تخبط قادة جبهة البوليساريو لم يعد خبرا تغطيه السرية والغموض وفي أكثر الحالات التمويه. فمنذ صناعة أولاءك الانفصاليين من طرف النظام العسكري بالجزائر وهم يقدمونهم كشعب فقد أرضه وخيامه وإبله وجب إرجاعها. والحقيقة تكمن في غير ذلك على طول الخط، فهذا الكيان الوهمي خرج من رحم حركة كانت تنادي باستقلال الصحراء المغربية عن الاحتلال الاسباني.
فخانت عناصر تلك النواة مبدأ تقرير مصير الصحراء المغربية الحقيقي بإبعاد الإسبان وعودة الشرعية المغربية التاريخية والقانونية، والمشروعية الشعبية.
نواة البوليساريو الخائنة للمبدأ والتاريخ والأرض، تلقفتها الاستخبارات الجزائرية وشكلتها ورعتها حسب أجندة العسكر وجنرالات ما بعد الهواري بومدين الأب الشرعي لنظام ناهض المغرب في حقوقه على أرضه وسيادته.
إذن من الضروري الالتفات إلى أن من يعرقل تقرير مصير الصحراويين في الرجوع إلى أرضهم وإبلهم وديارهم التي لم تعد خياما، هو النظام الجزائري.
العجيب هو الهبة التي قامت بها الآلة العسكرية الجزائرية وذراعها الاستخباري للمجاهرة بدفاعها عن حقوق الإنسان في الصحراء. والأغرب موقف المنظمات الحقوقية وبعض الدول التي أغرتها رائحة النفط والدولار الجزائري، فكانت المعين غير الأمين على حقوق الإنسان، وكيل الاتهامات إلى من يناضل لترسيخ قيمة تلك الحقوق في مجتمعه ومؤسساته.
بالتالي من المفروض الالتفات إلى من يدعي دفاعه عنها، في حين هو يمعن في انتهاكها بمنهجية داخل حدوده وبين أبناء شعبه.
كيف لنظام عسكري وجبهة انفصالية ميلشياوية، أن يهتما بحقوق غيرهما وهما يتفننان بشكل مريض في قتل روح الحرية وإبداء الرأي داخل قطاعاتهم التي يحكمونها؟
في مخيمات تندوف المحكومة بالحديد والنار اندلعت مظاهرات واحتجاجات الساكنة، مظاهرات لا تهدأ حتى تعود مجددا للاندلاع نتيجة الحكرة والقمع والانتهاكات الجسيمة لآدمية هؤلاء المحتجزين المغلوب على أمرهم.
الاحتقان وصل الذروة مؤخرا داخل المخيمات فلم يعد المحتجون يطيقون حالتهم، فغضبوا بشدة واحرقوا بعض المقرات التي تعتبر مراكز أمنية للبوليساريو. الغضب لا يولد إلا الغضب، والعنف الذي تمارسه الآلة العسكرية للانفصاليين ضد من يريد أن يعبر عن رأيه في قضية تهم مستقبله، أو في سعيه لتأمين قوت عياله اليومي.
كل هذا يجعل من البوليساريو أداة غير أمينة على من غسلت أدمغتهم وسلبت حريتهم في تقرير مصيرهم بالعودة إلى وطنهم الأب الغفور الرحيم. وبالنتيجة برميل بارود في المنطقة ككل.
لماذا تتهرب البوليساريو بدعم جزائري من تسجيل اللاجئين وإحصائهم؟ أليس هذا التعتيم والهروب من الحقيقة من إنتاج نظام عسكري وميليشيات تتاجر بأرواح ضحايا تم احتجازهم رغم إرادتهم، والتسويق لقضيتهم بتزوير الهوية والتاريخ والاستفادة من المساعدات العينية والمادية؟
الكل الآن ينذر بكارثة إنسانية داخل مخيمات تندوف نتيجة غياب كل مقومات الحياة الكريمة. والأكثر من ذلك هو تضييق الخناق على مؤيدي الحكم الذاتي من داخل تلك المخيمات. وليس أدل على ذلك هو الحركة التي تقض مضجع قادة الانفصاليين، شباب أطلق على انتفاضته "ثورة شباب التغيير".
