على شاكلة الضفادع التي تعيش في المياه العكرة، أطلقت بعض القنوات التلفزية الممولة من طرف النظام السعودي العنان للسانها لتصدر أصواتا كنعيق الغربان أو كنقيق الضفادع، لا قيمة لها سوى ازعاج الدول التي طالما ساعدتها في كل محنها عبر التاريخ.
ومن جديد، قدمت القناة الإخبارية “العربية” ضمن نشراتها، برنامجا يسلط الضوء على أزمة الصحراء. حيث بدت بلادة الصحفي الذي يذيعه واضحة وهو يقدم معلومات تافهة ومغلوطة عن المغرب، بخصوص قضية الصحراء. فجعل من مرتزقة البوليساريو دولة معترف بها، ونصبهم ممثلين شرعيين للشعب الصحراوي.
فإذا كان مفهوم “الهلوسة” في علم النفس هو الإحساس بمحسوس غير موجود، والوعي به في حالة اليقظة. فتلك بالضبط هي الاضطرابات التي أصبحت تصيب إعلام المملكة العربية السعودية وبعض قياديها بين الفينة والأخرى. فتدفعها إلى إصدار خطابات كتلك التي تصدر عمن أصابته الحمى، أو فقد قدراته على التركيز.
والغريب هو أن المملكة العربية السعودية لا زالت تتخبط في فضيحة تصفية الصحافي جمال خاشقجي، التي جرت عليها ويلات الانتقاد، والتوبيخ، والتأنيب من اعداءها واصدقاءها، وأثارت نقم وسخرية المنتظم الدولي بكل مكوناته السياسية والإعلامية، لبشاعة الأسلوب الذي سلكته الأجهزة الرسمية السعودية في قتل هذا الصحافي بطريقة بربرية، لمجرد أنه كان يبدي رأيه في أسلوب حكم ولي العهد السعودي.
ومن خيبته وضعف بصره وبصيرته امتطى الأمير محمد بن سلمان طائرته كالتائه في صحراء الفتن، وتنقل بين الدول الصديقة والعدوة، لينشد ودها، ويطلب قربها، ويتوسل إليها لتضغط على دولة تركيا، من أجل طي ملف هذه الفضيحة النكراء.
ولعل ولي العهد السعودي أثناء زيارته للجزائر، تلقى ما يكفي من المساومات الابتزازية، والوعود الكاذبة، من النظام العسكري الأبله والمشلول، الذي مافتئ يسعى جاهدا إلى الإساءة للمغرب، وتسميم صداقاته مع الدول العربية والإفريقية.
ولعل ما يقوم به ولي العهد السعودي اليوم، تنطبق عليه، إلى حد كبير، نظرية “الضفدع المغلي” التي يقصد بها خبراء السياسة: التأقلم التدريجي المؤدي إلى الفناء دون الوعي بالأخطار المحدقة. فالضفدع إذا وضع في ماء ساخن فهو ينط ويقفز فارا من الحرارة، أما إذا وضع تحت حرارة الغليان التدريجي، فهو يبقى ساكنا إلى أن يلقى حتفه، وذاك هو حال ما يقع حاليا من غليان تدريجي في الخليج العربي.
ولعل سياسة المملكة العربية السعودية، وجارتها الإمارات العربية المتحدة، تسير في هذا الاتجاه، بحيث كثرت تجاوزاتهما الخارجية، واختلالاتهما الداخلية، فأصبحا معا كمن تاه في صحراء قاحلة بدون بوصلة او دليل. فالحرب في اليمن وما جرته من ويلات على شعبها المسالم، وتفجير مجلس التعاون الخارجي، وما أحدثه من شرخ في منظومة دول المنطقة، وإغداق المال والعطايا بهدف زحزحة استقرار الجيران، وتكوين الميليشيات، وايقاظ الخلايا النائمة، وازعاج راحة الدول الصديقة… كلها أساليب مبتدعة التجأت إليها هاتان الدولتان، منذ وصول حاكميها الشابين؛ حيث غابت الحكمة، وحضر النزق والتهور.
