كلاهما في النار الأمازيغية:
استغربت أثناء تصفحي للائحة البيبليوغرافية لكتاب "السياسة اللغوية في البلاد العربية: بحثا عن بيئة طبيعية، عادلة، ديموقراطية، وناجعة" لصاحبه عبدالقادر الفاسي الفهري، وهو الباحث المطلع والمتبحر في تخصصه، أنه يعود في المسأله الأمازيغية إلى تدبيجات أحد كتاب هسبريس، أعني رمضان مصباح الإدريسي، الذي يكتب بشراسة هدامة عن الأمازيغية بعبارات سوقية بعيدة عن الكتابات الأكاديمية الجادة."
امبارك أباعزي:ازدواج الموقف في خطاب التعريب.جريدة الرياض السعودية.ع17201 يوليوز2015
نعم،بكل هذا التهور،حتى لا أستعمل كلمة أخرى، يقتحم قلم أمازيغي شاب عرين عالم لغوي مغربي كبير،ليفرض عليه بيبليوغرافيا أخرى ،غير التي اعتمدها في بحثه؛رغم أنه يشهد له بالتبحر في تخصصه.
أما ما أصابني منه فأسكت عنه ،لأته غيض من فيض لا يزيدني الا تمسكا بأمازيغيتي ؛ بدون مشيخة مني ولا علي.
هم هكذا –أقصد غلاة الأدلجة الأمازيغية- طعنوا في طارق بن زياد ،المولى إدريس،يوسف بن تاشفين،عبد الكريم الخطابي،المختار السوسي ؛وكل علماء اللغة الأمازيغ ،حتى صاحب الأجرومية.
كل بجريرته ،كما يتصورها هؤلاء الذين ينكبون اليوم ،على إخراج النسخة الثانية من "الظهير البربري" ؛المنقحة والمزيدة؛احتكاما إلى أجندة " باطنية "،استُدرجت إليها حتى الأمم المتحدة، أخيرا ؛نكاية في دولة لم تسارع إلى تهجير مواطنيها العرب،وحتى الأمازيغ ،حماة اللهجات،ومعهم كل كتبهم ،المقدسة والمدنسة ،صوب الجزيرة ؛إن لم يكن حتى ألمانيا ،كحال السوريين والعراقيين ..
ونكاية فيها لامتناعها عن ضرب السكة ،باسم" يوغورطا" أو" ديهيا".وضربا على قفاها ،وهي لا تضع العربة قبل الحصان ،فتدرس "تفناغ" في غياب المحتوى،ولو تحليلا علميا لمكونات النعناع.
وخلعا لأضراسها ،وهي توقف بعض التكليفات لتدريس الأمازيغية،لأن فصولا تعطل فيها النشاط الديداكتيكي الأصلي؛الذي لاخلاف حوله بين كل أطراف العقد التربوي التكويني.(تدريس الأمازيغية خلافي ،ويجب أن يظل هكذا حتى تنتفي كل المغامرات ؛بما فيها تبعات القضاء على اللهجات ؛خصوصا والمشرع يقول بجهوية متقدمة).
فكيف لا يصيب رذاذ المهاترات عالما لغويا مغربيا معاصرا ؛لأنه – وقد غُضَّ النظر ،كلية،عن آرائه - لم يستفت "المجلس العلمي الأمازيغي" في أمر مراجعه؛وفي أمر هذا الكاتب السوقي .
هم يرونه هكذا،سوقيا، لأنه – في كتاباته عن الأمازيغية- ليس مريدا لا لإخوان "الايركام" ،ولا لخلان "التسويس" (من السوسية).
مهما كان بيانُك – والكاتب الشاب يدرك أن مبنى النصوص يكذبه- فعباراتك سوقية ،وحتى ترجمتك السابقة لبعض الدستور(2011)، إلى اللهجة الزناتية الزكراوية ،مجرد حروف من لحم نتن ،كما ذكر أحد المعلقين: (اقديدن يرصضن).
كلكم في النار الأمازيغية ،يا من تصرون على مغربيتكم ،بكل أبعادها اللغوية والثقافية؛قبل إصراركم على أمازيغية التراب ،الماء،النار،وحتى طيور عابرة ،صافات ..
