عديدة هي الشخصيات التي بصمت على مسار متميز في حياتها المهنية والخاصة، ونجحت في تقديم أعمال رائدة أو تحقيق إنجازات مهمة، نقلتها إلى عالم الشهرة وأدخلتها في قلوب الناس جيلا بعد جيل. وخلال هذه السلسلة الرمضانية، سيغوص “برلمان.كوم” بقرائه في عالم شخصيات طبعت التاريخ العالمي والمغربي في مجالات متعددة، الفن والرياضة والفكر والسياسة والعمل الاجتماعي، بالإضافة إلى المال والأعمال.
“برلمان.كوم” وليقربكم أكثر منها، ارتأى تقديم نبذة عن تلك الشخصيات التي سلط الضوء على حياتها وأهم أعمالها، والأحداث التي أدخلتها سجل التاريخ المغربي المعاصر من بابه الواسع. وفي هذه الحلقة، سنقدم معطيات وبعض الجوانب من حياة الراحل المهدي بنبركة الذي يعد واحدا من أكبر المعارضين الاشتراكيين للملك الحسن الثاني، إلى جانب كونه زعيما لحركة العالم الثالث والوحدة الإفريقية.
نبوغ عقل مبكر ومسار دراسي مشرف
“إنه من البديهي أن من يكتفي بالخطة التكتيكية (المرحلية) دون أن ينطلق من أفق استراتيجي يكون مصيره إما أن يسرق منه الخصم سياسته وإما أن يظهر بمظهر الانتهازية”. هكذا تحدث الزعيم اليساري المهدي بنبركة في إحدى خطبه بالرباط، والذي عرف بنبوغ عقله في سن مبكرة.
ميلاد بنبركة
ولد المهدي سنة 1920 بالرباط في المغرب، ودرس بثانوية مولاي يوسف في الرباط، وظل يعمل أثناء دراسته محاسبا في أسواق الجملة، كان عضوا بالفرقة المسرحية داخل الثانوية التي كان يدرس بها أبناء المعمرين والأعيان فقط، واشتهر بتفوقه الدراسي.
حاز على البكالوريا عام 1938، كما حصل على دبلوم بشعبة الدراسات الإسلامية بعدها بفترة قصيرة. وشدت نباهة عقله المقيم العام الفرنسي الجنرال نوكيز الذي أرسله برفقة تلامذة متفوقين في رحلة إلى العاصمة باريس. ليحصل بعد ذلك على شهادة البكالوريا في الرياضيات.
ومنعته الحرب العالمية الثانية من متابعة دراسته في فرنسا، وتوجه إلى الجزائر وهي وقتئذ تحت الاحتلال الفرنسي، وحصل هناك على شهادة البكالوريوس في الرياضيات.
المهدي بنبركة الأستاذ
تمكن بن بركة، بعد حصوله مباشرة على البكالوريوس بفرنسا، من الولوج إلى المدرسة الملكية في منتصف أربعينيات القرن العشرين لتدريس ولي العهد آنذاك الحسن الثاني ورفاقه مادة الرياضيات.
نشط بن بركة في العمل السياسي المطالب بعودة الملك محمد الخامس من المنفى وخروج المحتل الفرنسي، وطالب خلال عدة لقاءات جماهيرية بتوحيد الجهود السياسية لإخراج المحتل وعودة الشرعية الحاكمة.
التصويت “بلا” على الدستور سبب توتر علاقة المهدي بالقصر
اعتبر الحسن الثاني تأسيس حكومة يسارية قوية نهاية سنة 58 خطرا على المؤسسة الملكية، وفق ما ذكره رضى اكديرة في كتاب “مغرب الحسن الثاني”، “خاصة أن اليسار كان قويا في العالم سنوات الخمسينات والستينات، لذلك شكل الأمير حينذاك معارضة قوية من الشخصيات الأكثر تمثيلية تكفلت بإسقاط حكومة عبد الله إبراهيم الذي كان قد انفصل مع أصدقائه عن حزب الاستقلال وشكلوا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”.
واعتلى الحسن الثاني العرش سنة 1961، وهو الوقت الذي كانت فيه الكثير من الملكيات مهددة في العالم العربي، الأمر الذي جعل الحسن الثاني يقوي منصبه كحاكم للبلاد، هذه الرغبة اصطدمت برجال الحركة الوطنية الذين رفضوا أن يظلوا مجرد متفرجين على الساحة السياسية.
وكان بنبركة في مقدمتهم، “خاصة وأننا نعلم كيف كان مقتنعا أن الملكية يجب أن تطور نفسها وتستجيب لحاجيات عصرها، إضافة إلى أن محمد الخامس توافق مع مكونات الحركة الوطنية على نوع من الملكية البرلمانية قبل الاستقلال لاجتثاث المستعمر من البلاد” وفق ما أورده مولاي أحمد العراقي الذي شغل عدة مناصب سامية في الدولة من بينها وزير الشؤون الخارجية والبيئة.
وكان تصويت حزب “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية” على الدستور الذي قدمه الحسن الثاني سنة 62 بـ”لا” هي النقطة التي أفاضت الكأس، حيث أن قوة الأعضاء المؤسسين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية جعلت من “لا” سنة 62 كلمة قوية، أثارت جدلا كبيرا ووصل مداها إلى خارج المغرب. ومن نتائجها الحكم على بنبركة في إطار ما يسمى بمحاكمة يوليوز 63، والتي بسببها خرج المهدي من المغرب. يقول العراقي.
وفاة المهدي بنبركة الغامضة
تجمع العديد من الروايات الشائعة أن عملية اغتيال المهدي بنبركة كانت سنة 1965، أثناء خروجه من مقهى “ليب” وسط العاصمة باريس. قابله شرطيان وطلبا منه الصعود معهم إلى السيارة، وهو ما فعله بعد أن تأكد من هويتهما المهنية، وفق ما رواه “جورج فيغون” أحد من شاركوا في العملية، في مقالة كتبها بجريدة الإكسبريس الفرنسية سنة 1965 قبل أن ينتحر.
وأضاف المتحدث أن الشرطيين نقلاه إلى فيلا بضواحي العاصمة باريس، حيث أخبراه أنه سيلتقي بمسؤول فرنسي كبير، وبعد هذا الحدث لم يعرف أحد تفاصيل ما جرى بعد ذلك بالضبط، وأين تم إخفاء الجثة وهل هربت إلى المغرب، أم دفنت في فرنسا.