع الموضة، لذلك، فهو كغيره من المواضيع التي تصل هذه المرتبة أصبح من الواجب على كل مثقف وكل صحفي أن يكتب فيه، و يفيض فيه. إلا أن أغلب الكتابات حتى الآن تنحصر في مرحلة الوصف، في الوقت الذي تغرق فيه الكتابات الصحفية في نقاشات وتحليلات تنقصها في أغلب الأحيان مرتكزات نظرية صلبة مما يجعلها تتيه في التقييم بدل أن تساهم في تحليل علمي للظاهرة. وهذا لا ينفي في الوقت ذاته تواجد العديد من الدراسات التي يشهد لها بالقيمة العلمية الكبرى... رغم ذلك فإن هذا الموضوع المطروح للنقاش يظل يشوبه بعض الغموض، خصوصا في مرحلة التحديد المفاهيمي، والتي تعرف، كما سنرى، الكثير من الضبابية من خلال الاستعمال المكثف للعديد من المفاهيم المختلفة الدلالات في مواضع متقاربة، كما هو الشأن بالنسبة لمفاهيم من مثل: حركات إسلامية أو إسلاموية، أصولية، سلفية، راديكالية إسلامية، إسلام سياسي، إلى غير ذلك. الأمر الذي يوحي بأن لها نفس المعاني، غير أن الأمر ليس كذلك تماما.
إن مما يثير الانتباه في الأدبيات التي تناولت الموضوع، هو الاستعمال المتكرر لألفاظ الحركة الإسلامية أو الحركة الإسلاموية، خصوصا في المجال الصحفي، ثم في التحليلات السياسية والاجتماعية التي تزعم العلمية دون أي محاولة لاستجلاء أطراف هذا المفهوم، أو أي إيضاح أو تقديم حتى لمعنى إجرائي داخل سياق التحليل، مما يوحي بأن الأمر أصبح متجاوزا، وأن المفهوم أصبح معروفا في المجال التداولي العلمي، ومن تم فهو لا يطرح أي مشاكل. إلا أن الأمر في الحقيقة غير ذلك، بل عكس ذلك تماما إذا انتبهنا إلى الصعوبة التي يجدها البعض عند محاولة تقديم تحديد لهذه الصيغة، وإلى الغموض الكبير الذي يشوب الاستعمال الإجرائي الذي يأخذ به العديد من الباحثين، خصوصا إذا كنا نؤمن بأن تعريف الحركات الاجتماعية، سواء منها المتجهة إلى القيم، أي ذات التوجه الديني على الخصوص، و التي يسميها Boudon و Bouriccaud بالرسولية، أو غيرها قد طرح إشكال التحديد الدقيق دائما )
ذلك ما نستشفه بجلاء واضح ونحن نتتبع مؤلف جيل كيبل "هوامش الإسلام"، صفحة صفحة إذ نجد أن استعماله للفظ Mouvement لا يظهر إلا نادرا، ما دام قد استعاض عنه بالتسميات التي اتخذتها لنفسها الجمعيات الإسلامية الفرنسية أي Associations، إلا أن ما يثيرنا هو أنه يجمع كل هذه الجمعيات في لحظة ما تحت تعبير "حركات تأكيد الانتماء الإسلامي" قاصدا تلك الحركة. ونستعمل هنا حركة بمعنى Action وليس Mouvement التي تقودها الجمعيات الإسلامية الفرنسية من أجل توكيد انتمائها للإسلام، ثم يعود ليفصل عن هذا الخليط (الدعوة و التبليغ ) جانبا ليخصها وحدها بهذا النعت (حركة )، مما يجعلنا نتساءل عن المعيار الذي استعمله الباحث من أجل هذا التوزيع، أم أنه كان يفعل ذلك كما اتفق، وهو ما لا يمكن أن نعتبره.
