رمضان مصباح الادريسي.
(1)
زمن للأنبياء وزمن للمتطفلين:
لم يكن حضور المغرب،بمقر الأمم المتحدة، أشغال لجنة مكافحة الارهاب ،التابعة لمجلس الأمن الدولي،حضورا شكليا فقط؛يكتفي فيه بتسجيل مساندته للجهود الدولية في موضوع " مكافحة التحريض على ارتكاب أعمال ارهابية بدافع التطرف واللاتسامح"؛ثم ينصرف منتظرا ما سيصدر عن المجلس من قرارات عامة،غالبا ما تضيع خصوصيات البلدان في تلا فيفها.
لقد اعتبر المغرب أن التئام شمل اللجنة ،في هذا الظرف الدولي الدقيق،فرصة ليعرض للنقاش –وربما التدويل- تصوره ،وتجربته في دفع الصائل الارهابي ،الوطني والإقليمي والدولي.
وقد تأتى له هذا من خلال تمثيلية مغربية وازنة ،أعتبرها سابقة في حياتنا السياسية ؛لحضور الفاعل الديني الحكومي،جنبا الى جنب مع الفاعل الأمني المخابراتي ؛في محفل دولي.
هكذا لم يقدم – في الحقيقة- كل من السيد أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية ؛والسيد ياسين المنصوري ،مدير الادارة العامة للدراسات والمستندات"لادجيد" ،سوى عرض واحد بشقين:
أمني مخابراتي، بمضامين ميدانية استخباراتية، مُكممة ودقيقة، تغطي مرحلة اشتغال ،وطنية،اقليمية ودولية، جاوزت العشر سنوات؛ بدءا من أحداث :16ماي2003. وقد أكد العارض على أن المقاربة الأمنية المغربية،اذ تمتح من قيم التسامح الدينية الكونية ،والوسطية الاسلامية، تضع نصب أعينها التنمية السوسيو اقتصادية ".
أما بالنسبة للأداء الديني التدبيري فهو بغطي كل المراحل المتعاقبة التي عمدت فيها الدولة الى هيكلة الحقل الديني.
وكما اتسع الخطاب الأمني ليشمل الجانبين القيمي والتنموي؛أحاط الخطاب الديني حتى بالجانب السياسي ؛اذ يرى السيد التوفيق أن "مناهضة الإرهاب تقتضي إرساء المشروعية السياسية، ودعمها بالإصلاح، في جميع الميادين، كما تستدعي وجود مؤطرين دينيين، من علماء وأئمة واعين بمقاصد الدين وبمصالح الأمة في انسجام مع شروط السلم".
ومن خلال استقراء بعض ردود الفعل ،في وسائل الاعلام ، يمكن الوقوف على الاعتراف بتميز النموذج المغربي –مُستَندا واشتغالا- وقابليته ليكون رديفا ومتمما للحلول القتالية الاستعجالية التي فرضها الشرط الداعشي .
لقد أصبح من المؤكد لدى أغلب المحللين أن الغارات الجوية لن تزيد على خفض حرارة الجسد الارهابي، المتوثب لتدمير كل القيم الكونية وليس الاسلامية فقط .
أما شد وثاقه، ثم ضرب رقبته – ومعذرة على وحشية هذه اللغة- فلن يتما خارج الاجتهاد الديني الجريء،على الطريقة المغربية الرسمية؛ضمن دولة وطنية تتصالح مع الديمقراطية، وتمكن كل الأفراد من نفس الحقوق ،وتُقدِرُهم على الواجبات.
لا يهم كم يتطلب هذا من أجيال وسنين ،مادام الهدف جليلا:تحقيق السلم الروحي الوطني،المغاربي و العالمي.زمن الأنبياء والرسل انتهى ؛ولن ينتهي ابدا زمن المتطفلين ،والمغرضين،إلا بسلطان حكيم ورادع.
من أين التميز المغربي في الحرب على الارهاب؟
من الدينامية التاريخية،والجغرافية القصية،التي جعلت من ساكنة "الثغر الغربي"للأمة الاسلامية ساكنة مهددة على الدوام ؛لم يكن لها أن تركن إلا الى ارادتها وعزمها وذكائها؛في شح غالب–وهو محمود – لنصوص الشرق وفقهه ،الذي نام في العسل و زرابي الخلافة وكواليسها، الى أن أيقظه المغول والأتراك.
