حينما أرسل الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان طائراته من نوع آف 111 لتقصف ليبيا وتثير الخوف والرعب في مدينتي طرابلس وبنغازي، ظهر الرئيس معمر القذافي تحت خيمته في صحراء ليبيا يشرب حليب الإبل ويستأنس بقصص رعاتها.
وفي اليوم الموالي، استغربت الصحف الأمريكية لهذا السلوك، ونقلت إحداها أن الرئيس ريغان قال لأحد مستشاريه: “بالرغم من كل هذه الطائرات النفاثة، فإن الأمر ليس سوى مواجهة بين راعي البقر (كوبوي) وراعي الإبل في الصحراء”.
نعم فرونالد ريغان قبل ولوجه مجال السياسة، كان ممثلا سينمائيا يشخص أفلام رعاة البقر ولا يتقن سوى ركوب الخيول، ووضع الأصبع على زناد المسدس. أما معمر القذافي فقد كان يهوى رمال الصحراء، والنوم تحت ضوء القمر، وشرب حليب الناقة، والاستئناس بحكايات رعاة البقر، إلى أن عين يوما أحد هؤلاء الرعاة وزيرا للصحة، كما جاء في حكايات القاص ضياء الدين كاتب رواية “ثورة المقابر”.
وإذا كان معمر القذافي يهوى شرب حليب الإبل فبعض حكام دولتي الإمارات والسعودية لهم هواية غريبة ومثيرة وهي شرب “بول الإبل”، الذي يتمنون تحويله إلى تراث قومي ودواء فعال ضد السرطان، مما أغضب منظمة الصحة العالمية التي طالبت السعودية والإمارات بالتعقل، والتراجع عن هذا الفعل، لأنه يتسبب في أمراض فتاكة، ومنها مرض “الكورونا” القاتل.
لم يرق بعض الحكام ما صدر عن منظمة الصحة العالمية، خاصة أنهم كانوا على وشك تحويل “بول الإبل” إلى بديل مستقبلي لنفط الخليج، يدر عليهم ثروات جديدة، “البول دولار”، على غرار “البترودولار”، ومادام الجيب في نعيم، فلتذهب صحة المواطن الى الجحيم.
ما أضحكني كثيرا هو الحوار الكاريكاتوري الذي دار بين مسؤولين من الدولتين، ربما كانا معا في لحظة أنس، فتفتقت عبقرية أحدهم ليقول لمؤنسه إن النفط ينضب، بينما بول الجمال لا يمكن أن ينضب، وكلما رويت الإبل ماء أدرت عليك بولا، فاقترح على صاحبه تكوين شركة وطنية على وزن “أرامكو” السعودية وتسميتها بـ”إبلكو”، فرد عليه الآخر: “إذن فأنتم في الإمارات تنوون تحويل شركة “إدنوك” إلى “إبلوك”.
شيء مؤسف طبعا أن يتحول رعاة الإبل إلى أبطال لأفلام “الويسترن” و”جيمس بوند” في منطقة الخليج، فلا يتحدثون إلا بالعنف، ولا يؤمنون إلا بقلب الأنظمة، وزحزحة استقرار الجيران، والعبث بالخريطة العربية على الطريقة التي ظهر فيها “شارلي شابلن” ساخرا من “هتلر” وهو يلهو بالكرة الأرضية بمؤخرته.
وإذ لا يهمني ما تنوي صنعه هتان الدولتان بالمنطقة التي يعيشان فيها وبالأمة العربية، أحيل الجميع إلى هذه الغضبة الكبيرة لحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، التي قال فيها: “إن الخوض الكثير في السياسة في عالمنا العربي أصبح مضيعة للوقت، ومفسدة للأخلاق، ومهلكة للموارد، ومن يريد خلق إنجاز لشعبه فالوطن هو الميدان، والتاريخ هو الشاهد، إما إنجازات عظيمة تتحدث عن نفسها أو خطب فارغة لا قيمة لكلماتها ولا لصفحاتها”.
كلام آل مكتوم سبقه إليه ملك المغرب محمد السادس الذي جسده بالفعل، فابتعد عن اجتماعات الكلام والهرطقة، وانكب على التفكير والعمل فيما يمكن أن ينفع شعبه وينمي مملكته.
وبينما لم يرق هذا لبعض المراهقين من هواة ممارسة الحكم، حاولوا فاشلين لعب دور “جيمس بنود” وبدؤوا يحيكون خيوطا للتشويش على المغرب وعلى دول أخرى، باحثين عن الاختراق وشراء مواقع صحفية، وأقلام مأجورة تقتات على الفتات وتهوى الوصاية، لحثها على خلط الأوراق من الداخل، ناسين أو متناسين بأن الخيوط التي يحيكونها ستلتف يوما على أعناقهم وأعناق خونة الأوطان..
إن الذين ينعقون اليوم كالغربان من وكور الغاز والنفط، لا يتقنون اللعب بأعواد الكبريت، والأيام القادمة ما هي إلا أقلام يسطر بها التاريخ مصيرهم.
فالنخب المعزولة في أوطانها، والطيور المهاجرة إلى دول أخرى، هي شعوب رافضة للأسلوب الذي سلكه هواة السياسة والحكم في الخليج، وهم من سيشعلون بأيديهم فتيلة لطرد الظلام الدامس، وهم من سيحمل قريبا شعلة الإصلاح كي يعرف الجميع أن شعوب المنطقة ليست خرافا كي تبيت في الزرائب.
فبسبب مثل هؤلاء الحكام الذين يحبون إشعال الفتن بلهيب ورقة الدولار الخضراء، فقد المواطن العربي كرامته، وضاعت بوصلته، ولم يجد له بين أقوام الأرض موضعا، فحكامه باعوا ضميرهم، واشتروا مودة ترامب بأموال أوطانهم، التي كان بإمكانها أن تصنع التغيير، وتساهم في تنمية الأمة العربية، وترسيخ الديموقراطية والتقدم بين شعوبها.
إن الذي أشعل حروباً عبثية بالمنطقة، وقتل أبرياء بمناشير لا ترحم، وزج بنساء شريفات في غياهب السجون، ورشى أمريكا بأموال قذرة لتصمت على أفعاله، نسي أن التاريخ لم يرحم صدام ولا القذافي ولا زين العابدين ولا عبد الله صالح ولا الآخرين، فالتاريخ لا يكتبه شخص واحد بل تكتبه الأمم والشعوب.
برلمان كوم