|
|
|
|
|
أضيف في 07 أبريل 2019 الساعة 50 : 09
إن حاضرا يفهم نفسه كراهــنه وكتحقق للزمن الحاضر بدءا من أفق الأزمنة الجديدة مجبر على إعادة إنتاج القطيعة بين الأزمنة الجديدة والماضي في شكل تجدد مستمر". هابرماس كثيرة هي المعاني التي أطلقت على الحداثة فهي توظف للتعبير عن حقبة زمنية محددة، أي كمجموعة من الأحداث والوقائع والخصائص التي تميز فترة زمنية محددة تاريخيا، وهذا التحديد ذو طابع كرونولوجي صرف.
أو عن عصر قائم بذاته يقطع مع الماضي بشكل صارم، يستعمل فيه العقل البشري بشكل لا يستنفذ كل طاقاته، بل تتجدد ملكاته باستمرار، بمعنى أنها توتر مستمر فالعصر:"علاقة متفجرة للماضي بالمستقبلعلاقة توتر بالحاضر تعيش صراعا مع كل ما يعترض سبيلها في صنع المستقبل، عملية هدم وبناء، أشبه ما يكون بنار هادئة تحت قدر، تنضج مكوناته في هدوء تام. خلق وإبداع، تحول دائم هدفه صنع الجديد، وإذا ما نظرنا الى الحداثة بهذا التصور الأخير الذي يحقق لها تفاعلا مستمرا مع واقعها بشكل جدلي إيجابي
إنها ليست انفصالا تاما إنها تواصل فرضته الصيرورة التاريخية للإنسان، وهذا لا يحيل على أن أي تناقض مع موقف للحداثة الكلاسيكية التي تميزت بعقلانية صارمة وإرادة قوية في القطع مع الماضي، وبقدرة فائقة في السيطرة على الطبيعة وتطويعها " ليس مستعصيا أن زمننا زمن ميلاد وانتقال الى مرحلة جديدة. لقد انفصم الروح عما كان حتى اليوم، هو العالم: عالم وجوده وتمثله، إنه على أهبة ابتلاع هذا الماضي كما أنه يعمل على صنع مفهومه
وفي هذا إشارة شافية إلى انتقال لا رجعة فيه، وهجران إلى غير عودة للماضي بكل أصنامه وأوثانه، قطيعة لصنع عالم جديد، وإن كانت في نظري المتواضع قطيعة ذكية مع عصر تميز بالظلام الدامس وربما هذا هو السر في تسميته بعصر الأنوار، استدعتها مسألة إعادة الترتيبات داخل المجتمع والدولة لمواكـبة التحولات الاقتصادية والمعرفـية التي عـرفـتها أوربا في هـذه المرحلة. توجت هذه التحولات الهامة ببروز الذات الفاعلة القائمة على " الحرية الذاتية" التي تستعمل كل أدوات التفكير والنقـد، التي تبدع وتبتكر، وتعبر عما تتوصل إلى إنتاجه بكل تلقائية وتحرر: " كل العلاقات بالنسبة إليه منفصمة لا يريد أن يعيش إلا في السعادة التي يوفرها له استمتاعه بذاته
أين تتجلى هذه القطيعة؟
تتمظهر هذه القطيعة على مستويات عدة: فمن جهة كشف العلم الحديث عن أسرار الطبيعة ( كروية الأرض، قانون الجاذبية... ) وأزال عنها سحرها والهالة الشبحية التي يضفيها عليها الإنسان القديم، التي كانت إليه مجموعة ألغاز محيرة، لا يجرؤ على مجابتها.
واكب هذا التطور العلمي، ثورة تقنية تجلت في اكتشاف الآلة البخارية، المكوك الطائر... مما ساعد على تقدم الصناعة وتزايد وتيرة التمدن بشكل مذهل !
