لا أحد ينكر أن عبد العزيز الستاتي مغني شعبي نجح بأن يكون له صيت وطني، بفضل ترويضه لآلة الكمان التي جعلها تستجيب طواعية لإيقاعه الموسيقي الشعبي.
في ذات الوقت لا أحد ينكر أن هذا المطرب لا يملك مؤهلات ثقافية او سياسية او استراتيجية تمكنه من لعب دور هام في تدبير الشأن المحلي أو الحزبي أو السياسي، وبالتالي فلا يمكن لأية مؤسسة حزبية أن تعتمد عليه في خدمة تأطيرية او توجيهية او تستند إليه في وضع مخططات او تقارير لفائدتها.
ومع ذلك، فقد فعلها عزيز أخنوش، والتمس من هذا المطرب المشهور تأطير شباب الحزب في مجالات ترتبط بالثراث والهوية. وعوض أن يكتفي الزعيم الحزبي بطلب خدمات الفنان الشعبي في تنشيط سهرة فنية او حفلة ترفيهية، فقد استحضره من أجل تسيير ورشة تأطيرية، في زمن اختلطت فيه الأمور وتداخل الحابل والنابل وأصبحنا نسمع الجعجعة ولا نرى الطحينا.
وإذا كان الستاتي حل ضيفا معززا بين ظهراني مناضلي أخنوش بما لم يتح لكبار المفكرين والأساتذة والخبراء، فهاهم رواد الفايسبوك يتداولون صورة لوزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج وقد وقف مرفوع الهامة ومبتهج السرائر ليلتقط صورة الى جانب هذا الفنان الشعبي الذي أضفى بعض التوابل على الأكلة الحزبية، وهذا ما شجع رواد الشبكات الاجتماعية لإمطار وزيرنا في الثقافة والاتصال بوابل من الاسئلة الساخرة من قبيل رغبتهم في معرفة سر البهجة البادية على وجهه أو مدى حجم المعارف الأكاديمية والفكرية التي حصل عليها الوزير من المغني الشعبي.
طبعا لا يجب أن ننكر أن هواة الزعامة في وقتنا الحاضر قد خلطوا كل الأوراق، فما عاد للعارف أن يميز بين الحلم والحقيقة، او بين الهزل والجد. إلى أن عمت التفاهة والرداءة، وسادت الفوضى في أمور جد حساسة، تتعلق بترتيب البيت السياسي في المغرب. وها نحن نتتبع بأعيننا ما يحصل في السياسة، وأفواهنا فاغرة من شدة العجب والاستغراب، فهذا “يلغي بلغاه”، وذاك يبكي ليلاه، وما عسى الفارس أن يقول وهو يرى جياد الخيول قابعة في مرابطها بينما غيرها يصول ويجول في ميادين السباق.
إن دور الفنان في الحياة الترفيهية لا يمكن أن ينكره إلا جاحد، ومن واجب السياسي والمسؤول أن يسهر على تثمين هذا الدور بإعطاءه المكانة التي يستحقها سعيا وراء الرقي بالذوق والمساهمة في وضع البصمة الللازمة لهويتنا الثقافية، أما أن نسرق من الفنان دوره، ونلصق به أدوارا لا يمكن ان يتقنها، فهذا هو التعسف والإجحاد بعينيهما.
والجدير بالذكر أن الفاعلين فعلوها يوما فاختطفوا المبدعة المسرحية ثريا جبران من فوق خشبتها، وألصقوا بها أدوارا حكومية ما كان عليها أن تقبلها في ذاك الحين، فماذا كانت النتيجة ؟ لقد حرمونا من المتعة والإبداع، وحرموا الفنانة من أدوارها الرائعة، وألقوا بها في أدغال المهام الحكومية العابرة، فلا عادت ولا عاد فنها، وكأنهم انتقموا من فنها فمحوه بممحاة المناصب العابرة.
ولعل ذاكرة المغاربة لا يمكنها ان تنسى العداء الكبير سعيد عويطة، الذي هزم منافسيه في المسافات المتوسطة، وتربع باختيال على قلوب المغاربة جميعا، فتردد اسمه على كل لسان، وأطلق على أسرع القطارات في المملكة، وصدحت الحناجر بالغناء لعويطة العداء، لكنه حين اختار دخول غمار الانتخابات، وخرج منها خاوي الوفاض، أدرك أن القلوب التي خفقت بحبه كعداء اسطوري، لم تدل له بأصواتها في صناديق الاقتراع.
وعبد الرفيع الجواهري، المحامي المرموق والشاعر المبدع، صاحب الشاطئ، والقمر الأحمر، وراحلة، وهي قصائد وبأته أحسن مقام، بينما رفعته ألحان عبد السلام عامر، وزادته أصوات بلخياط والحياني رفعة ورقيا فأدرك المعالي. ولكنه حين احتك بالسياسة، وضعته بين كراسي ليست من طينته ولا من مقاماته، فلكأني به اليوم يردد بين معالم مراكش: ترى ترحلين، وفي لهفاتي ولحني الحزين، يموت انشراحي، وتنوح جراحي ….
