طه لمخير
يأبى القدر إلا أن يجمع ثلاثة وقائع مترابطة ذات دلالة في زمن واحد: تشميع وكر للإرهاب لجماعة ياسين، وإحالة قاضي التحقيق لعبد العالي حامي الدين على غرفة الجنايات بتهمة القتل العمد في جريمة إرهابية، وذبح فتاتين حالمتين بالرحلة واستكشاف جمال الطبيعة بأبشع الطرق همجية وبربرية يندى لها جبين الإنسانية والعالم المتحضر، على يد حفنة من الهمج الرعاع الذين يقتاتون على نفس الايدولوجيا الاسلاموية القطبية.
كنت أدرك أن حزب العدالة والتنمية يعتبر أعظم إنجازاته السياسية هو التطبيع مع ثقافة الإرهاب والتكفير، وتسويق النموذج الاخواني السلفي.. جريمة شمهروش كان هو المقطع الختامي لما قدموه للمجتمع طيلة سنوات حكمهم، وهذه ذرة التاج وفخر الصناعة الذي تنتجه مصانع الحركة الاسلامية في المغرب.
إن من يسمع حديث سفاحي شمهروش في المقطع الدعائي الذي سبق جريمتهم البشعة، لن يجد اختلافا بينه وبين الخطاب الذي تذيعه جماعة العدل والإحسان في مجالسها الخاصة ومساجدها السرية وفِي أدبيات مرشدها، ولا حركة التوحيد والإصلاح الاخوانية في محاضراتها وندواتها الدوغمائية، ولا دعاة السلفية الجهادية على حساباتهم في وسائل التواصل، كلها جداول تصب في نهر واحد، وتشكل من مجموع كياناتها سيلا جارفا يهدد السلم الاجتماعي والاختيار الحداثي الديمقراطي لمغرب اليوم ومغرب الغد.
لماذا لا تقفز خديجة الرياضي والمعطي منجب والنويضي و غيرهم ممن هبوا لنصرة الجماعة عقب تشميع أوكار التجنيد الشمهروشية ليدافعوا عن مجرمي شمهروش؟، ما الفرق بين هؤلاء وأولئك الذين شمعت أوكارهم في وجدة، أو أولئك الذين هللوا لذبح السفير الروسي في تركيا؟أليسوا كلهم يدعون إلى قتل المخالفين، كلهم يتلذذ بتكفير أتباع الديانات والمذاهب والفلسفات المختلفة، كلهم يدعون إلى إقامة الخلافة الاسلامية التي سيطبق فيها جند الله، شباب الثورة الاسلامية الطاهر؛ حكم الشريعة في الأرض، ويقذفون ماء النار في وجوه النساء السافرات، ويستأنفون الجهاد ضد الكافرين والمرتدين، قطعا لرؤوسهم وسحلا لأبدانهم وتقطيعا لأوصالهم.
كان يكفي سفلة شمهروش أن يشكلوا جماعة شمهروشية سياسية وحركة دعوية، ومجلس شورى وإرشاد، ليحظوا باعتراف المجتمع السياسي والمدني، ويتمتعوا بدعم مفتوح من جمعيات حقوق الانسان، وبدل أن يعمدوا لذبح السياح، يذبحوا الديمقراطية وهم يشتغلون بشروطها وآلياتها وهياكلها.
لكن حفنة "الحقوقيين"(المدعومين من قطر منهم) تنكمش الآن وتنقطع حجتها وتخرس ألسنتها.. فلا تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا.. فقط لأن الوحشية هنا ظاهرة ومعلنة، وليست محتجبة تحت ستار المعارضة السياسية والعمل النضالي الديمقراطي.
