طه لمخير
علينا أن نضع العمل الوحشي في امليل في سياق الإستراتيجية الإرهابية الجديدة بعد ما سمي بالربيع العربي، وطريقة اشتغال ثلاثي الأيديولوجيا القطبية (الإخوان المسلمين المشيخة القطرية والأتراك العثامنة) في ممارسة التأثير على القرارات السيادية للدولة الوطنية، فقد باتت الأغراض السياسية واضحة لكثرة تكررها في سياقات الصراع على النفوذ السياسي والأيديولوجي مما يمنحها صفة المنهج، وحتى نفهم ما حدث بشكل أوضح، فلنضع في اعتبارنا هذه المقدمات التي تربط الأسباب بمسبباتها، ونضع الوقائع العامة والأحداث الجارية في إطار سياق عام لا ينفصل عنه ولا يشذ عن منطقه:
إحالة قاضي التحقيق حامي الدين على غرفة الجنايات، وهو عضو بارز في تنظيم إخوان المغرب، إقامة ندوة للتعريف بفظاعات الهولوكوست في مراكش، ومعروف عن الإخوان علاقاتهم التاريخية بهتلر، وتأثر حسن البنا بالأيديولوجية النازية وفِي بنائه للتنظيم واضح المعالم.
وفد أميري يحط الرحال بشكل غريب في معسكرات البوليساريو أياما قبل الواقعة الآثمة، زيارة وفد رفيع مثل هذا لا يمكن إلا أن تكون بقرار من أعلى سلطة في المشيخة، ثم يتم بث الفيديو الشنيع للجريمة من الجزائر، يتلوها مباشرة تصريح ملتبس لابن كيران على أحد المواقع الالكترونية، لا تستطيع -وهو يتلاعب بالألفاظ- أن تميز منه: هل الرجل يستنكر الجريمة أو يدعم منفذيها !!، يختم التصريح بدعاء أشبه بتهديد والشماتة.
شخصية معروفة تظهر بتصريحات مثيرة ويتكرر ظهورها هدفها النيل من المؤسسة الملكية، فجأة يخرج الرميد ليتراجع بشكل غريب ومثير للانتباه عن طعنه في نزاهة القضاء المغربي.. بعد فترة من ترقب رد فعل السلطات وشبه اطمئنان على مواقعهم: الآن حان موسم جني ثمار سياسة الرعب وإدارة التوحش: العدالة والتنمية تستأسد وتحشر 100 محام للدفاع عن حامي الدين، وجماعة العدل والإحسان غير الواثقة من نفسها تتحسس رقاب أعضائها وتنظم منتدى صوري لتجس نبض الدولة والمجتمع !.
الأمر هنا يشبه الذي شارك من وراء ستار في جريمة بشعة وخرج إلى الشارع يطالع وجوه الناس هل ينظرون إليه؟ هل كشفوا تواطؤه ووضاعته؟، نظرة الشك والريبة لها طعنات السكين، وتأنيب الضمير والتقلب تحت نير المسؤولية الأدبية له لسع السياط، لدرجة أن أحد أعضاء جماعة العدل والإحسان لم يتحمل التغطية الإعلامية المكثفة للجريمة البشعة، وساءه رد الفعل الغاضب والناقم للمجتمع المغربي، فعلق على ذلك بما معناه: لقد مر ما يكفي من الوقت، ولا داعي لأن نطيل في الشجب والاستنكار.
يا سادة، هكذا تتم الأمور: قطع الرؤوس وإلقاء الرعب في القلوب، يتبعها حصد الغنائم عندما تتساهل الدول مع إجرامهم. إذا لم يجدوا الرد الصارم الرادع فستكون تلك بداية لأنهار من الدماء.
إنه من السذاجة حقا أن نمنح ولو قليل من المصداقية لنظرية الذئاب المنفردة، ببساطة لا توجد. هذه الخلايا تشتغل في نطاق شبكي معقد لا تتحرك إلا عندما تتلقى الأوامر من العالم السري للإخوان المسلمين بتوجيه الضربة، تماما مثل ما حدث في حادث ستراسبورغ الإرهابي، أعقبه بشكل غريب إزالة اسم القرضاوي من اللائحة الحمراء للانتربول، هكذا يساوم التنظيم الدولي للإسلاميين بدماء الأبرياء وبأشنع الطرق سادية من اجل أهداف سياسية.
في ملف بالغ الأهمية عن طرق اشتغال الإسلاميين بين عوالم النشاط السياسي والاقتصادي والتبشيري السلمي، وعوالم الإرهاب السرية نشرته على حلقات واشنطن بوست عام 2004 جاء فيه: " التعقيد يكمن في كونها (جماعة الإخوان) حركة سياسية وإطار اقتصادي وفِي بعض الحالات داعمين للإرهاب (…) مسؤول رفيع المستوى أورد بان مكتب التحقيقات الفدرالي "درس الإخوان عن بعد لعقد من الزمن، لكننا أكثر وعيا بحقيقتهم الآن".
أحد الأوجه المقلقة عن الشبكة التنظيم،تضيف الصحيفة على لسان المسؤول، هو الرباط السري بين نشطاء الإخوان "نحن مهتمون كثيرا بالعلاقة بين الأفراد والكيانات هؤلاء يعرفون بعضهم البعض لأكثر من عشرين سنة ومستعدون لفعل أي شيء في خدمة بعضهم لأنهم يعتبرون أنفسهم إخوان".
الإخوان المسلمون تضيف الصحيفة لها علاقة بالجماعات المتطرفة ، اثنان من أعضاءها المصريين شكلوا تنظيما إرهابيا أيمن الظواهري نائب أسامة بن لادن والشيخ الأعمى عمر عبد الرحمن الذي أدين بالتآمر لتفجير برجا في نيويورك عام 1995".
