إقطاعي بادْ، ومستبدّ عاد، فسمْوا ذلك (ثورة).. جنيرال سقط، فنادوا رجلا رشي عوده، وقوس ظهره، وخلا فمه من الأسنان فانتخبوه رئيسا فكرس الفساد في البلاد فسمّوا الواقع الجديد (ثورة)، حتّى بهدلت لفظة الثورة وظهرت العورة، واشتكت اللغة من ظلم الذين يعانون من الإسهال اللغوي، الذي عمّ العالم العربي برمته ثم إن اللهم اكفينا ثورات هؤلاء، وجنّبنا شرّ ثوراتهم، فقد صبرنا حتى ضاق من صبرنا الصّبر.. ولكن ما هو مفهوم الثورة عند من يحترمون منطق اللغة، ويحرصون على تسمية الأشياء بأسمائها وهم سادتنا فلاسفة اللغة نفعنا الله بعلمهم؟
الثورة هي تغيير جوهري في أوضاع المجتمع وأحواله وأفكاره لا تتّبع فيه طرق دستورية.. والفرق بين الثورة وقلب نظام الحكم هو أن الثورة يقوم بها الشعب وقد وعى واقعه المزري ففكر في تغييره طبقا لأفكار مفكرين يثق بهم، فالثورة تسبقها فكرة ووعي وإصرار والتزام، على حين أن قلب نظام الحكم يقوم به بعض رجال الدولة للاستيلاء على السلطة طبقا لأفكار مسبقة، قد يكون مطعونا في صوابها أو شريعيتها فهم بكل بساطة متمرّدون لا أقل ولا أكثر .. وثمة فرق آخر بين الآمرين، وهو أن هدف الثورة تغيير النظام السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي الفاسد، لكن هدف الانقلاب، هو مجرد إعادة توزيع السلطة السياسية والثروات بين هيئات الحكم المختلفة وقد يكون النظام الجديد أكثر رداءة وسوءا من النظام الذي سبقه، مع أن نجاح الثورة يؤدي إلى سقوط الدستور الذي كان يحمي زمرة الحكام الفاسدين، فكان يبرّر لهم السرقات ونهب الثرواث وقمع الذوات واستغلال الأدوات..
والثورة هي مقابلة للتطّور: فهي سريعة وهو بطيء، وهي تحول مفاجئ وهو تبدل تدريجي من أشهر الثورات السياسية والاجتماعية التي حدثت في التاريخ هي (الثورة الأمريكية) عام (1776) والتي قادها رئيس عظيم يدعى [توماس جيفرسون: (1826-1743)] وقد استعرضنا في المقالة السابقة معالمها، وإنجازاتها في أمريكا و(الثورة) الفرنسية كانت مجرد مؤامرة ضد الملك قادها اليهود الأشرار وشارك فيها الفاسدون والسجناء القتلة قطعت رؤوس بالمقاصل وأوصلت هذه الثورة الزائفة مستبدا وقاتلا إسمه (نابليون) الذي كان يتسلّق جبالا من الجثت للوصول إلى أهدافه العدوانية.. ثم هناك الثورة الروسية التي قادها يهودي ليثأر لأخيه وقد انتهت بخيانة حيث سلم (لنين) أراضي روسية إلى (ألمانيا) مقابل أموال أمدّته بها لإرشاء مرتزقة واستمالة جنود لا ضمير لهم..
ويرى الفلاسفة أن كل حركة تؤدي إلى تغيير جذري في المجتمع دون عنف أو قهر أو إراقة دماء فهي بمعنى ما من المعاني ثورة، كقولنا مثلا: الثورة الصناعية والثورة الثقافية (مع استثناء الثورة الثقافية التي قادها الزعيم الدموي الصيني (ماوتسي تونغ) .. فهل ما حدث في العالم العربي خلال ما أسموه (الربيع العربي) يجسد ولو ثورة بهذا المعنى، الجواب: كلاّ! ثم كلاّ! بدليل أن العسكر قاد (ثورة) هنا: وأزلام نظام مستبد أسقطت مستبدّا وأتت بمستبد آخر وبقي النظام الفاسد قائما في البلاد) وهل جماعة ( الإخوان المسلمين) الدموية قادرة على إنجاز ثورة تاريخية بتوظيفها للدين، وبكذبها على الشعوب؟ إذن إحذروا من استعمال هذه اللفظة في غير مكانها، وخارج السيّاق الذي وضعت له! فالذين يسمون هذه الظواهر (ثورات) هم الكذبة..