ذكرتني خطب "القايد صالح" عن الفساد داخل منظومة حكم الرئيس المستقيل "بوتفليقة"، بالفضائح التي فجرها خصوم الرئيس الأمريكي "بوش" (الإبن)، قبل أن تنتهي مدته الرئاسية الأخيرة، تسهيلا لشطب اسمه إعلاميا من الصحافة الأمريكية، فساهموا في رفع قضايا ضده في كل بقاع العالم حتى أصبح اليوم في تقاعده لا يستطيع مغادرة التراب الأمريكي خوفا من اعتقاله بتهم التعذيب التي مارسها الجنود الأمريكيين خلال فترة حكمه، و الأكثر من ذلك فإن كل من اشتغل معه في البيت الأبيض تمت ملاحقتهم قضائيا كنائبه "نيكسون" الذي تهرب من دفع الضرائب، و المستشار "دان كويل" الذي تهرب من الخدمة العسكرية... تخيلوا أن هذه كانت جرائمهم التي اتهموا فيها بخيانة وطنهم...، فما نوع الخيانات و الجرائم التي وقعت في النظام الجزائري و تحدث عنها "القايد صالح" و كيف تصنف؟
لو أن ما حصل في الجزائر من نهب و تبديد للمال العالم و تلاعب بمصلحة الوطن العليا من طرف فئة أرادت أن تنصب رئيسا مقعدا لا يعقل الكلام، حدث في دولة أوروبية عريقة الديمقراطية أو بأمريكا، لحدثت ثورة جارفة تجتث النظام من أخمص عروقه و لا تتوقف إلا و قد أدانت المحكمة كل المتورطين في تلك الفضيحة السياسية و الخيانات بالسجن و منهم من سيجر إلى حبل المشنقة، لأن هناك تهم ثقيلة بالتورط في دماء عدد من المواطنين الجزائريين خلال العشرية السوداء.
و لأن الجزائر دولة لا تزال تبحث مع شيوخ الإمارات بتأني عن ديمقراطية تتناسب و مقاس قائد الجيش، أو بالأحرى "القايد صالح" يبحث لنفسه عن دور تاريخي في أزمة هو جزء منها، عبر قلب الطاولة على رفاق الأمس الذين تنبعث من أياديهم رائحة الخيانة، ليست خيانة الوطن و لكن خيانة ما تم الاتفاق بشأنه بين أفراد النظام حول إبقاء البلاد تحت سطوة الجيش، حيث كان "السعيد بوتفليقة" و الجنرال "توفيق" إلى آخر لحظة يخططون لإقالة "القايد صالح" و تنصيب "اليمين زروال" و إعادة سيناريو "بوتفليقة" لعقود أخرى.
و لهذا فإن "القايد صالح" الذي أعاد دائرة الاستعلام DRS إلى الجيش و جرد القصر الرئاسي من صلاحيات الحصول على تقارير المخابرات الجزائرية، و فتح أرشيف الجهاز و أخرج منه ما يدين العديد من رجال الأعمال الذين كانوا إلى الأمس القريب مقربين منه، و دفع ملفاتهم إلى المحاكم... فيما أخذ بتهديد من بقي منهم بعيدا عن الأحداث الجارية، و هو الأمر الذي دفع متتبعي الشأن الجزائري يتساءلون عن توقيت المتابعات التي أمر بها "القايد صالح" و عن سبب انتقائه شخصيات دون غيرها.
و كان "القايد صالح" قد تحدث في خطابه الأخير أنه اطّلع شخصيا على ملفات فساد كبيرة جدا، و أنه أعطى أوامره لمتابعة كل المتورطين في نهب المال العام للبلاد، و أن المتابعة القضائية ستشمل كل من امتدت يده لأموال الشعب و اعتبر رئيس الجيش أن النهب الذي تم الكشف عنه هو بأرقام ضخمة و مبالغ خيالية، غير أن المدونين والحقوقيين الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي تلقوا خبر فتح ملفات الفساد بتحفظ كبير، و اعتبروا الخطوة انتقامية و انتقائية، و أنها لن تشمل كل المتورطين في نهب المال العام، بل ستشمل أعداء الجيش الذين احتموا لمدة بجناح قصر المرادية.
و يتحدى المدونون "القايد صالح" في فتح ملفات فساد أسرة "بوتفليقة" وأبنائه عن كل دينار جزائري نهب في عهد الرئيس المستقيل أو المقال، كما رفعت خلال مسيرات الجمعة العاشرة لافتات تطالب برأس هذا الاخير و تصفه برأس الأفعى، بما فيهم "القايد صالح" حتى حدود هذه اللحظة عاجز عن فتح كل ملفات فساد محيط "بوتفليقة" و أيضا لا يريد الاستجابة للأصوات المطالبة بفتح التحقيق في قضايا الاختطاف و قضايا القتل و التصفية الجسدية خلال العشرية السوداء، خوفا من نتائج التحقيقات التي ستدين حسب المدونين قيادات كبيرة في الجيش.
لا يزال الحراك في الجزائر غامضا و لم يكشف بعد عن صورة الجزائر لمرحلة ما بعد "بوتفليقة"، خصوصا و أن "القايد صالح" يناور حتى يمنع الجزائريين من إقامة الجمهورية الثانية، و الإعلان عن القطيعة مع الجمهورية الأولى و الممارسات التي حصلت خلالها، كما يشير متتبعين إلى أنه أصبح يقلق بخرجاته الإعلامية المحتجين و يؤثر على الحراك و هو الأمر الذي سيجعل الحراك حسب متتبعين يركز في مسيرته القادمة على قائد الجيش من أجل خلق تغيير حقيقي في النظام لأن "القايد صالح" يعتبر بالنسبة للشعب محور استمرار جيل "بوتفليقة" في إدارة البلاد.
حفيظ بوقرة