شهر رمضان في المغرب، هو الشهر الذي يسرف فيه المغاربة في استهلاك عدد كبير من المواد التي تكوّن المائدة الرمضانية لدى الأسر المغربية، كالسمك واللحوم والحليب والفواكه والحلويات والخضراوات، والتمر ومواد أساسية أخرى، في ظل انتشار عادات غذائية وافدة على المجتمع المغربي.
إن أسباب غلاء المعيشة في شهر رمضان راجع إلى أسباب متشعبة، منها التغيير الحاصل في نمط العيش لدى المغاربة، حيث أصبح الشاب المغربي يعيش وفق أسلوب حداثي قائم على الترف والمظاهر والإسراف في تناول أكلات لم تكن معروفة قبل عقود في المجتمع المغربي، معتبراً أن شباب اليوم يريدون مائدة رمضان أن تتزين بما لذ وطاب من الفواكه والحلويات الباهظة الثمن، إلى جانب مأكولات دخيلة أبرزها «البيتزا»، والأجبان الفرنسية الفاخرة والعصائر التي تصنع من الفواكه الاستوائية المستوردة من بلدان أميركا الجنوبية.
وكل هذا يستنزف الموارد المالية للأسرة المغربية، ويجعلها تستدين في شهر رمضان لتغطية المصاريف» يجب على الأسر المغربية العودة إلى نمط العيش الأصيل لدى المغاربة. إن يهتمو على استهلاك خيرات المغرب من فواكه وأسماك وحبوب والاقتداء بنمط عيش الآباء، وتجنب تقليد الغرب والثقافات الغذائية الوافدة للتخفيف من تكاليف المعيشة، سواء في رمضان أو في غيره من الشهور.
وكشفت دراسة إحصاء، أعدتها المندوبية السامية للتخطيط، أن مصاريف الأسر المغربية ترتفع خلال شهر رمضان بنسبة وصلت إلى 16,3 مقارنة مع الشهور الأخرى، واعتبرت الدراسة، التي أصدرتها هيئة حكومية موثوق بتقاريرها، إن شهر رمضان يشهد تحولاً جذرياً في بنية الاستهلاك لدى الأسر المغربية، إذ يرتفع إنفاقها على الغذاء بنسبة تتجاوز الثلث مقارنة بالمصاريف العادية، وتحديداً 37 في المائة، وتمس هذه الزيادة مصاريف الأكل لكل الفئات من دون استثناء، مع تسجيل ارتفاعها كلما زاد مستوى عيش الأسرة، إذ تنقل من 22,5 في المائة إلى 40 في المائة بين الفئة المحدودة الدخل وفئة الأسر الميسورة. ويشهد سوق الفواكه رواجاً كبيراً، لأن الأسر المغربية، تستهلك أكثر تلك الفواكه بنسبة 163 في المائة، وترتفع مصاريف اقتناء اللحوم بنسبة 35 في المائة، وهي النسبة ذاتها التي ترتفع بها مصاريف اقتناء الحبوب، ثم 47 في المائة للحليب والمنتجات المشتقة منه.
ورغم أن تغيير النظام الغذائي يمثل نسبة 82 في المائة من ارتفاع المصاريف الإجمالية في رمضان، إلا أن هذا لا يمنع من أن أقساماً أخرى من المصاريف تشهد ارتفاعاً أيضاً. وهذا يشمل بالأساس مصاريف التنقل والاتصالات التي ترتفع في المتوسط بواقع 20 في المائة، في حين ترتفع مصاريف السكن والطاقة بنسبة 3 في المائة.
وأشار التقرير الإحصائي إلى انخفاض استهلاك المغاربة من الملابس وارتفاع فاتورة الاتصال والتنقل خلال الشهر الكريم، وتضطر الكثير من الأسر المغربية للاستدانة من البنوك لتوفير مستلزمات شهر رمضان من مواد أساسية لإعداد الأطباق المغربية كالحبوب والقطاني والخضراوات وأيضاً مستلزمات إعداد الحلويات المغربية التي يزداد الإقبال عليها خلال هذا الشهر خاصة حلوى الشباكية والبريواط والسفوف.
إن المجتمع المغربي أصبح يتحول بوتيرة سريعة إلى مجتمع استهلاكي قائم على المظاهر والنفاق الاجتماعي، لافتاً إلى أن الأسرة المغربية متوسطة الدخل وحتى الفقيرة تقلد نمط عيش الأسر الغنية ما يثقل كاهل الآباء.
مائدة غريبة
إن المائدة المغربية في العصر الحالي تختلف اختلافاً كبيراً عن مائدة الآباء والأجداد التي كانت تتكون من «الحريرة» والخبز وزيت الزيتون و«الطاجين» الذي لا يكلف الكثير، لافتة إلى أن الأسر المغربية أصبحت تعيش تحت ضغط الأبناء وطلباتهم التي لا تتوقف لتوفير مائدة رمضانية مختلفة عن مائدة عرفها المجتمع المغربي في عقوده السالفة.
بقلم الدكتور يونس العمراني