وإذا كان معيار التقرير هذا غير واضح عند جيل كيبل فإن وضوحه عند آخرين لا يحل المشكل المطروح، إذ يعتبر البعض أن الحركة الإسلامية هي حركة اجتماعية تعمل في شكل مجموعات منظمة تنتسب إلى الإسلام الصحيح أو الأصيل، وتفترض امتلاكها لنظرية شمولية ورؤية كاملة لكل جوانب الحياة الإنسانية حسب المقولة الشائعة "الإسلام دين ودولة ودنيا"، وهذا الفهم للدين اعتبر السياسة أداة هامة وحاسمة في إحداث التغيير والنهوض بالأمة الإسلامية، وعلى ضوء هذه النظرة لا يتضمن الإسلام السياسي الجماعات الدينية التي تبتعد عن العمل السياسي مثل الطرق الصوفية لأن الهدف كما تدعي كل حركات الإسلام السياسي واضح و محدد، ومتفق عليه وهو شمولية الإسلام، وأن لا يكون مجرد دين عبادة.
وعلى هذا الأساس يفرق الباحثون بين تيار الأصولية العقلية، وتيار الأصولية الحركية. ويعني الأول العودة إلى أصول فهم الإسلام كما فهمه المسلمون الأوائل إتباعا لأوامر القرآن والسنة، واتخاذ هذا الفهم سبيلا لتجديد الحياة الروحية للمسلمين في العصر الحاضر، ويقصد بالأصولية الحركية ذلك التيار الذي يتبع الحركات السياسية دون أي تجديد حقيقي للفكر الديني، وينتهج الأساليب الحزبية بغير تقديم أي برنامج مدروس أو أي نظم علمية، ويعمل على أن يكون "الدين سياسة، والشريعة حزبا والإسلام حربا"، ويمثل لذلك بالجبهة الإسلامية القومية، النهضة، وجبهة الإنقاذ
وهو التمييز نفسه الذي يقدمه محمد سعيد العشماوي: أي الإسلام العقلي الروحي والإسلام السياسي الحركي الذي يرفضه.
إن أول ما يسجل على هذه التعاريف أو بالأحرى محاولات التحديد المفاهيمي هو نزعتها النضاليةالنقدية، وجدالها السياسي الواضح. ولعل ذلك مؤشر أولي يجعلنا نشك في مصداقيتها العلمية، ويدعونا إلى ممارسة نوع من التفكيك بتعبير ديريدي عليها، من أجل على الأقل التمحيص إن لم يكن إقصاء هذه الثنائيات الميتافيزيقية التي تنغمس فيها ذلك أن الأساس الذي اتخذته للتصنيف ألا وهو المشاركة، أو الدخول في اللعبة السياسية، هو أساس واه يجعلنا نؤكد محدودبة الإطلاع عند صاحبها على التاريخ الخاص بالأنساق السياسية داخل العالم الإسلامي العربي على الخصوص، وبقائه أو انحصار أفقه عند التجربة السودانية مما لم يمكنه من التعميم الموفق. ولعل ذلك باد أولا من خلال تصنيفه للتجربة الصوفية داخل خانة الجانب اللاسياسي، ونحن نعلم أن التجربة الصوفية ولدت في العالم الإسلاميالعربي كموقف سياسي ضد نوع من الحكم كما نعلم الدور الكبير الذي لعبته حركة الصلحاء والزوايا داخل اللعبة السياسية على مدى التاريخ الطويل لشمال إفريقيا على الخصوص، وهو الأمر الذي يؤكده يورجن روجالسكي وهو يؤكد أنه إذا كانت الحركات الإسلامية مثلا تميل للإسلام التشريعي الفقهي، فإن إسلام التصوف، أي الطرق الصوفية تمثل عناصر الدين الشعبي التي تنتشر بين الكثيرين. ولهذه المؤسسات الصوفية وجود نشط في الصراع السياسي في بعض المجتمعات الإسلامية في إفريقيا بالذات والمغرب على الخصوص، حيث عرفت بشخصنة وتسييس الدين وهو الأمر ذاته الذي أكده كل من ج. مارتان B G . Martinومحمد القبلي الذي يشير إلى ازدهار هذه الحركة أيام الموحدين والمرينيين، على الخصوص جنوب منطقة أم الربيع، كحركة شعبية، تقترب من الضعفاء والمستضعفين وتدافع عنهم ضد الحيف الموحدي، المؤسس على الميز والإكراه والتشدد، مما مكن الولي من الاندماج الهيكلي داخل الواقع القبلي الإقليمي للمجتمع
