عديدة هي الشخصيات التي بصمت على مسار متميز في حياتها المهنية والخاصة، ونجحت في تقديم أعمال رائدة أو تحقيق إنجازات مهمة، نقلتها إلى عالم الشهرة وأدخلتها في قلوب الناس جيلا بعد جيل. وخلال هذه السلسلة الرمضانية، سيغوص “برلمان.كوم” بقرائه في عالم شخصيات طبعت التاريخ العالمي والمغربي في مجالات متعددة، الفن والرياضة والفكر والسياسة والعمل الاجتماعي، بالإضافة إلى المال والأعمال.
“برلمان.كوم” وليقربكم أكثر منها، ارتأى تقديم نبذة عن تلك الشخصيات التي سلط الضوء على حياتها وأهم أعمالها، والأحداث التي أدخلتها سجل التاريخ المغربي المعاصر من بابه الواسع.
وفي هذه الحلقة، سنقدم معطيات وبعض الجوانب من حياة الراحل محمد عابد الجابري الذي يعد واحدا من أكبر الفلاسفة والمفكرين العرب في العصر الحديث.
الميلاد والنشأة
ولد محمد عابد الجابري سنة 1935 بمدينة فجيج، نشأ وترعرع بين أخواله، لقي عناية فائقة من أهله سواء من جهة أبيه أو أمه، خصوصا من طرف جده لأمه الذي حرص على إلحاقه بالكُتَّاب حيث تعلم القراءة والكتابة وحفظ ما يقرب من ثلث القرآن، وفي سن السابعة تزوجت أمه من شيخ كُتاب آخر، فتلقى الجابري تعليمه على يد زوج والدته لفترة قصيرة، قبل أن يلحقه عمه بالمدرسة الفرنسية التي قضى بها عامين بالمستوى الأول يدرس بالفرنسية.
مسار التعليم من المدرسة إلى الجامعة
شكل لقاء الجابري بالحاج محمد فرج، وهو من رجال السلفية النهضوية بالمغرب الذين جمعوا بين الإصلاح الديني والكفاح الوطني والتحديث الاجتماعي والثقافي، فرصة كبيرة لينهل من معارف هذا الشيخ الذي كان إماما بمسجد “زناكة” الجامع، فكان الجابري وهو لا يتجاوز العاشرة يواظب على حضور دروسه بعد صلاة العصر.
وبعد تأسيس مدرسة وطنية حرة بفجيج، من طرف شيخ الجابري التي أطلق عليها اسم مدرسة “النهضة المحمدية” كمدرسة وطنية لا تخضع للسلطات الفرنسية ولا تطبق برامجها، بل يشرف عليها رجال الحركة الوطنية، حيث جعلوا منها مدارس عصرية معربة لتصبح بديلا للتعليم الفرنسي بالمغرب، التحق الجابري بالمدرسة وتخرج منها سنة 1949 بعد أن حصل على الابتدائية.
حصل عام 1967 على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة، ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970 من كلية الآداب التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط.
مساره المهني
اشتغل الجابري بقطاع التعليم، وقضى فيه 45 سنة مدرسا ثم ناظر ثانوية ثم مراقبا وموجها تربويا لأساتذة الفلسفة في التعليم الثانوي، ثم أستاذا لمادة الفلسفة في الجامعة، وعمل أستاذا للفلسفة والفكر العربي والإسلامي بكلية الآداب التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط.
المسار السياسي والنصالي للجابري
انخرط الجابري في خلايا المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي للمغرب بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وبعد استقلال البلاد اعتقل عام 1963 مع عدد من قيادات حزب “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”، كما اعتقل مرة ثانية عام 1965 مع مجموعة من رجال التعليم إثر اضطرابات عرفها المغرب في تلك السنة.
كان الجابري قياديا بارزا في حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” فترة طويلة، قبل أن يقدم استقالته من المسؤوليات الحزبية في أبريل 1981، ويعتزل العمل السياسي ليتفرغ للإنتاج الفكري.
ويحسب له إسهامه الكبير في كتابة التقرير الإيديولوجي الذي شكل أهم وثيقة للمؤتمر الاستثنائي لـ”الاتحاد الاشتراكي” لسنة 1975.
وكان له أيضا نشاط في المجال الإعلامي، حيث اشتغل في جريدة “العلم” ثم جريدة “المحرر”، وساهم في إصدار مجلة “أقلام”، وكذا أسبوعية “فلسطين” التي صدرت عام 1968.
أهم مؤلفاته:
العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي، وهو نص أطروحته لنيل الدكتوراه، وأضواء على مشكل التعليم بالمغرب، ومدخل إلى فلسفة العلوم، ومن أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية، ونحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، والخطاب العربي المعاصر: دراسة تحليلية نقدية، وتكوين العقل العربي، وبنية العقل العربي.
الجوائز التي حصل عليها عابد الجابري:
جائزة بغداد للثقافة العربية، اليونسكو، يونيو 1988، والجائزة المغاربية للثقافة، ماي 1999، وجائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي، نونبر 2005، جائزة الرواد، مؤسسة الفكر العربي، دجنبر 2005، وميدالية ابن سينا من اليونسكو بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، نوفمبر/تشرين الثاني 2006، وجائزة ابن رشد للفكر الحر، أكتوبر 2008.
الوفاة
رحل محمد عابد الجابري إلى دار البقاء يوم 3 ماي 2010 بعد رحلة عمر امتدت لقرابة 75 سنة كانت كافية للراحل من أجل إنتاج العديد من المؤلفات التي تعتبر من أهم المفاتيح الضرورية لفهم واقع العالمين العربي والإسلامي.
برلمان كوم-ل.ب