رفع الحجاب عن أسطرة المعرفة التي غذت خاضعة للعقل البشري وهو نفسه لم تعد له سلطة مطلقة أو ثوابت قارة، فكل ما يتوصل إليه معرض للنقد والمساءلة، مما ساعد بشكل كبير على تحرير الذات العارفة.
بروز نظام أخلاق جديدة قائمة على التحرر، وضعنة القانون، تطور الفنون والآداب، تحرر الفلسفة من سيطرة الحقل الديني مع كانط.
كما استعملت الحداثة معجما مفعما بالحيوية وينم عن الحركة والنشاط من قبيل: تطور، تقدم، أزمة ... مما يطبعها بالفعل والتغيير المستمر عكس الأزمنة القديمة " ما قبل حداثة" التي تتسم بالجمود والثبات.
هل نحن نرفض التحديث؟
عندما نود خوض موضوع التحديث بالدراسة والتحليل لا بد وأن ننطلق من:
أولا: من الواقع حتى لا يظل عملنا متعاليا وبعيدا كل البعد عن رصد هموم المجتمع وانشغالاته.
ثانيا: أن مفتاح التحديث هو الاهتمام بالتحديث كبنية أو بمعنى آخر الكشف عن العلاقة القائمة بين المعرفة والاقتصاد والاجتماع ... مما يستلزم التخلي عن الطرح الأحادي أي ربط التحديث بالاقتصاد وحدة أو بالمعرفة وحدها، لأن التحديث في الغرب كان استجابة لإرادة العقل التحكم في كل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية
وعندما نتطرق لظروف مجتمعنا على مستوى المعرفة ، نجد هيمنة للمواقف التقليدية المناهضة لكل تغيير ، وانفتاح على التقنية في المجال الاقتصادي أي المزاوجة بين التحديث التقني والمحافظة الثقافية ، مما يحيلنا على التعامل من الانتقائية مع مكاسب الحداثة ، لأن المواقف المعرفة التقليدية تقاوم وتكبح بكل شدة الوعي بالحداثة لذا الإنسان الذي يعتبر الرأسمال الأساسي في التطور والتقدم لان الحداثة باعتبارها نظرة جديدة للكون تفيد التحرر من التقليد مما يستلزم إيلاء الاهتمام لفاعلية الإنسان وتحرير عقله .
فنحن أحوج إلى انفتاح المجتمع على المستقبل ضمن الشروط التاريخية التي يوجد فيها دون تردد.وأن نعمق التفكير في بنيتها بشكل جدي، لآن الحداثة كجهد فكري وعناء ذهني للتخلص من ثقافة وترسبات عصر الانحطاط لامناص منه.
فلا نركز فقط على الجانب الاستهلاكي من منتجات الحداثة الذي قطعنا فيه أشواط كبيرة، حيث نرى أن هناك سبق في هذا المجال على جانب الوعي بالمعرفة العصرية.
استثبات قيم التحديث في وسط مثخن بالتقليد والانغلاق أمر في غاية الصعوبة، يحتاج إلى جهد فكري وعناء عملي تطبيقي في ميادين متعددة تعتبر البوابة الرئيسية لولوج الحداثة من أبوابها الواسعة لأن التحديث قدر محتوم الآن بكل قوة، وإتباع الأسلاف في كل شيء إحياء وبعث لهيمنة جديدة تلزمنا على العمل بعقل الماضي بكل ميكانزماته التي لم تعد قادرة على استيعاب متطلبات العصر، ومسايرة التقدم الحضاري المذهل الذي وصلته الإنسانية، فالتعامل مع التراث يستلزم القطع مع الوعي التقليدي الذي لم يعد يفيد في أي شيء مع استمرارية الوصل بالعناصر الحية فيه وهذه النهضة إن صح التعبير تبدأ من:
التعليم: فمجتمعنا " مطالب اليوم بتحديث منظومته الثقافية ومنظومته التعليمية وبمراجعة برامج التعليم يما يتلاءم مع روح الثقافة الكونية ومناهج العلوم الحديثة، وتقوية دور الفلسفة في المؤسسة التربوية لأنها تشحذ الذهن على التفكير وتزرع فيه بدور العقلانية والحرية... " درس الفلسفة هو المختبر الفكري الذي يتعرف فيه الطالب على معنى العقل والحداثة والتحديث والحرية والديمقراطية وهي الكفيلة بتنوير مضامين بقية المواد الأخرى التي تكون المنهاج التعليمي وعليها تتوقف مهمة تطوير الوعي بقيم الحداثة وزرعها في عقول الناشئة حتى يشب جيل جديد مشبع بهذه القيم وقادر على إنجاز التقدم المنشود.