المعيارية لغة تعريبية:
أخذا بعين الاعتبار كونها بحمولة "قتالية" قاتلة لكل اللهجات الأمازيغية ؛عدا السوسية.قاتلة لها ،كما تَدْرُج بها الألسنة في البيوت والأسواق،وهذا أهم من الاحتكام إلى الجذور ،وهو غالبا تعسفي . لو تأبطت كلمة "أفولكي" السوسية ،وطفت بها على كل قبائل الكتلة الزناتية ،بسهل أنكاد ،وجواره الجبلي الريفي ،لما فهمها أحد ،عدا عارفا بالسوسية.
إذن علينا أن نلقي بكل مرادفاتنا المعبرة بالزناتية عن "الجيد"، "الجميل" ،الممتاز" ؛ونواصل تخريب كل هذا اللسان ؛في مدرسة عمومية ،تَصرف عليها الدولة ،من ضرائبنا أيضا ،كأمازيغ الجهة الشرقية.
على الجدات والأمهات أن يعقدن مجالس إنصاف ومصالحة لغوية، مع أبناهن المُمَعيرين، لتقويم ألسنتهن.
يعني هذا ،لغويا، كذب هؤلاء النسوة على أبنائهن سابقا؛ فالجميل أو الجيد –مثلا- ليس هو "أوصبيح"، بل "أفولكي".
ما هذا العبث ؟
إن "الايركامية" لغة غير مخبرية ،بالمعنى الذي يجعلها تستدخل كل الألسن في الجهات،بحضور باحثين مختصين ،يحققون تفاعلا لغويا متكافئا؛بل لغة مهربة من السوسية ،كلية تقريبا؛ وكأي بضاعة مهربة ،لا بد أن تحاول استغفال كل الأجهزة الجمركية والأمنية ؛ حتى ولو تعمقت في تخصصاتها ،وأتت بألف برهان وبرهان.
تهريب قتالي ،وقاتل في نفس الوقت. ومن هنا ما سبق أن ذكرته عن النشاط التعريبي الأسري ،التلقائي،لجميع أطفال قبيلة الزكارة وجوارها الزناتي. ومن هنا أيضا ما يلاحظ من تعثر تدريس الأمازيغية؛خصوصا في القبائل الأمازيغية.
إن التمر لا يُهدى إلى هَجَر ،كما تقول العرب. وهذا ليس مجرد تثبيط للهمم بل واقع .خذوا عينات تلاميذية ،من هذه القبائل ؛وابحثوا عن نطقها الدارج،بعد التمدرس ؛هل هو متمسك باللسان الأصلي للقبيلة ،أم احتلت فيه "الايركامية" نسبة ما؟ عيناتي ،ولو عائلية محدودة ،تؤكد أن أطفال القبيلة – حينما ترغمهم على الرجوع عن العربية إلى لسان القبيلة- يحدثونك ،بما انطبع في ذاكرتهم ،والى الأبد، من لسان الجدة والأم.
إن الطفل ياسين درس الأمازيغية بالقنيطرة،وخلفها فيها ؛لأنه حينما عاد صيفا إلى قبيلته "آيت سغروشن" –جوار تاهلة-لم أسمعه يتحدث،غير السغروشنية ،القريبة جدا من "لوراينية"،والبعيدة ،بعد الصين ، عن السوسية/الايركامية ،ومعلمها ذي الأصل السوسي ،الذي لم يدخر جهدا في تسويس لسانه ؛وقد أفلح،بدليل العشرات المحصل عليها ،لكن داخل الفصل فقط.
تتكرر ،هنا ،حكاية التخريب المتبادل بين العربية الفصحى ودارجتها، المُمزغِ بعضُها؛فهل نضيف إلى هذا إشكالا لغويا وديداكتيكيا آخر، تتواجه فيه المعيارية السوسية مع بقية الدوارج القبائلية؟
حينما ترفض الايركامية لهجات القبائل فإنها تدفعها صوب حالة اللاأمن اللساني ،لاهتزاز ثقتها في لسانها ؛وبالتالي البحث عن البديل اللغوي، الذي يجتث الصراع من أصله ؛وهو الإقبال على اللغة العربية ،حتى قبل ولوج المدرسة ،كما في الحالة التي ذكرت.
هذا نشاط تعريبي للمعيارية ،لكنه يختلف عن التعريب المعروف ،لأنه معصوب العينين ؛ يحقق نتائج،لغوية ، اجتماعية ،وثقافية غير مفكر فيها ،ولا مخطط لها .
إذا أضفنا إلى هذا فن خلق الأعداء ،الذي يجيده الغلاة ؛ وصولا إلى تسفيه كل الآراء المخالفة ؛في تحد سافر للدستور الذي جعل الأمازيغية شأنا مغربيا ،بإجماع،يهم كل المواطنين ؛في دكالة وعبدة ، كما في آيت حديدو وحاحة.