ثم ما هو المقياس الذي يجعلنا نعتبر أن حركة دينية ما هي ليست سياسية أو بعيدة عن المجال السياسي؟ هل مجرد إعلانها عن ذلك؟ هل هو عدم طموحها إلى تكوين حزب سياسي وعدم إعطاء آراء ومواقف سياسية واضحة؟ وقد نذهب إلى أبعد من هذه الحدود لطرح السؤال ما هي حدود السياسي واللاسياسي التي يتحدث عنها؟
لنحاول أن نأخذ مثالا قد يساير أطروحة صاحبنا، إن مما تعلن عنه جماعة الدعوة والتبليغ عموما وفي المغرب على الخصوص هو ابتعادها عن الجانب السياسي، وعدم خوضها فيه كما يؤكد ذلك محمد الطوزي وجيل كيبل لكن ماذا يعني أن الجماعات الإسلامية الأخرى توجه إلى هذه انتقادات عنيفة من ضمنها أن الدعوة والتبليغ ما هي إلا نوع من الجماعات الإسلامية الحكومية، إن صح هذا التعبير، على اعتبار أن هذا الحركي التبليغي الذي يقبع في الصلاة والتسبيح لن يجد وقتا للنضال السياسي
ثم إن هذه الحركة، ليست إلا قنطرة للحركيين المتلقين لدعوتها للمرور إلى جماعة إسلامية أخرى، ما دامت أنها لا تحتفظ بهم بالقوة، أي لا ترغمهم على البقاء داخلها، ولا تعاقب المنسحبين كما أنها تكتفي في المناطق النائية بتبليغ الدعوة فقط، دون أي إلحاق تام للمتعاطفين
وقد نذهب أبعد من هذا التساؤل: ألا يمكن أن تكون الدعوة والتبليغ نوعا من/أو جزء من التيار الإسلامي الذي يرى جيل كيبل أنه عمل على التحرك من الأسفل، أمام الاضطهاد والتعسف الذي عرفته الحركة الإسلامية الأولى والتي حاولت الوصول إلى الحكم عبر الثورة على الطريقة الإيرانية؟ ولعل ما يؤكد ذلك هو اتجاهها اليوم إلى المناطق النائية عن المراقبة الحكومة الشديدة، أي اتجاهها إلى المجال القروي (بوادي ودواوير ) بدل المدينة حيث تتزايد يوما عن يوم عملية المخزنة، بالنسبة للمغرب مثلا.
ونتساءل أيضا، هل الجماعات الإسلامية السياسية استطاعت القطع مع الماضي؟ وعلى الخصوص مع التجربة الصوفية؟ لتأتينا الأجوبة من كل مكان بنفي ذلك: أن ما يلاحظ عند جماعة الفدائيين الإسلاميين بإيران هو استمرار بعض الممارسات الصوفية، وهو ما لوحظ على الخصوص عند بعض أفراد القيادة: سعيدي نوسي، وكذلك التهمشي: قيام الليل، تطويل الصلاة كثيرا، بكاء أثناء تأدية الفرائض. وهو الأمر نفسه الذي لوحظ عند الإخوان المسلمين المصريين أنفسهم، بل إن الصوفية وبخاصة الزوايا قامت بتأسيس بعض الجمعيات التي توصف اليوم بالحركات الراديكالية الإسلامية، كما هو الشأن بالنسبة للتيجانيين الذين أسسوا حركة الأنوار بتركيا قبل أن تؤدي الاعتقالات والمضايقات الحكومية إلى إبعادهم عنها، وترك أماكنهم لغيرهم
وفي المغرب يمكن اعتبار جماعة العدل والإحسان مثالا على ذلك، أولا إذا علمنا التكوين الشخصي الصوفي لزعيمها (ياسين ) داخل الزاوية البودشيشية، وثانيا تجلي هذا التكوين في الإطار التنظيمي للجماعة خصوصا ما يمكن أن نسميه الكتابالمرجع للحركة ألا وهو "المنهاج النبوي".
