تنعكس مخرجات أي نموذج تنموي للبلدان، بشكل بديهي، على أوضاع شبابه، ويعد الشباب الشريحة التي تضع كل تغيير على المحك، فهي المقياس الحقيقي لمدى نجاعة أو فشل هذا التغيير، ذلك أنها تمثل الفئة الأكثر نشاطا في المجتمع أي الأكثر إنتاجية، وأيضا الأكثر احتياجا، نظرا للعلاقة المباشرة التي تربطها بباقي المجالات؛ التعليم والتكوين، الصحة، التوظيف… في التقرير التالي رصد لوضعية الشباب المغربي وجس لمدى انعكاس برامج التنمية الأخيرة على أوضاعه المعيشة انطلاقا من أرقام رسمية، مع أننا لا ندري إن كانت تستجيب لمعايير الأمانة والشفافية والنزاهة اللازمة ولكننا لا نملك غيرها للاحتكام.
يشكل الشباب نسبة مهمة في الهرم السكاني المغربي، حيث كشفت إحصائيات حديثة أن نسبة الشباب (ما بين 15 و34 سنة ) تمثل “أزيد من 34 % من التركيبة السكانية المغربية، أي من الناحية العددية 11.7 مليون شاب”
والواقع أن إثارة مشكل الشباب في أي بلد من البلدان، بغض النظر حتى عن النسبة المئوية التي يشكلها داخل المجتمع، تعني طرح مشكل المستقبل وآفاقه ومضامينه، فشباب اليوم هم رجال الغد بلا شك، وبه تكون قراءة وضعية الشباب في هذا البلد أو ذاك قراءة لمستقبله.
إن قراءة وضعية الشباب المغربي، وللأسف الشديد، لا تنكشف إلا على ظلام دامس وأشباح مخيفة بالنظر إلى الأرقام والإحصائيات الصادرة عن عدة جهات بما فيها الرسمية. فقد كشفت إحصائيات أوردتها المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة الأمية لدى الشباب سنة 2016 بلغت 11% على الصعيد الوطني، وأن شابا من بين كل 4 شبان تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 24 سنة (أي مليون و 685 ألف شاب ) على الصعيد الوطني لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين.
هذا الإحصاء الأخير أكدته أيضا وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، حيث أعلنت أن نسبة بطالة الشباب تصل إلى 30,6%، هذا دون النظر إلى نسبة الشباب الذين يندرجون في ما يعرف بالبطالة المُقنَّعة حيث يمارسون أنشطة موسمية ومؤقتة سواء في البوادي أو الحواضر.
في نفس السياق أعلنت نفس الهيئة، على موقعها الرسمي بتاريخ 05/02/2018، أن عدد العاطلين سنة 2017 قد ارتفع بـ49.000 شخص، مما زاد من حجم البطالة بنسبة 4,2%، تفوق تلك التي عرفها حجم التشغيل 0,8%، وأن أعلى معدلات البطالة سجلت في صفوف الشباب (ما بين 15 و24سنة ) بـ26,5% علما أن المكان الطبيعي لهم هو مقاعد الدراسة، كما وصل معدل بطالة شبان المدن حسب الدراسة ذاتها إلى أكثر من 42%، وفي صفوف حاملي الشهادات بلغ 17,9 %.
كما أن الأرقام الرسمية تقول أن 75% من الشباب المغربي لا يتوفرون على أية تغطية صحية، وأن 82% منهم لا يمارسون أي نشاط ترفيهي أو رياضي أو ثقافي.
وتعد مشاكل العطالة والإدمان والأمية… من المشاكل العويصة والمزمنة لدى الشباب المغربي خلال العقود الأخيرة، بنسب تفوق نظيراتها في باقي الدول الشبيهة.