ولا يمكن لثورة أن تندلع إلا إذا كانت الأوضاع لا تطاق، والعيش مع منتحلي البراءة والإنسانية لا يعد بمستقبل وهم يدعون الدفاع عن حقوق الشعوب.
كيف يمكن حماية اللاجئين بمخيمات تندوف دون إحصائهم؟ وكيف يتم تحصينهم دون تجنيدهم ضمن الجماعات الجهادية المنتشرة في شريط الصحراء والساحل؟ رغبة العصابة الانفصالية البوليساريو هي إبقاء الوضع في حدود تمكنهم من ابتلاع المساعدات وبناء العمارات وإتمام مشاريعهم وراء البحر.
في نهاية شهر ابريل/نيسان من هذه السنة صوت مجلس الأمن على تمديد مهمة المينورسو بالصحراء حسب ما تقتضيه البنود المحددة لتلك المهمة دون إقحام مراقبة حقوق الإنسان. بالطبع هذا انتصار للمغرب ودبلوماسية ملكه وهزيمة نكراء لمن انحاز لقرار يفرض غصبا آلية جهنمية ومُسَيَّسَة لمراقبة حقوق الإنسان بالصحراء.
رفضت الولايات المتحدة قرار مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء. وهذا راجع لتلاقي حسابات الواقعية السياسية عند صانع القرار الأميركي، مع التقدم الذي راكمه المغرب في مجال حماية حقوق الإنسان داخل البلاد بموازاة مع الدفاع عن الأمن والاستقرار بالمنطقة الذي انخرطت في الرباط بشكل فعال وواضح. وبتفاعل متكامل مع مشاريع التنمية التي تعنى بالمواطن المغربي وتؤسس لحالة فريدة للمملكة في المنطقة في التعامل مع السلبيات والحد منها وتكثيف الايجابيات وتحصينها.
إن إقناع المنتظم الدولي بأن المغرب على حق في مساعيه الحقوقية والتنموية بأقاليمه كلها، لا تكون إلا باللغة التي يفهمها في عالم تحكمه المصالح أكثر من أي شيء آخر. ولا يسع الرباط إلا أن تتحدث لغة المصالح بقوة وحزم وذكاء أيضا.
ضياع البوصلة والإنهاك اللذان تعرفهما أطروحة الانفصاليين تجعلان من قياداتهم تتلاعب بأمن واستقرار المنطقة بالارتماء في أحضان الجماعات التي تحتضنها القاعدة بالمال واللوجستيك.
مع تفصيل مهم وهو أن الخارطة الجغرافية لتلك الجماعات المتطرفة باتت تتوسع على كافة الاتجاهات، وتمارس عملها الإرهابي في غياب تام أو جزئي لمؤسسات الدولة في بعض المناطق. ما شجع القاعدة وأنصارها والمدافعين عن وجودها على تقوية صفوفها بمنتسبين جدد، ولن تعدمهم في مخيمات البؤس والخراب بتندوف.
عكس الآخرون فقد ساهم المغرب في الحرب ضد إرهاب القاعدة في منطقة الساحل والصحراء، وذلك لاقتناعه بالعمل الجاد والمكثف مع دول تشاركه نفس الرؤية والهم. وتعاون الرباط مشهود لها على كافة المستويات.
لم يكتفِ المغرب بالجانب الأمني فقط في مقارعة الإرهاب المؤسس على خطاب ديني متطرف، بل صدر نموذجه المتقدم نحو دول تحتاجه في افرقيا وغيرها، نموذج إسلام يتأسس على روح التسامح والتربية الدينية المتوازنة.
أخيرا فالأقاليم الجنوبية تتحدث لغتها الخاصة في التطور والاستقرار والأمن الذي تفتقده مدن أخرى في دول مجاورة وتتمنى ولو قبسة من شعلته المضيئة. ومن يجادل في السلبيات ويعتبرها الصورة العامة، فهذا عدمي حالم لا يفقه من أبجديات الحياة سوى تدمير ما يبنيه الآخرون.