ويتحدث حيدر إبراهيم علي أيضا على العمل الجماعي للحركة الإسلامية، إلا أن ذلك ليس صحيحا دائما، إذ أن ضمن هذه الحركة يوجد مجموعة من الدعاة الذين هم في حقيقة الأمر إسلاميين مستقلين، فحتى وإن عرف على بعضهم التعاطف أو الميل إلى جماعة إسلامية ما فهم لا يتكلمون باسم أي منها، ولا يبشرون بأي واحدة، فقد لاحظ كل من محمد طوزي وبرونو إيتيان أنه أمام الاحتكار الدولتي للمساجد العمومية بالمغرب، فإن الخاصة منها تظل محكومة بالتقليد، ومشكلة ملجأ للدعاة الأحرار، فعلى طريقة كشك، يحتل زحل، بلقاضي، لمزمي، لوبر ودعاة آخرون، رغم مضايقة إدارة الحبوس، المساجد الخاصة للدار البيضاء، ويبشرون بها تحت العيون الحائرة للسلطة
ولعل الأسلوب الهجومي المميز عادة للجدال السياسي، لا الدراسات العلمية، يبدو واضحا من خلال التصنيف الثاني الذي يقدمه حيدر إبراهيم علي، ويوافقه فيه العشماوي، على أساس ما يمكن أن نسميه الرجوع المجدد إلى الماضي، أي العودة إلى الماضي من أجل التجديد في الحياة اليومية الحاضر للمسلمين، وقد نستطيع أن نتبين العكس إذا حاولنا الإطلال على برامج وسير حياة بعض الجماعات الإسلامية التي اتصفت بالراديكالية في أقصى حدودها في بعض الأحيان.
أولا، تجب الإشارة إلى أن كل الجماعات الدينية المنتسبة للإسلام بما فيها تلك التي وصفها حيدر إبراهيم بأنها لا سياسية كالطرق السياسية الصوفية، كلها تعود إلى المنابع الأولى للإسلام أولا من أجل المشروعية، وثانيا من أجل البحث عن مرتكز إيديولوجي. إذ كما يؤكد ج.مارتان فكل الزوايا المؤسسة في القرن الثامن عشر: كالمحمدية، الأحمدية، السنوسية، والتيجانية.. تأخذ مثالها عن القادرية (نسبة إلى عبد القادر الجيلاني، القرن 12م )، والتي تستمد مشروعيتها من السير على النهج النبوي كما تدعي كما أن جل الجماعات الإسلامية المنتسبة بمعنى ما يريده صاحبنا للإسلام السياسي هي أيضا تفعل ذلك، فالجماعة الإسلامية ترجع إلى الأمة الإسلامية كما وجدت حسبها في العصر الذهبي للإسلام، وعصر الخلفاء الراشدين، وذلك من أجل إحيائها، بهدف إقرار نظام الخلافة الإسلامية إن ذلك لا يخص الحركة الإسلامية المصرية وحدها ولكنه الأمر الذي يجمع كل جماعات الحركة الإسلامية. ورغم أننا لا نستطيع أن نحدد معيارا واضحا ومحددا للتجديد يمكن أن نقول إن التيارات الأساسية التي حاولت إرساء قواعد الدولة الإسلامية في باكستان كان جلها تحديثيا، ذلك أنها حاولت كلها ملاءمة الإسلام ووضعه في سياق الديمقراطية البرلمانية أو الرئاسية، ودمجه في إطار إصلاح القانون الشخصي الإسلامي، مضيفة إليه بداهة مسحة من الشيوعية أو الاشتراكية بالأحرى، وهكذا كانت سياستهم في مجموعها أكثر محافظة ولكنها مستوحاة من النموذج الغربي بشكل واسع، بل إن هذه الهيمنة في الممارسة السياسية الباكستانية طالت التيارات الأكثر محافظة وأرثدكسية، كتيار العلماء وما يعزز ذلك هو دخول العديد من الجمعيات الإسلامية حقل اللعبة السياسية كأحزاب تمتلك قواعد انتخابية
