لا تكاد جماعة العدل والإحسان تبرح مكانها الذي ارتضته لنفسها منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة خلت تنتج نفس الخطاب الشوفيني الذي عفا عنه الزمن، تحاول الجماعة ما أمكن أن تقدم نفسها بصورة تختلف عما هي عليه، لكن في كل مرة تسقط في نفس الخطاب، وكما كان عليه الأمر قبل ثلاثة عقود هاهي اليوم تعود لنفس المنظومة وكأنها بذلك تقول لكل المغاربة أن الجماعة لا تريد مواكبة المغرب.الرسالة الأخيرة، التي بعثت بها الجماعة إلى حركة التوحيد وإلى جناحها السياسي، العدالة والتنمية، كانت من نفس الفصيلة، وأعطت مرة أخرى الدليل على أن جماعة ياسين ترفض أي عمل في سياق التحولات التاريخية التي يعرفها المغرب، بل إنها لازالت حبيسة نفس الشرنقة منذ كان ياسين في أوج قوته، وقبل أن يهده المرض ويتحول إلى ما يشبه جثة هامدة، وإذا كان جواب حركة التوحيد والإصلاح صب في سياق الماضوية التي تميز خطاب جماعة تريد الخلافة لنفسها لا لغيرها، فإن ما تفعله اليوم ليس سوى إظهارا لحاجتها إلى العلاج بالصدمة حتى تستفيق من حالة التيه التي هي عليه.هي إذا نفس الحالة من الاغتراب الديني والدعوي الذي وجدت الجماعة نفسها منغمسة فيه، بلا روح ولا أفق، ترفض إعمال المنطق والأخذ بالحجة والبرهان، لأنها تعرف بأن مخالفة الأمة هو سبيلها الوحيد للبقاء على قيد الحياة، وحتى لا تنصهر في بوتقة التغيير.إن ما تدعو إليه الجماعة اليوم هو فصل المغرب عن تاريخه وعن هويته، وهي تتهم التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية بمجاراة الحاكم، مع أن الشرع والمنطق يقوم على أساس درء المفاسد وجلب المصالح، وليس من مصلحة المغرب أن تظل التفرقة قائمة، وأن تبقى جماعة ضالة تشعل الفتنة، بل وتدعو إليها في السر والعلن.لقد فشلت الجماعة وزعيمها الأبدي في إغراق المغرب في حمام دم، وأبان المغرب وهو يمنح حزب العدالة والتنمية فرصة تدبير الشأن العام، أنه لا يؤمن فقط بالديمقراطية بل يعتبرها أساس الحكم، وهو الأمر الذي لم يرق جماعة العدل والإحسان التي وجدت نفسها معزولة عن الشارع، بعدما جربت وصفة 20 فبراير فلم تؤت بأي نتيجة، لأن المغاربة يؤمنون بالحوار وبالمؤسسات وليس بالفتنة والضغينة والحقد الأعمى الذي لن يجني من ورائه الشعب سوى مزيدا من الكوارث.لقد فشلت الجماعة في فرض خطابها الاستئصالي، وفشلت كل خططها القائمة على الدم، وحين لم تستطع إلى ما كانت تصبو إليه سبيلا، سعت إلى نزع رداء الشرعية عن حركة التوحيد والإصلاح ليقينها أن العمل من داخل المؤسسات لا يمكن أن يمنحها ما تريد وما يرغب فيه زعيمها الخالد، وهي الخلافة الإسلامية التي ليست سوى أضغاث أحلام لا يريد أبدا أن يستفيق منها.ولا تفوتنا الإشارة، إلى أن رد التوحيد والإصلاح على جماعة العدل والإحسان كان شبيها برد الضعيف على القوي، وفيه نوع من الاستجداء وخلط الأوراق حيث طالبت تمتين العلاقة بين العاملين للدين وتقصد الحركات الإسلامية لأن هناك مؤسسات رسمية عاملة أيضا للدين كالرابطة المحمدية للعلماء والمجلس العلمي الأعلى، ولم يأت في الرد أن الطريق بين الطرفين ليست اختلافا في الاجتهاد ولكن اختلافا في أصل الاجتهاد.ولم تنتبه جماعة بنكيران إلى أن عبد السلام ياسين جعل منها ساعي بريد ليوصل رسالة جديدة إلى من يهمه الأمر.