تنوير الثقافة: من المهام الجسام المتعلقة بعنق المثقف الذي يفترض فيه أن يكون فعالا أو عضويا بتعبير غرامشي، ممارسة النقد على الثقافة التقليدية ومحاولة تطويرها، وإخراج المجتمع من هذا الواقع المترهل السكوني المتخن بالانغلاق والتعصب. لأن ثقافتنا لن تستعيد عافيتها إلا إذا خرجت من قشرة التقليد التي تغلفها باسم الخصوصية لأن "كل خصوصية ثقافية أو اجتماعية أو حضارية هي اليوم مطالبة بأن تتطور في اتجاه الكونية وفي اتجاه التحديث الكوني وألا تتحول إلى عائق أوجدار صلب يقف في وجه النماء والتطور وولوج الحداثة من بابها الواسع، لأن الدعوة إلى "تأصيل" هذا المفهوم يخشى منها أن تكون مبررا لرفض الانفتاح على الكونية، ومدعاة للانغلاق والتقوقع على الذات.
ومن بين المعوقات التي تواجه عملية التحديث في مجتمعنا:
العـودة إلى الماضي والاغتراب فيه، باعتباره من " أمجاد الأمة"، وانه الطريق الوحيد نحو استعادة الكرامة والعزة لأن التراث في نظرهم فيه حلول جاهزة لكل المعضلات التي تتخبط فيها، فإذا ما رغبنا في حلها فما علينا إلا العودة إلى الماضي والبحث عن هذه الحلول.
مواجهة كل فكر متنور غايته التحديث بمقولة" البدعة" لأن كل تجديد في نظر هؤلاء من قبل هؤلاء يعتبر من قبل البدع والضلالات التي تجب محاربتها، لأنها تفسد واقع الناس وتبعدهم عن " النبع الصافي".
تبني منطق " المؤامرة" فكون مظاهر الحداثة – خاصة التقنية دخلت إلى مجتمعنا عن طريق الصدمة الاستعمارية، لذا فهم يحاولون مجابتها على خلفية أنها من الوسائل التي يتشبت بها الغرب المتفوق لاستدامة استغلالها وإحكام طوق التبعية والتخلف علينا، لذا فلا مناص إلا برفض الحداثة وكل القيم التي تتفرع عليها.
بينما في الحقيقة هذه كلها أوهام يتمسك بها أصحابها لتبرير توجههم، لأن من أسباب تخلفنا كوننا لم نتبن الحداثة بقيمها الإيجابية ولم نحاول تطوير ذاتنا الثقافية فاكتفينا بإدخال الحداثة التقنية فقط، بينما آليات تحديث العقل وتخليصه من أوهامه لم نعر لها أي اهتمام، فتجاوزت في مجتمعنا بنيات إحداهما عصرية وأخرى تقليدية بينما هناك شرطان لتحديث المجتمع وتحرير الذات الإنسانية.
أولا: تمكينها من القدرة على الفعل والاحتيار ( الحرية ).
ثانيا: الرغبة في التحول والترقي باستمرار عن طريق إعمال الفكر الذي يحسسها بكينونتها " أنا أفكر إذن أنا موجود
بقلم الدكتور يونس العمراني
|
|
2426 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|