نفس الشيء لوحظ عند الجمعيات الإسلامية التركية، إذ أن الفئة الشابة التي تحركت للعمل داخل جمعية الأنوار بعد وفاة شيخها والمتكونة من رجال علم، جامعيين، ناشرين وكتاب… أنتجت تأويلات وتعاليق حول مذهب الشيخ، تجاوزت جوهره بكثير، إذ لاحظت أن فكره يقبل الديمقراطية والتعددية الجمهورية، وحاولت ملاءمة الدين مع العلم، كما تغيرت أو على الأقل لوحظت ليونة في مواقفهم من المرأة وعملها، من تجانس الشريعة والقوانين الوضعية…
هكذا نستنتج أن هذا التمييز أو التصنيف الذي ينبني على أساس العامل السياسي، والمراد به على الخصوص العمل والمشاركة الحزبية للجماعة الإسلامية، هو ناقص الوجاهة، إذ في نظرنا أن العمل السياسي لجماعة إسلامية معينة، والتجاءها إليه هو رهين الأوضاع السياسية الداخلية للبلد الذي تعيش فيه. إن توفر نوع من الحرية السياسية، أو من الديموقراطية الظرفية على الأقل قد يساعد على ظهور عمل حزبي إسلامي كما حدث في بعض الأحيان في تونس مثلا أو باكستان، أو الجزائر، ومصر التي يظل مثال الإخوان المسلمين فيها واضحا بشكل جيد، إذ تمكن الإخوان المسلمون، وبمساعدة الدولة في الفترة الأولى من حكم السادات، من النشاط السياسي المتميز، إلا أن انقلاب السلطة عليهم، والمنع الذي تعرضت له بعض الحريات العامة في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات أدى إلى تقهقر العمل السياسي الواضح للجماعة، ودخولها مرحلة جديدة من التخفي والعمل السري
إنه نفس الأمر يلاحظ في المغرب، إذ أن القصر في نهاية سنوات الستينات وبداية السبعينات ساعد الإسلاميين على النشاط السياسي (حالة الشبيبة الإسلامية ) لنفس الغرض الذي سعى إليه السادات بمصر، ألا وهو مقاومة المد اليساري المتمثل على الخصوص في الشيوعيين، إلا أن تنامي شوكة الإسلاميين وانقلابهم ضد حليفهم القديم أدى بهم إلى الأحداث المعروفة: حظر الجماعة، والحكم على زعيمها بالإعدام…
إن ما يمكن أن نخلص إليه حتى الآن، هو نوع من الحديث عن نوع ما من الاختلاف الوحشي بين الحركات الإسلامية، أو بالأحرى بين الجماعات الإسلامية المكونة لكل يمكن أن نسميه "حركة إسلامية"، إذ أن كل الاختلافات الملاحظة من طرف الباحثين، وكل أسس التصنيفات التي ركزوا عليها –والتي تعرضنا لها حتى الآن ليست في الحقيقة إلا مظاهر للحركة ووسائلها، وليس جوهرها الذي تشترك فيه كل الجماعات الإسلامية أينما كانت. ويمكن أن نحدد أسس هذا التشابه الجوهري في نقطتين:
ـ اعتمادها كأساس ومنطلق أصول الإسلام (الكتاب والسنة ) وأحيانا سنة السلف الصالح من أجل بلورة برامجها السياسية ومنطلقاتها الإيديولوجية.
