ما الذي يريده أتباع العدل والإحسان اليوم من المغرب؟ القارئ لرسالة هؤلاء التي وجهوها إلى الإصلاح والتوحيد باعتبارها الجناح الدعوي للحزب الحاكم اليوم في المغرب، وإلى العدالة والتنمية باعتباره الحزب الحاكم هي رسالة خطيرة للغاية، تكشف أن الجماعة المحظورة أو غير المرخص لها التي يقودها عبد السلام ياسين تريد المرور إلى السرعة القصوى، وتقترح رفع السقف قليلا من أجل التفاوض من موقع أفضل ربما، أو من أجل الرهان على المجهول في رواية أخرى يرددها أناس يعرفون العدل والإحسان جيدا.
الملاحظون توقفوا طويلا عند خروج الجماعة من حركة 20 فبراير، بعد أن استوعبت أن رهانها على تحكم “مخزني” جديد في الانتخابات هو رهان خاطئ تماما، على اعتبار أن الدولة بقيت محايدة في الانتخابات الأخيرة، وتركت لصناديق الاقتراع أن تفرز من يراه الشعب مناسبا لقيادة المرحلة المقبلة، بل وتركت للعدالة والتنمية أن يجني ثمار تواجده في الشارع العام المغربي، وأن يكون رئيس الحكومة الحالية من بين صفوفه، بل وأمينه العام عبد الإله بنكيران شخصيا في سيناريو لم يكن الكثيرون يجرؤون على تخيله في أكثر أحلامهم تفاؤلا أو تشاؤما حسب درجة القرب أو البعد من البيجيدي وأهله.
العدل والإحسان وبعد ما يقارب السنة من الخروج مع الفبرايريين اقتنعت أن هذا الخروج لن يعود عليها بالنفع الذي تنتظره، لأن رهاناتها ليست رهانات العشرينيين نهائيا، وهي لا تريد توسيع هامش الحرية في البلد، ولا إسقاط الفساد أو الاستبداد والقطع مع كل المظاهر الكارثية في تسيير البلد، ولا كل ما تعتبره “هراء” يؤمن به شباب العشرين، لا، هي تريد إسقاط النظام وإيصال ياسين إلى الحكم بكل اختصار.
لذلك خرج العدلاويون من الحركة الشبابية، وقرروا تركها لمصيرها، واختاروا ما أسموه الخرجات الكبرى من خلال الرهان على التحركات القطاعية في مجالات اجتماعية كثيرة تعيش عددا من المشاكل يعتبرها أنصار ياسين قابلة لتجييش الناس ودفعهم للشارع لمواجهة الدولة، دون أن تتحمل الجماعة أي مسؤولية فيما قد يقع في هذا الشارع، اللهم تبني كل من سقط فيه، واعتباره “شهيدا” لها دون أدنى مراعاة لمشاعر أهله أو لحقيقة ما وقع له، ولا حتى لمدى انخراطه من عدمه في الجماعة.
ساخرون وصلوا حد القول إن أي مغربي سيموت اليوم هو عضو مفترض في العدل والإحسان، وهو شهيد افتراضي لجماعة تريد “باللي كاين” أن تصل. لكن السخرية اللطيفة على لذاعتها التي توجد في هذا القول لا تستطيع أن تحجب عنا حقيقة خطيرة للغاية هي أن الجماعة اليوم بتصرفاتها تدفع البلد بأسره نحو الدوامة الخطيرة للمجهول التي دخلتها دول قبلنا ولا زالت تؤدي ثمنها غاليا إلى اليوم. وعندما نقرأ تصريحات قادة الحركة، وخصوصا بعد تعيين حكومة بنكيران نفهم أن التوتر قد بلغ مداه بالجماعة التي أًصبحت تقتنع يوما بعد الآخر أن المغرب كرس بالفعل استثناءه وسط ما يعرف بالربيع العربي، وتمكن من النجاة من البحر المتلاطم للثورات الذي كانه عام 2011 المميز.
الجماعة تعرف أيضا أن سنة 2012 هي سنة انتخابات رئاسية في بلدين هامين جدا بالنسبة لبلدنا هما فرنسا في مقام أول وأمريكا في مقام ثان، وتعرف جيدا أن البلدين معا اللذان يعرفان قيمة المغرب جيوسياسيا لهما في المنطقة، لن يسمحا بأي زعزعة لاستقراره في هاته السنة بالتحديد، ما كرس لدى العدلاويين _ وهم أناس تعودوا الالتقاء بالسفارة الأمريكية ومسؤوليها حول الصغيرة والكبيرة _ الفكرة التي تقول إن المغرب سلم بالفعل من الربيع العربي وتمكن من استيعاب دورسه دونما حاجة لسقوط ضحايا من المغاربة مثلما وقع في ليبيا وتونس ومصر، أو مثلما يقع حاليا في اليمن وسوريا.
الأمر من هذه الناحية حمال وجهين بالتحديد. هو مطمئن لنا كمغاربة عاديين لأننا نعرف به أن بلدنا استطاع إلى حد كبير النجاة من التوترات التي عرفتها الدول الأخرى، وهو مخيف لأننا لا نعرف رد فعل جماعة متطرفة مثل العدل والإحسان تجاهه إذا ما أيقنت أن كل رهانها الذي وضعته على الحراك الشبابي في الشارع قد أثمر عن اللاشيء.
هنا تبرز ضرورة التسلح بالقدر الأكبر من الرصانة من طرف حكومة بنكيران لمواجهة التوترات التي قد تخلق من مشاكل حقيقية أو الأخرى التي قد يتم اصطناعها في عدد من المدن من أجل إثارة القلاقل في البلد، وذلك بتغليب كفة الحوار في كل هاته المشاكل، والسير برفق مع المحتجين، لئلا نعطي العدلاويين اليوم ما يريدونه، أي إثارة الفتنة في المغرب من أجل الوصول إلى أهدافهم.
دور المغاربة اليوم الأول هو أن يحموا أمنهم المشترك، أن نقتنع جميعا بأنه لن يمس، وبعدها من الممكن أن نحل كل إشكالاتنا بالحسنى. أما إذا سقطنا في فخ الصراع المتوتر حول كل شيء، فيجب أن نؤمن أننا دخلنا المجهول بإرادتنا فقط. إذ لا البطالة حينها ستجد حلا، ولا الفقر سيرتفع عن الناس، ولا بقية المشاكل ستجد طريقا إلى أي خلاص.
شيء واحد سيضاف لكل هاته المشاكل هو العنف المتبادل بيننا، و”ديك الساعة فكها يامن وحلتيها”.
لمختار لغزيوي larhzioui@gmail.com