طه لمخير
كانت العرب تسمي بعض شعرائها بكلمات غريبة أو شنيعة وردت في أشعارهم مثل:
عائدُ الكلب، واسمه الحقيقي عبد الله بن مصعب لقب بذلك لقوله:
مالي مرضت فلم يعدني عائد منكم ويمرض كلبكم فأعود
ومنهم المُمزّق واسمه شاس بن نهار لقب بذلك لقوله:
فإن كنتُ مأكولاً فكنْ أنتَ آكلي وإلا فأدرِكْني ولمّا أمَزّقِ
وفِي عصرنا عبد الإله بن كيران صاحب "لن نسلمكم أخانا" التي صارت له شهرة يلبسها وكنية يدعى بها، أو بوعشرين صاحب "الكنبة"، او حامي الدين "مول طروطوار"، وابن حماد صاحب "الجنس على عتبات البحر" والنائبة"مولات الخمار والبيكيني"، وهذه في المغرب داعية من المخبتات القانتات الغاضات من أبصارهن الحافظات لفروجهن، وفِي باريس امرأة غنِجة عابثة منطلقة في الحياة تكاد تشبه صويحبات الرايات. لمن لا يعرف صويحبات الرايات فليراجع تاريخ الجاهلية فإنه حافل بأخبار صعاليك حزب العدالة والتنمية.
ويخيل إلي أحيانا وأنا أتأمل أشباحهم أنني قد كشف عني حجاب الحيوانية، فرأيتهم مسخا على حقيقتهم، وإذا لكل منهم وجه كثيف الحيوانية، فهذا في سحنة حمار وهذا في هيئة ضبع وتلك من فصيلة ابن آوى وآخر في مسلاخ خنزير أو بغل أو قرد، كل حسب طبعه وشهوته ومقدار تسلطه على المناصب والمال العام، وجميعهم بأذيال يجرونها وراءهم.
ولا حظنا مع غيرنا من المتتبعين أن المجتمع الحزبي منذ فجر الاستقلال لم يعرف نظيرا لهذا العهر السياسي والوقائع الجنسية التي يقصفنا بها نواب الأمة "المحترمون"الذين جاءوا على ظهر دبابة الحاكمية فجر ربيع أسود. كان رجالات الحركة الوطنية وكان اليسار واليمين.. كان البكاي بن مبارك وعبد الله ابراهيم وأحمد بلافريج وَعَبد الخالق الطوريس و المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد واليوسفي وبن جلون، وكان آيت يدر وعلال ويعته…الواحد منهم إذا جلس إليك ظننت أن عطارد نزل من الفلك..
كانت النفوس كبارا مهما اختلفنا مع توجهاتها ورأيها في السياسة والحياة، وكان الإيمان روحا في القلب ورجاحة في العقل وبلاغة في المنطق، لا زغبا نابتا على قذارة الذقن، وخرقة سياسيوية على الرأس، ووقاحة ديماغوجية شعواء، تبدأ بالوحي الذي ينزل عليهم والتقوى التي تشع من سحناتهم الكالحة فهي شعارهم المرفوع، وتنتهي بالمضاجعة المحمومة في الزوايا والأركان.
لم يعد أزلام الإسلاميين الكبار قادرين على الإمساك بأعنة الشهوة والاغتلام التي يحترق في أتونها الإخوان والأخوات الفارين بفروجهم الملتهبة إلى أوروبا حيث لا أحد يعرفهم ولا عين تراقبهم. حركة التوحيد والإصلاح تخرج أفواجا من المكبوتين جنسيا فترسلهم سحابات من الذباب يطوفون في الأجواء،داعيات ودعاة على أبواب جهنم يرفعون سياط الوعظ في المجالس والندوات ويكافئون أنفسهم بالجنس في السيارات على الشواطئ مختبئين كالذئاب، راهب وراهبة بالنهار،ذئب يضاجع نعجة بالليل، ثم ينبح المقرئ الإدريسي أبو زيد: واهويّتاه.. إنها الفرنكوفونية إنه الاستلاب إنه الهلاك !!!. اسألوا عنهم العجوز عبد الكريم مطيع فهو أدرى بما زرعت يداه.
إنهم لم يأتوا ليمارسوا السياسة ويديروا الشأن العام بكفاءة ومسؤولية، هذا أمر لا شان لهم به ولا طاقة لهم عليه، ندرك جيدا لماذا يروج أنصار الاسلاموية والمتعاطفون معها من المأجورين للتبرير والمغالطة لمقولة "الحكومة المحكومة"، نوع من الاعتذار البارد والانسلاخ من المسؤولية كالفراش المنسلخ من دودة القطن، وما ذلك إلا ليداروا فشل الحكومة الملتحية (بتعبير الراحل المدغري) في الوفاء بالوعود المقطوعة والفشل الذريع في السياسة والاقتصاد وإدارة الأزمات وخلق فرص الشغل، إنهم ببساطة تائهون في المؤسسات، يتخبطون، لا يعرفون ما يصنعون في مكاتبهم المكيفة، ولا أي قرارات عليهم أن يتخذوها حيال المشاكل الاقتصادية والتنموية، لا برامج ولا استراتيجيات ولا يحزنون. وصدق حسني مبارك عندما قال "إنهم لا يصلحون حتى لإدارة كشك سجائر".