ـ وضعها لهدف مشترك، تسعى بكل الوسائل الممكنة التي تسمح بها الظروف السياسية لأمكنة نشاطها، وكذا إمكاناتها الذاتية، سواء منها المادية أو البشرية (القاعدة ) من أجل تحقيقه وبلورته على أرض الواقع، ألا وهو تطبيق الشريعة الإسلامية. وهكذا يظل الصراع من أجل السلطة، والعمل السياسي وسيلتان من أجل تحقيق ذلك ليس إلا.
هكذا نخلص رفقة O.Carré إلى الحديث عن نوع من "العالمية الإسلامية" internationale islamiste أي أنه رغم الاختلافات المتعددة والملاحظة في أساليب العمل، والتنظيم، ووسائل النضال، وطرق الممارسة السياسية والدينية، والأطر الإيديولوجية، والمنطلقات والمراجع (الكتاب والسنة، وهناك من يضيف سنة السلف الصالح بل هناك من يتعداها إلى سنة التابعين وتابعي التابعين )، رغم كل ذلك فإن هناك أسس مرجعية ونقط تشابه كثيرة تجمع الجماعات الإسلامية.
وإن مما يؤكد ذلك الاتصالات التي حدثت والتي لا زالت تحدث بين أقطاب وزعماء هذه الجماعات على الخصوص من أجل التنسيق، وتبادل الخبرات، والتعاون بين الجماعات أو المجموعات. وذلك من خلال الانتشار الواسع لكتب بعض رواد الجماعات الإسلامية في البلاد الإسلامية، والتي قد تؤخذ كمراجع لجماعاتها الإسلامية، ثم من خلال الدخول في حوارات بين الجماعات سواء على المستوى الوطني أو الدولي.
في هذا الصدد يلاحظ أحمد موسالي أن مذهب السيد قطب في الثورة، ومذهبه في العدالة الاجتماعية، ومذهبه فيما يخص القانون الوضعي الإنساني، تعرف رواجا وانتشارا واسعين في العالم الإسلامي وتمارس نوعا من الجذب على كل أطراف اللعبة السياسية داخل هذه البلدان
وقد بلغ هذا التعاون والتقارب حدودا قصوى بين الجماعات الإسلامية في مصر ولبنان وسوريا. فقد قامت جماعتا الإخوان المسلمين في مصر وجمعية الشباب المسلمين بتوحيد اسميهما، وكان من نتائج هذا التقارب إنشاء جماعة الإخوان المسلمين في سوريا لأول مرة. وقد تبع ذلك إنشاء المكتب التنفيذي لمسيري الإخوان المسلمين في عدد من الدول العربية الإسلامية، حيث كانت لجماعتي الإخوان المسلمين في لبنان وسوريا قيادة أو تمثيلية موحدة، كما أنشأ الطرفان الآخران مجلة مشتركة تتكلم باسميهما (المنار )، ولها قيادة مشتركة: رئاسة سورية، ونيابة رئيس لبنانية، وإن عرف هذا المكتب نوعا من الهيمنة المصرية
هكذا نخلص في النهاية إلى أن الحركة الإسلامية هي كل كبير، يضم عددا من الجماعات والأفراد الذين تجمعهم أسس مرجعية وأهداف شبه موحدة، والذين يركبون كل الرياح، ويستعملون كل الوسائل الممكنة، التي توفرها لهم إمكاناتهم الخاصة، وواقعهم الاجتماعي، من أجل تحقيق أحلامهم، على اعتبار أن الإسلام منظومة فكرية شاملة لكل مناحي الحياة الإنسانية، والتي على أساسها يمكن حل المشاكل التي تعترض العالم الإسلامي، وبناء عليها يمكن بناء الأرض الصلبة لانطلاق نهضته.
بقلم الدكتور يونس العمراني
|
|
3206 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|