وفي قضية الصحراء بالضبط، لا يمكن اختصار المشكل في الحواجز النفسية، أو التحليل انطلاقا من النتائج وليس من المقدمات، من أجل "إقناعنا" أن ثمة خلل يكمن "فينا"، ذلك أن "كديم إزيك" نفسه ما كان مسموحا به لولا أجواء الحرية والديمقراطية التي مكنت محتجين من نصب كل تلك الخيام، وانفصاليين من الركوب على الحق في الاحتجاج من أجل ممارسة أبشع أنواع القتل في حق قوات الأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة، ثم بعد ذلك الهروب إلى مخيمات "البوليساريو" للاحتماء من العقاب المنصوص عليه في كل الديانات والقوانين الوضعية، وليس من الضرب والإهانة والقمع كما يتخيل البعض.
وعندما انطلق الوالي مصطفى السيد، مؤسس جبهة "البوليوساريو"، لم يكن يروم تأسيس جمهورية مزعومة، كما يحكي الذين كانوا قريبين من الرجل، ولهذا السبب بالذات دفع حياته ثمنا لهذا الاختيار، وتم تنصيب محمد عبدالعزيز من أجل خدمة هذا التوجه الذي لم يتراجع عليه لحد الآن، ليس لأن المحتجزين أو اللاجئين ( لاتهم التسمية) يطمحون لإقامة جمهورية، ولكن لأن الجزائر تصر على إبقائهم مبررا لأطماعها، وتركب على ظهورهم بغية الوصول إلى أهدافها، ولأن "القيادة" ( إن كانت هناك قيادة بالفعل) تستجدي بهم المساعدات الإنسانية وتحولها إلى أرصدتها بالبنوك.
وطبعا، لا يهم محمد عبدالعزيز لا قر الشتاء، ولا حر الصيف، مادام بمقدوره أن يوفر المكيفات والسيارات الرباعية الدفع، وأن يعيش متنقلا بين تيندوف والجزائر العاصمة ومدريد.
ولعل السؤال الأكثر وجاهة في هذا السياق هو، لماذا عاد إلى أرض الوطن أكثر المتحمسين للانفصال من مؤسسي جبهة "البوليساريو" ومكث عبد العزيز وقلة ممن معه في الحمادة؟
الجواب، ببساطة لأنهم كسروا الحاجز النفسي الذي بنته الجزائر، وتحرروا من الوهم، وأدركوا أن الصحراء غير قابلة للاجتزاء عن خريطتها الأم، وأن الاختلاف ينبغي أن يكون داخل الوطن.
ولا شك أن غصة هؤلاء، الذين أدركوا عمق المشكل، ووجدوا الحل في العودة، لا في الهروب، لا تزال في حلق منْ تبقوا في أسْر الجزائر، يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال، منذ أكثر من 35 سنة، من دون أن تكون لديهم الشجاعة للقبول بالحل الذي يضمن لهم الكرامة وعزة النفس.