وإذا أضفنا إليه النشاط التنكيسي لكل قضايا الوطن، في ارتباطه بالعروبة ، وكل همومها ،وعلى رأسها الهم الفلسطيني؛ فان النتيجة المنطقية ،لكل هذا ، هي إيقاد نيران الممانعة الداخلية ،والتفرقة؛لمحاولة تذويب لحمة هذا الوطن ، بالنظر إليها كلغة صامتة،لكن قوية ، سبكتها وأنضجتها قرون من التاريخ ، سادت فيها دول وبادت ؛دون أن تقارب أبدا سؤال اللغة.
في كل حروب المغاربة ،وحتى في مجرد توتراتهم الاجتماعية القبلية ،لا نعثر أبدا على أثر للغة.يرتد كل "الهوس الهوياتي" واللغوي الأول إلى النسخة الأولى من الظهير البربري .هل يجوز أن نطبع منها نسخة ثانية ؟ ولمصلحة من ؛مادام حتى نسبة كبيرة من الأمازيغ ،يُلقي بها الغلاة في مهملات القبائل والألسن؟
تعريب معصوب العينين ،لكنه تخريب بأعين كبيرة للاستثناءين المغربيين:القديم والحديث .
رغم كل ملل ونحل وفرق الشرق العربي ،ظل هذا الغرب الإسلامي عصيا ،لم يُسلم القيادَ لغير العقيدة الأشعرية السنية ،ومذهب مالك.حتى والأدارسة أقرب للتشيع ،لم يفعلوها ,لخصوصية التدين الأمازيغي التلقائي ،الذي لم يكن يهتم بالخلاف؛وظل الدين عنده واحدا ،إلى اليوم.
ورغم تشظي هذا الشرق اليوم ،لنفس الأسباب العقدية الخلافية،إضافة إلى مستجدات العولمة ، ومصالح الدول الكبرى ؛نظل هنا استثناء لما ترسخ ،هناك، كقاعدة .
لكن إلى متى ؟ ها قد بدأ البعض منا يستعدي الخارج على الداخل ؛في أمر لغوي ،غدا دستوريا ؛ولا نقاش فيه، إلا في ما يتعلق بتنزيل القوانين المنظمة.
علينا ونحن ننزل القانون الأساس ألا ننساق فيه إلى نشطاء النسخة الثانية من الظهير البربري. علينا أن نختلف كثيرا حتى لا نرتكب أخطاء فادحة ؛لغوية،ثقافية ،اجتماعية؛ ولات ساعة مندم.
علينا أن نستحضر الأغلبية التي لا تتكلم ، ولا تستعدي أحدا على أحد؛حتى وهي تُهان من طرف صناع الأعداء .
وعلينا أن نستحضر أن لا أحد في هذا الوطن مستعد لتغيير لغته ،أو لهجته، لا لشيء إلا لأن البعض يستهين بها ،ويراها قد تعربت أكثر، ويرى السوسية انغلقت أكثر. لو كانت المعيرة الوطنية ممكنة لحصلت في دول المرابطين،الموحدين والمرينيين.
وعلينا أن نتريث حتى تستتب الجهوية المتقدمة ؛ وتشتغل في كل الاتجاهات الممكنة ؛اللغوية والثقافية أيضا،إن لم يكن أولا وأساسا.
كيف نُشرع لهذه الجهة المتقدمة،وفي نفس الوقت نقطع عروقها اللغوية والثقافية؛لأن جماعة من الاركاميين ،بدا لهم أمر فنفذوه على هواهم؟ ضدا حتى على الظهير المؤسس.
إن الاستعجال الذي يستند فيه البعض الى الخطاب الملكي ،غير مطلوب لذاته ، وكيفما تكن نتاجه؛بل هو استعجال بمعنى التنبيه والعتاب عن التأخر في التنزيل الأصلح.
كيف يتحقق التنزيل الأصلح للجميع،اليوم وغدا ،ونحن لا نرى في الساحة غير خطاب النسور من الغلاة؟
أين علماء اللغة؟ وهل يقوم البرلمانيون ،والحكومة، مقامهم؟
إن فقه الايركام أحادي واجتهادي ،وقد بذلت فيه جهود مشكورة؛لكن لا نقبل أن يتحول الى فقه حنبلي يذبح من خالفه.
رمضان مصباح الإدريسي