لازال إلى حدود الساعة موقع هوية يذيع مقاطع ومقالات للفكر السلفي الجهادي الذي يقتات عليه زبانية الذبح ورهبان الإرهاب دون حرج أو خوف ملاحقة، لا زالت حكومة العدالة والتنمية توفر الحماية السياسية لأطرها التنظيمية والدعوية المحرضة على القتل وسفك الدماء، لا زال عراب الارهاب وحرق الجثث أحمد الريسوني بعيدا عن قبضة العدالة، يغرد بالإرهاب حرا طليقا !!.
لا زالوا يشنون حملات التفسيق والتكفير على السينما والمسرح والموسيقى، على الأنشطة الثقافية والفنية التي تنور العقول وتهذب الطباع، ليس آخرها حملاتهم التي استهدفوا بها مهرجان موازين ومهرجان مراكش السينمائي. ولولا ادراكهم لمناعة وقوة الجهاز الأمني وأن الخيام قادر على اخراجهم حتى من مساكن النمل لو لجأوا اليها، لرسموا في المغرب أبشع لوحات الإجرام.
الأمر بالغ البساطة، الاسلاميون يخافون جهاز الأمن. يمقتونه ويكظمون الغيظ في صدروهم، لأنه يد القدرة التي تحول بينهم وبين مشاريع الدم ومحاكم التفتيش. خضعوا لشروط السياسة ومبادئ الدستور واندسوا في العمل النضالي السلمي لأنهم يخافون الجهاز، لا أقل ولا أكثر. إنهم في قرارة أنفسهم يتمنون لو أن الإرهابيين نجحوا في الفرار، يراقبون بدقة فاعلية الاستخبارات ومردودية الادارة الأمنية لأن ذلك من صلب اهتماماتهم.
إنهم مع كل عملية ارهابية يتحسسون رؤوسهم كالمغشي عليه من الموت، وينظرون من تحت أعينهم إلى المجتمع، هل ينظر إليهم بعين المقت و الازدراء والريبة؟، يذكرون جيدا كيف لفظهم المجتمع من الباب إبان هجمات2003 الإرهابية،ولم يلبثوا حتى عادواإليه من النافذة الديموقراطية والعمل السياسي والحقوقي السلمي،وما يريدون لا سياسة ولا تنمية ولا نضال ولا هم يحزنون، ولكن جاءؤونا بالذبح !.
ولأنهم يعلمون أنهم يتحملون مسؤولية أدبية وأخلاقية في ما قام به رعاع شمهروش؛ فهم يصدرون بلاغات الإدانة الروتينية الصفراء بلا ذوق ولا معنى، لأنهم ملزمون لنفي التهمة عن أنفسهم. ينظّرون للذبح ويحرضون على المحرقة، فإذا رأوا ثمار أعمالهم الوحشية والبربرية في ما لا يتحمله إنسان ولا تطيقه طبيعة بشرية سوية، تبرأوا كما تتبرأ الشياطين، ثم لا يلبثوا بعد مرور العاصفة أن يعودوا لما نذروا له أنفسهم وأعمارهم.
إن آلة الدعوة الاسلاموية في المغرب ينبغي أن تخضع للمساءلة والمحاكمة لا أقل من محاكمة كبار النازيين في محكمة نورينبورغ الشهيرة التي أسست للميثاق العالمي لحقوق الانسان، وأن تحاسب حساب الملكين على كل ما تنتجه وتسوق له من خطابات التكريه والتحريش الاجتماعي ضد الاختلاف والتنوع والتعددية؛ لأن الوضع خرج عن السيطرة، وتكاثر المؤمنون و المتعاطفون مع نظرية حز الرقاب، وما حادثة شمهروش إلا قمة جبل الجليد الذي يخفي ما تحته من أهوال!!.إنهم يستهدفون الانسان في روحه، والمجتمع في لقمة عيشه، والعقل في انفتاحه وانعتاقه…، طاردوا خفافيش الظلام، الزبانية الذبّاحون ومن يعتذر لهم أو يبرر أعمالهم أو يحرضهم من وراء حجاب، لا مكان لهم بيننا.
الملكية هي الحل