أما بالرجوع إلى مجموع الكتابات التي قاربت مشاكل الشباب في عقود ما قبل الألفية الثالثة في عموم الدول المتخلفة، نجدها ترجعه إلى غياب التوازن بين النمو الديموغرافي المتزايد والإنتاج المتدني، على اعتبار أن هذا المشكل الفئوي غير مطروح بالمرة داخل الدول المتقدمة لقلة الولادات من جهة، وارتفاع نسبة النمو الاقتصادي من جهة أخرى، أي وبتعبير آخر تم إلصاق المشكل بوعي المواطن وثقافته وطريقة عيشه ونظرته للمستقبل، وهو ما استلزم العديد من الحملات التحسيسية وبرامج تحديد النسل ومحاربة الزواج المبكر وغيرها… لكن دون أي تحول يذكر.
هذا الربط بدا مع مرور الوقت أنه غير صحيح، إذ أن هذه الدول “المتقدمة” نفسها بدأت تشكو من اتساع قمة هرمها الديموغرافي (أي نسبة الشيوخ ) مقابل ضعف شديد في وسطه (الشباب )، وترى أنها مهددة في المستقبل القريب في توازنها الأسري بل وحضورها الثقافي أيضا.
ليس ذلك فقط بل إن دولا أخرى تعرف نموا ديموغرافيا مضاعفا، استطاعت بسواعد شبابها وسياسات التأهيل والتعليم الجيد قطع أشواط كبيرة في الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصاديا (دول شرق آسيا نموذجا ).
أما من جهة أخرى وبالرجوع إلى الحالة المغربية، وبالضبط من خلال النظر في نوعية الشباب الذي يتعاطى للمخدرات، نجد أن نسبة كبيرة منهم تدخل ضمن خانة المتعلمين، بل من الكوادر التي أعياها الانتظار في طوابير سوق الشغل، الشيء الذي دفعها للانتحار البطيء، وكذا ركوب قوارب الموت. حيث كشفت دراسة حديثة – اشتغلت على عينات شبابية – لمؤسسة بحثية تابعة للاتحاد الأوربي في تقرير سمي بـ”صحوة” خلال شهر فبراير 2017 أن 20% من الشباب المغربي يرغب في الهجرة، من بينهم حملة الشهادات، وذلك بسبب شعورهم بالإحباط، وأوضحت أن السبب الرئيسي الذي يدفع هؤلاء الشباب إلى الهجرة هو إيجاد وظيفة شريفة وشروط عيش أفضل.
بل لقد كشفت لوائح الشباب المغربي الذي قضى نحبه في قوارب الموت في السواحل المغربية الإسبانية، عن وجود شباب من ذوي الشهادات العليا وأبطال في رياضات مختلفة على المستوى الوطني، من مثل الشاب أيوب مبروك (21 عاما )، بطل المغرب في الكيك بوكسينغ على مدى أربع سنوات الذي غرق في شواطئ منطقة قادس الإسبانية بعدما انفجر قارب كان يقله مع العشرات من المهاجرين غير النظاميين، في الوقت الذي قال فيه أحد أفراد عائلة أيوب رحمه الله أن قرار الهجرة هذا كان قد اتخذه بسبب الإهمال والتهميش الذي تعرض له.
وأكثر من ذلك، وحسب نفس الاستطلاع، فإن 91% من المغاربة مستعدون لمغادرة المغرب والاستقرار في الخارج، وهو ما تؤكده النسب المرتفعة للعائلات المغربية التي تدفع كل ما لديها من أجل الوصول إلى مقعد دراسي لأبنائها في بلدان مثل: فرنسا وكندا… مع غياب أية نية للعودة لديهم، حيث قد يلجؤون إلى الزواج من أجنبيات لضمان الاستقرار هناك، وهو ما يعني تدني الثقة ليس فقط في المنظومة التعليمية والتشغيل لهذا الوطن بل في المستقبل برمته.
في الوقت نفسه نجد استمرار الحديث عن الاستثناء المغربي والمشاريع التنموية الرنانة… دون أي اعتبار لكل هذه الفواجع التي قوبلت بالصمت والتجاهل والقتل في البحر بعد الطحن في البر، في دلالة كاشفة على عمق الخلل البنيوي الذي يعيشه هذا البلد على مستوى التدبير السياسي وكل خياراته الكبرى.
بقلم الدكتور يونس العمراني