فالمغرب الذي لم يبخل بالغالي والنفيس من أجل ضمان استقرار وأمن المملكة العربية السعودية، والدفاع عن حوزة أراضيها، وكان في مقدمة الصفوف لصد أي اعتداء على شعبها، وشارك الى جانبها في محاربة المد الحوثي وفي التصدي لاعتداءات الجيش العراقي في عهد النظام السابق، تجازيه المملكة السعودية اليوم بما جازى به الملك النعمان المهندس سنمار. بل إن ولي عهدها غض النظر وأبدى تسامحا كبيرا مع حثالة مساعديه، الذين تطاولوا بألسنتهم القدرة على سمعة وكرامة المغاربة والمغربيات، ومنهم المتصابي والتافه تركي آل الشيخ.
فها نحن كإعلام حر في المغرب، ينأى بنفسه وبكرامته عن الرشاوي القذرة التي تلقتها منابر الخزي والعار، وصحفيي الذل والمهانة، لنتولى الدفاع عن وطننا، وكرامة ابنائنا، من تطاول ألسنة “البترودولار” النتنة، في دولة ظلت أقرب إلى المغاربة من أنفسهم، يوم كان حكمها بيد الحكماء.
وما دمنا بصدد الرد عن نقيق الضفادع النطاطة، في البرك المتسخة، نحيل القارئ الكريم الى الملهاة الإغريقية “الضفادع” التي كتبها في الزمن البعيد، الكاتب المسرحي اليوناني “أريستوفان”، حول واقع أثينا حين خلت من كبار شعرائها وحكمائها، الذين انتقلوا الى عالم الموتى، فلم يبق فيها غير المتشاعرين وسفلة القوم، وفيها يقول في إحدى المحاورات: “إنه يكره الرجل الذي يتلكأ في خدمة وطنه ويسارع إلى الحاق الضرر به، ذاك الذي يسعى إلى تحقيق مآربه الشخصية ولا يؤدي واجباته القومية، ألا إنهم مجرد ضفادع”.
وإذا كان النظام البشري يشبه إلى حد ما النظام الحيواني، في بعض قواعد العيش، بالرغم من بدائية ودونية هذا الأخير، لأنه يوظف الغريزة بدل العقل، فإن المتغيرات المتسارعة في زمن اليوم، تجعل بعض الأنظمة في الشرق الاوسط تتبنى الأساليب الضعيفة لبعض الزواحف، من أجل ضمان بقائها بأسلوب بدائي أيضا. انهم لا يفكرون في مخاطر المستقبل، ولا يعبؤون بالتخطيط والرؤية السليمة، بقدر ما يفكرون في ترف العيش وإغراءات الحاضر. فبعض الحيوانات تخفي رأسها تحت الرمال أثناء المصاعب، وبعض الزواحف تحفر الأرض أثناء المخاطر، فكذلك بعض أنظمة دول الخليج، لا تستبق ما ستأتي به الايام وتكتفي بتقليد الزواحف والثدييات والحيوانات، وليتها تلتزم الصمت او تذهب الى السبات كما تفعل السلاحف في فصل الشتاء، فذاك خير لها من الاختباء في الحفر أو من إصدار الاصوات المزعجة كنعيق الغربان او نقيق الضفادع.
وأخيرا، لا نعرف لماذا التزمت السعودية الصمت حين سخر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” من ولي عهدها، وقال انه لولا الولايات المتحدة لانقرض نظام السعودية، هذا بالرغم من ملايير الدولارات التي وضعتها على حجره في البيت الأبيض؟ وعوض أن يحشر أنفه فيما لا يعنيه،أولى بالإعلام السعودي أن يفسر للعالم لماذا يعتقل بوليسها المواطنين المدنيين، من علماء، وحقوقيين، وصحفيين ويزج بهم في السجن بدون محاكمات عادلة؟ ولماذا تملكت الغيرة دولة كبيرة في الخليج العربي، من دولة صغيرة جغرافيا وذكية كقطر، خططت يوما، و استبقت الأحداث، واجتهدت من أجل بناء كيانها لمواجهة مناورات جيرانها؟.