إن موضعة عمليات ما يسمى بالذئاب المنفردة في سياق الأحداث التي أحاطت بها كفيل وحده في إحباط هذه النظرية واعتقد أننا لو راجعنا السياق العام لعمليات مشابهة سنجد أنها لم تكن قط عشوائية أو بنت الصدفة أو محض جنوح و انطلاقة هستيرية لأحد المعبئين الأيديولوجيين لممارسة الإرهاب في الشارع بعد سماعه مقطعا فيه تجييش للمشاعر وإثارة عاطفية وإلا لكانت هذه العمليات مستمرة دون توقف كفقاعات الماء التي تغلي على سطح قدر ساخن، لكنها متقطعة ومرتبطة بأحداث، فهي عمليات مرتبة بدقة، واعية وموجهة لتحقيق هدف سياسي محدد، رسالة للسلطة وللمجتمع في آن واحد، وليس من قبيل قول رئيس وزراء الدنمارك لارسلوكهراسموسن في مؤتمر صحفي يوم الخميس حسب ما نقلته رويترز ”تشير الكثير من المعلومات الآن إلى احتمال وجود دافع سياسي وراء عمليتي القتل.. وبالتالي (فإنه) عمل إرهابي“.
فهي فعلا عمل سياسي تطمح منه التنظيم العالمي تحقيق أهداف على رأسها تحصين وضع التيار الإسلامي وحزب العدالة والتنمية في مواقعه التي بدأت تهتز تحت أقدامه، لقد أضاع الإخوان العالم في دنيا من الأسماء الهلامية لخلق التميز بين ما يطلق عليه الحركات الإسلامية المعتدلة والأخرى الراديكالية: القاعدة وأحرار الشام وشباب المجاهدين وبوكو حرام وجبهة النصرة وداعش وأنصار بيت المقدس والجماعة الإسلامية وجبهة الإنقاذ…عندما نجمع الخيوط ستنتهي كلها إلى تنظيم الإخوان الظاهر على السطح دك التيار حصون التنوير بشتى الوسائل بالقتل ومحاولة الاغتيال تارة (فرج فودة ونجيب محفوظ) وبالإغراء والتجنيد تارة أخرى وبالتشويه، حصد في أثناء ذلك الطبقة الشعبية كشرب الماء وسدد ضرباته إلى الجامعات والطبقة المتعلمة ثم وصل إلى مؤسسات الدولة الوطنية مسلحا إننا نحمد الله أن المؤسسة الملكية استطاعت الصمود لكن التيار اخترق العديد من المواقع بل تجرأ حتى استطاع أمام مرأى الجميع تسمية سيد قطب ليس هذه واقعة عابرة فهي بحد ذاتها ابلغ تعبير عن الإخوان المسلمين الذي يشكل أمراء قطر ذراعه المالي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ذراعه التنظيري والأيديولوجي، له امتدادات سرية في عوالم الرعب السفلية، لكنها دون روابط مادية يمكن إثباتها بالوثائق التي عادة ما تربط الأعضاء بالتنظيم وتؤرخ للأنشطة والقرارات، يتم الأمر بالكلمة والإشارة والعبارات المشفرة، ربما تغريدة على تويتر لشيخ الإرهاب القرضاوي في صيغة دعاء معين، يكون كلمة سر للقيام بعملية نحر أو ذبح في هذا المكان من العالم أو ذاك.
أحد أبرز قياديي الإخوان يدعى يوسف ندى، الذي كان مسجونا في الخمسينات في مصر لارتباطه بأنشطة الإخوان وضع أسس شبكة بنكية معقدة في الثمانينات… المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون يوردون بأن تلك الشبكة مولت تنظيم القاعدة وحركة حماس والجماعة الإسلامية المقاتلة في الجزائر. نجد أن أحد المستشارين الرئيسيين ليوسف ندى الألماني أحمد هابر أحد منكري الهلوكوست، ومن ضمن النيو-نازيين الذين ساهموا في مساعدة تنظيم الإخوان في بناء هياكله المالية وإمبراطوريته الاقتصادية.
تاريخ الإخوان المسلمين والتحديات التي يطرحونها بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين تظهر تعقيد الجبهة السياسية في الحملة على الإرهاب بعد 17 سنة مضت على هجمات 11سبتمبر، فعملاء مكتب التحقيقات الفدرالي والمحققون الماليون كشفوا علاقة التنظيم بالإرهاب وانتهاك القوانين، أما الدبلوماسيون ومراكز الأبحاث والاستراتيجيات التي اخترقتها قطر، نجدهم مع ذلك يتحدثون عن احتواء على الأقل لأجنحة التنظيم"المعتدلة"، بالنسبة لكلا التيارين في الحكومة الأمريكية لازالت الجماعة أمرا غامضا.
هذه السياسة ينبغي أن تنتهي الآن، لأنها أدت إلى التساهل مع التكفير والإرهاب والتطبيع مع هياكله التنظيمية والتبشيرية، وكانت نتائجه تشير إلى ارتفاع صارخ للأعمال الإرهابية طيلة السنوات التي تلت عملية الحادي عشر من سبتمبر، لا فرق بين الأجنحة السياسية والدعوية والجهادية الإرهابية لتيارات الخلافة والإسلام السياسي، في المغرب يجب وضع حد للتيارات الإسلامية وأنشطتها الأيديولوجية من خلال سن تشريعات جديدة صيانة للمجتمع، ووضع الخطاب الذي يتمسح بالدِّين تحت رقابة شديدة وحصرية لوزارة الأوقاف حتى لا يبقى الحبل على الغارب.
الملكية هي الحل