تساؤلات تعبدية (Devotional)
كان للزيارة البابوية الأخيرة إلى المغرب وحضوره بمعية العاهل المغربي محمد السادس حفل أداء فرقة الأوركسترا الفيلارمونية المغربية لترانيم موسيقية ممزوجة بالتكبيرة وابتهالات مسيحية ويهودية أثرها الكبير في إثارة جملة من التساؤلات وردود فعل بين التنويه باللوحة الموسيقية المعبرة عن التعايش الديني في المغرب ، وأخرى مستنكرة إقحام التكبيرة "الله أكبر" وسط رنات جرس الكنيسة وناقوس المعبد ؛ وقد لا تخلو هذه الردود والمواقف من شحنة انفعالية تغذيها " ثقافة إسلامية منغلقة .." ترى أن التكبيرة لا يجب بحال من الأحوال أن يخالطها أي صوت نشاز مهما كان مصدره .
وفي محاولة لاستبيان حقيقة تساكن هذه الديانات السماوية وتعايشها منذ القديم يجمل بنا إلقاء الضوء على ممارسة هذه الشعائر الدينية ؛ كما يشهد به الواقع في معظم البلدان الغربية .
رفع الأذان في البلدان الغربية
كما هو معلوم ، ليس هناك قوانين أو محظورات تمنع على المساجد ؛ المنتشرة في طول وعرض البلدان الغربية ؛ من إقامة الأذان ورفعه بالوسائل المتاحة عبر الصوت المباشر أو مكبراته .. كما أن مواقع هذه المساجد كثيرا ما يصادف تواجدها بمحاذاة أو قريبة من الكنائس والمعابد ، فيغدو الأمر عاديا أن ينتهي إلى مسامع المسلم هناك صوت الأذان وفي آن أحيانا جرس الكنيسة أو ناقوس المعبد ، بل قد يبلغ هذا التعايش والتساكن الروحي ذروته حينما يدعو المسلمون جيرانهم المسيحيين واليهود إلى تناول الإفطار داخل مساجدهم وعلى وقع أصوات الأذان والجرس الكنائسي (كما هو واضح في الفيديو المصاحب https://youtu.be/6PV5AN3Xpnw ) ، وما زالت هذه العادة يتم الاحتفاء بها وإحياؤها في كل المناسبات الدينية الإسلامية منها والمسيحية أو اليهودية ، ولعل الموقع الحضاري والسياسي لهذه البلدان ساهم بكثير في خلق هذه الفسيفساء أو بالأحرى النسيج التحرري المشترك الذي يحفظ لكلٍّ حرية العبادة مهما كانت قبلته ومعينه .
لكن وهل يقرع جرس الكنيسة في البلدان العربية ؟
ما دامت حرية العبادة مكفولة ومنصوص عليها في التشريعات وتجري بها الأعراف ، فلماذا لا نسمع صوت جرس الكنائس تقرع في البلدان العربية كما هو مسموح به في معظم البلدان الغربية في إطار حرية التدين ؟
نلاحظ أن الحكومات العربية عند حلول شهر رمضان تبعث بفيالق لها من الأئمة والخطباء والوعاظ إلى الأقليات المسلمة المقيمة بهذه البلدان أوروبية وأمريكية ، لكننا في المقابل لا نسمح بقرع جرس الكنيسة حتى ولو لم يتزامن رفع الأذان في معظم البلاد العربية ... !
مفارقة غريبة تتخلل أذاننا
كلنا يعلم أن رفع صوت الأذان بعدد من الصوامع والمآذن يصادف أصواتا ناشزة ؛ كثيرا ما تعكر "دعوة الناس إلى الصلاة" ، سيما في الأحياء الشعبية والتي تعرف اكتظاظا للمارة ، كأن نسمع بهذه الأصوات وهي تتخلل صوت الأذان :
أصوات تصدح بالغناء " شوفي غيرو ... والله صاحبي لا ..." ؛ أبواق السيارات ؛ نهيق الحمير وهي عابرة ؛ مشادات كلامية نابية ؛ زعيق المارة ولغطها ؛ صياح الباعة المتجولين أو الفراشا ... فلا يعقل أن نفضل سماع هذه الأصوات النكراء والنشاز والمخلة بآداب الدعوة إلى العبادة .. عن سماع أجراس الكنائس ، علما أن هناك مدافع تطلق طلقات مدوية ترتج لها الجبال ؛ تأتي مواكبة لأذان المغرب بشهر رمضان ؟
وقفة تأمل "العالم المسلم"
هناك اتحادات ورابطات إسلامية تنتشر مقراتها في العديد من دول المعمور ؛ ينتمي إليها أناس السمة البارزة التي تجمعهم هو حفظ صدورهم لمتون ونصوص وأحكام فقهية شتى ؛ ورد ذكرها أو بعضها عند هذا "الفقيه" أو ذاك ، علاوة على الانتماء المذهبي والذي هو ليس بالضرورة مظلة الجميع ، فهناك بون شاسع بين إسلام الشيعي وإسلام السني ، وضمن كل فريق فرقاء يستظلون بمعتقدات وأفكار لهذه الجماعة أو هذه الزاوية أو لهذا الشيخ أو ذاك . معظم هؤلاء "العلماء والشيوخ" يُخضعون ــ في أحكامهم ــ واقع الحياة لمساطر متدرجة لديهم في التحريم والكراهية والاستحباب والجواز والبطلان .. إعمال العقل لديهم بالكاد ضعيف ، ومقارنة نصوص الكتاب بنصوص أخرى مثلا في التوراة والإنجيل محرم ، ويعتبر لديهم بمعنى أو آخر زندقة ، أما الاجتهاد فلديهم محصور في ترجيح رأي على آخر سابق ، أما اللغة التي يستعملونها فهي العربية بالرغم من انتمائهم إلى ثقافات متعددة فالعالم المسلم الباكستاني ليس هو العالم السعودي أو الفقيه التركي أو الأمريكي .
وأخـيـــــــــــرا ...
بالنظر إلى تقلص حدود العالم الافتراضية في حجم قرية صغيرة ، مع زحف الكونية إلى كل الأصقاع .. وجب تطعيم الفكر العقدي أو بالأحرى الثقافة الإسلامية بنظرة منفتحة على ثقافة الآخر واستحضار مقومات الألفية الثالثة التي تختلف بدرجة كبيرة عن مقومات العصور القروسطية أو العصور الأولى للإسلام ، كما وجب في آن واحد نبذ النفش في القشور مع التركيز على المبدأ الرئيس والذي تتقاطع حوله جميع الديانات السماوبة والوضعية : "الدين المعاملة"