والزعيم عزيز أخنوش نفسه ورث التجارة وأتقنها، بل أضفى إليها ما أضفى، فارتقى إلى منصة أكبر المستثمرين الذين يحق للوطن الاعتزاز بهم. وحين ازدادت ثقته في نفسه، ألقى برجليه معا في مسبح السياسة، الذي تختلف مؤشراته كليا عن مؤشرات التجارة والاقتصاد، وهاهم مناضلوه قد منحوه ثقتهم منذ أزيد من سنتين كي يبني لهم حزبا قادرا على الصمود اولا، وعلى المواجهة ثانيا، وعلى التموقع ثالثا، فما استطاع الى ذلك سبيلا، بل إن العديد من المعطيات تقول أن القيمة المضافة لعزيز أخنوش في حزبه، ليست سوى مكانته المالية، أما مكانته الشعبية التي تحتاجها صناديق الاقتراع فظلت بعيدة عن المبتغى، وعمقتها ضربات المقاطعة المؤلمة أيا كان مصدرها.
ورغم أن ما نورده في هذا التحليل هو استخلاص مبكر لما يمكن أن تؤول إليه المنافسة الحزبية في المغرب، خاصة مع هبوب نسمات انتعاش حزب الاتحاد الاشتراكي، والعودة القوية لحزب الاستقلال، فإن الهدف يبقى ساميا ونبيلا، وهو الدفع بعجلة التغيير والإصلاحات الضرورية في المشهد الحزبي المغربي، كي لا نصدم غدا بصناديق فارغة من لوائح المرشحين، بسبب العزوف وانعدام الثقة.
وموقع “برلمان.كوم” الذي يكشف هذه الأيام عن حقائق فصيحة، لما يوجد عليه الوضع الصحي للأحزاب المغربية في أفق الانتخابات المقبلة، اختار لنفسه منذ البداية الحياد والموضوعية في الرأي والتعليق والإخبار، إلى أن قادته الأقدار، غير المخطط لها، ليكشف أوراقا وحقائق سياسية لم يجرؤ غيره على كشفها، فواجه حزب العدالة والتنمية بحقيقة أفعاله وممارساته وسلوكات قيادييه، وعرى بجرأة عن وجهه الحقيقي بالحجة والوثيقة والدليل.
وانطلاقا من مواجهة “برلمان.كوم” مع حزب العدالة والتنمية، وبدون أن يسعى إلى الأمر، وجد نفسه مساندا بشكل عفوي لأحزاب أخرى، وعلى رأسها التجمع الوطني للأحرار، وزعيمه عزيز أخنوش، فاتخذها خصوم الموقع مطية ليركبوها، ويتهمونه بامتطاء صهوة حزب الحمامة الزرقاء، وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، فنصبوه دراعا إعلاميا لعزيز أخنوش، بينما ادعى بعض التافهين بأن مسؤوليه حصلوا على الملايين من أجل أداء بعض المهام السياسية.
ورغم كثرة الاتهامات، وتنوع القيل والقال، من أفواه من لا دال ولا دليل لهم، فقد صمتنا ولم نجب عن هذه التفاهات، لأن هدفنا هو خدمة القارئ الكريم، وعبره كل المغاربة.
ورغم القيمة الإعلامية والسياسية لما كشفه موقع “برلمان.كوم” طيلة الشهور الماضية، فإن زعيم الحزب الأزرق لم يعرف كيف يستفيد منها، ولم يتقن فن تحريك المياه الراكدة، كما أنه لم يتمكن من تحقيق انتصارات واقعية على الميدان، ولذا فقد واجهناه بحقيقة سؤالنا الواضح: هل هو مرشح جدي أم مجرد أرنب سباق؟.
إن مشكلة بعض الوافدين الجدد على الزعامة الحزبية والممارسة السياسية، أنهم لا يملكون نفسا قويا يمكنهم من الصمود طويلا، فكلما هبت الريح بالقرب منهم، ونفخت على الغبار العالق على شعور رؤوسهم، تراهم حيارى في أمورهم، ولا يتقبلون النقد السديد، بل إنهم يذهبون أحيانا إلى أبعد من ذلك، فيصدرون أحكاما غير صحيحة، وردود أفعال لا تمت إلى النضال بصلة، ويسارعون إلى التبرؤ من مواقعهم، أو الإعلان بخجل أنهم أرغموا ضدا على إرادتهم بهذه المهام، وأنهم قبلوها على مضض، وأنهم مستعدون للرحيل بعيدا، وبالتالي، لا يمكن التعويل عليهم: “كون غير خلاوني نمشي فحالي”.
إن ما يسعى اليه منبرنا الإعلامي اليوم، ليس هو إحباط عزيمة البعض، أو تيئيس البعض الآخر، بل هو عكس ذلك تماما، أي أننا نسعى الى التحفيز ما استطعنا اليه سبيلا، فالفراغ القاتل الذي يعاني منه المشهد السياسي، لا يشجع على الصمت أو التصفيق في الخلف، بل يحرك فينا روح المواطنة التي نعتز بها، ويحثنا كي نصرخ في آذان المغترين والباحثين عن الزهو والخيلاء: “إنه لم يبق من الزمن إلا قليلا”.
وفي انتظار نهضة منشودة لحزب الأحرار، ونفس طويل لحزب الاستقلال، وفي انتظار أن يجد الجرار السائق الذي يقوده، نقول للجميع ما قال درويش في اشعاره: يا أصدقائي، ناموا قليلا، لأحرس أحلامكم من خناجر حراسكم..أقول لكم: تصبحون على وطن