ولولا وجود المؤسسة الملكية لانهار الاقتصاد واستفحل التضخم وضربت البطالة أرقاما قياسية منذ اليوم الأول لهم في السلطة، مثلما حدث في مصر عندما أطلقت يد الإسلاميين في الحكم. الاسلاميون لم يسقطهم الانقلاب، كلا، سقطوا لأنهم مفلسون سياسيا فاشلون إداريا غايتهم أمرهم تلاوة الأربعين النووية، لا يجيدون إلا الركوب على الكلمات والخطب الشعبوية والأزمات، إنهم أتوا ليغيروا القوانين الوضعية بقوانين الجلد والرجم وفرض اللباس الاسلامي على النساء، وبعدها انتظار موعود الله بالمن السلوى، الأمر لا يحتاج إلى كثير فلسفة؛ لم يأت الوعد الإلهي المزعوم فأُسقِطَ في أيديهم.
وها هم بعد أن تضخمت كروشهم وشربوا وانجذبوا طفقوا يمارسون الجنس الجماعي، على أعين الناس يتساقطون كأوراق الخريف، ويديرون امبراطورية من الفساد الإداري والمالي والاختلاسات والنهب الممنهج للخزينة العامة. إنهم يعتقدون في المعجزة السياسية والاقتصادية التي تنزل فجأة على جناح جبريل، منذ الوهلة الأولى كانوا يتوهمون أن مجرد انتخابهم وتوليهم للحكم وتطبيقهم لشريعة المودودي وسيد قطب سوف تفتّح أبواب السماء فيأكل الناس من فوقهم ومن تحتهم، أولياء الله الذين سيجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين.
هكذا كان يعتقد إخوان محمد مرسي في مصر وفِي ليبيا وفِي سوريا، هل نصر الله مليشياتهم الهاتفة "الله أكبر"، الرافعة أعلام الجهاد؟. هل قامت لهم دولة أو خفقت لهم راية؟ كلا،لأن الإرادة الإلهية كانت دائما تؤكد لهم أن الله سبحانه لا يؤيد بنصره المجرمين، لا يريد أحدا ليحكم باسمه ويضطهد الناس بكلماته، وينصب للناس المشانق ويدق بينهم الأسافين، فالله هو نهر الحب الخالص وفيض الغفران الذي لا ينقطع له مجرى.
الله يريد الناس أن تخرج إلى العالم وتغني وتستمتع بالحياة، وأن تعمل وتتدارس قوانين الطبيعة وتنتج ثمرات إبداعها للإنسانية علما حقيقيا ومعرفة منيرة، هكذا سنة الله في ألمانيا وأستراليا واليابان وفِي أي مكان يمكن أن نلتمس تلك السنة الهادية العادلة، لا تفتيشا في ضمائر الناس وتصنيفهم حسب أزياءهم وأفكارهم وأسلوب حياتهم، الله خلق الناس مختلفين وقال :" ولذلك خلقهم" وملأ قلوبنا بالانفعالات والأحاسيس والرغبات وبوفرة من حب الخير وحب الانسانية ومنحنا الإرادة الحرة والفضول اللامحدود، كلما اقتربت من الله المنّانالحنّانالذي يسكن قلبك نفرت من الآلهة السياسية الحانقة والغاضبة التي تسكن قلوب الاسلاميين.
الله لا يحب الخداعين المتواكلين الذين يوهمون الناس أن الإيمان يغني عن العمل، بل يريد المبدعين الخلاقين الذي يخلقون الثروة من العدم بالاختراع والاكتشاف والإلهام والبحث العلمي في آفاق الكون وأغوار الطبيعة، لا العدميين الذين يبكون حظهم ويلومون غيرهم ويعكفون على التخطيط لتكفير المجتمع ولعنه أو إشعال ثورات أناركية يائسة، الذين يطلبون الحقائق في المختبرات العلمية وعلى ضوء التجارب ويعمروا الأرض بأجمل العمران وأروع الزخارف العلمية وبالفن والتكنلوجيا والأدب والموسيقى،وهي أمور بينها وبين الاسلاميين ما بين الإنسان والقرد.
الإسلاميون اعتادوا أن يلعبوا في الأجواء العائمة، لا يحبون المجتمعات التي تصطف فيها المواقف صريحة لا جمجمة فيها، فإما الحداثة والتقدم، أو التخلف والثيوقراطية والحروب الأهلية، يمقتون ذلك لأن هذه الأجواء تضطرهم إلى الإعلان الصريح عن مواقفهم الفاشية والتخلي عن اللعبة البراغماتية التي احترفوا السباحة في تيارها.
الملكية هي الحل