حياة قصية متمردة حتى على الخلافة؛تضافرت فيها جهود السيف والقلم معا ،وتكاد لا تعترف بفقه إلا فقه النوازل؛ومن هنا نهضة الفقه المالكي المديني في المغرب ،وعبوره الى الأندلس ،مُجريا ينبوع المصالح المرسلة الذي لا ينضب أبدا؛مهما توالت العصور وارتقت الحضارة.
وتأسست نهضة مغربية راكمت قوة متصدرة – بمقاييس ذلك الزمن -،لم تُحَصِّنها فقط من ركود الشرق، وسكونه الثقيل ،وفقهائه الذين استفتتهم الهمجية المغولية فبالغوا في فقه الدماء؛بل نهدت بها الى الأندلس ؛حيث ثوَّرت نمط الحياة ،المعمار ،الشعر، الفلسفة والطب..
بل حتى الزنج ثاروا –كما ثار البربر- حينما تأسست الحقوق المدنية هناك ،وغدت السلطة مطلبا ومجالا للاشتغال السياسي ،وليس الديني فقط.
رَقَّ الفقه وتهذب حتى أحل كل مباهج الحياة وزينتها في بيئة خلابة؛بل انتقل الى الحب والألفة ،يُعلم المسلمين والنصارى واليهود أمور قلوبهم.
خارج هذا الاطار المعرفي الزمني – وبتأثيره أيضا- لا يمكن فهم لحظة ابن رشد،حق الفهم ؛ومن يقول بأفول فكره –ذ باسكال حيلوط- يهدم ركنا ابستيمولوجيا،فلسفيا وعلميا ،حتى في الحضارة الغربية .
وتوالى الزمن الحضاري المغربي في هذا الثغر الغربي النائي ،بعيدا عن ريح الطائفية التي تذبح الشرق اليوم وتفجره؛وبعيدا عن انتهازية الفقهاء؛حينما تفرق بينهم سبل السياسة.
حتى الدول الأمازيغية،وفي عز سلطانها- لم تهتبل الفرصة لتطرد العرب ؛لأنهم –ببساطة- لم يكونوا موجودين إلا كمغاربة ؛خلافا لمزاعم بعض الغلاة اليوم ،الذين تطرفوا في خدمة أجندة ثقافية لا يعارضها أحد.
بل حتى اللغة العربية لم تكن حاضرة حضور صولة تعريبية، اضطهادية وقسرية،كما يزعم أصحاب المظلومية مزيِّفين؛بل حضور غنيمة ،بعد أن تمغرب وتمزغ المضمون الديني الذي جاءت به.
ومن هنا اهتمام العقل التقعيدي اللغوي الأمازيغي بالعربية الفصحى،وتخليه طوعا عن تقعيد لسان محلي لم يكن يراه ناقصا في شيء،أو مُحَقرا من أي كان. حقائق لا يلتفت اليها من لا يقدرون نعيم اللاطائفية المغربية.
حتى التمدد التركي الذي وضع نصب عينيه عبور نهر ملوية ،والوصول الى حاضرة الدولة السعدية، لم يزد عن شحذ هذا التميز، و احياء جذوة التمرد على قوالب الشرق الجاهزة ،والتي اصبحت اليوم "قوالب" بالمعنى الذي يقصده اللسان الشعبي الدارج.
هَزَمنا الأتراك في واحدة فقط:زراعة الكراهية لكل ما هو مغربي ،في التربة الجزائرية.كراهية لا تزال فاعلة ،تعززها السياسة الى اليوم ؛ وقد وصلت الى حد اهدار قرون من التاريخ الاسلامي الثوري المشترك.
لو تصدى،اليوم، أفقه العدول لقسمة الميراث المُوَحِّدي فقط ،بين الشقيقين ،لعجزوا لأن قسمة التاريخ على الجغرافية مستحيلة.
لا أقسى من الحقد والكراهية التركيين ،وها أنتم ترون كيف يتفرج الطورانيون على ساكنة عين العرب الكردية ،وهي تُذبح ذبحا؛مفضلين الجوار الداعشي ،نكاية في أكرادهم.وحينما شعر الرئيس أردوغان بعيون العالم الموجهة صوبه ،طالب بحرب دولية برية ، وهو يعلم أنها غير متأتية حاليا؛ليوفر لداعش ما يكفيها من وقت لسلخ الأكراد السوريين ،وسبي نسائهم.
تنازلت الجزائر،طوعا، عن حصتها من التاريخ المشترك ،وتفرغت لعلم الجيولوجيا ،والاستغوار المربحين ؛وستجدنا دائما على موعد حينما تعاود الحنين – فقيرة- الى أشعة الشمس.
الاشتغالات الممكنة للنموذج المغربي: يتبع