إنه نموذج لبعض الكتابات التي تصنف في خانة العدائية ضد المسلمين بفرنسا. وهي تسير في اتساق مع ظاهرة الإسلاموفوبيا التي أضحت تثير جدلا كبيرا وسط المثقفين الفرنسيين في السنوات الأخيرة ما بين اعتبارها أمرا واقعا موثقا بحيثيات الحياة اليومية لمسلمي فرنسا ممثلا في حظر الحجاب والاعتداء على المؤسسات والأفراد وتضخم الخطاب الإعلامي المعادي للمسلمين وقيمهم باعتبارها مهددة لروح وقيم الجمهورية الفرنسية, وبين كونها مجرد معركة مفاهيم تتخفى وراءها إشكالات أكثر عمقا مما يبدو في الواجهة تتعلق بقضايا تاريخية, ثقافية, سياسية واجتماعية تطال التشكيل الحضاري العربي الإسلامي في مقابل التشكيل الحضاري الغربي المسيحي وطبيعة تعاطي كل منهما مع الظاهرة الدينية إضافة إلى طبيعة التدبير الرسمي الفرنسي لملف التعدد الديني. فما المقصود إذن بالإسلاموفوبيا كمفهوم؟ وما هي مختلف السياقات التي أدت إلى إنتاجه؟ وما هي المسارات التي يختطها هذا المفهوم لنفسه في مختلف التقارير والدراسات الفرنسية التي اهتمت بمقاربته وتحليله؟ من هذا المنطلق سنعمل على مقاربة المفهوم مسترشدين بالكم الهائل من المحاولات التي سارت في نفس الاتجاه ما بين محاولة تعريفه وتحليل مختلف الاتجاهات المتدخلة في إنتاج سياقاته .إضافة إلى محاولة تقديم صورة عن بعض المظاهر التي تدلل على وجود الظاهرة واستشرائها وذلك استنادا إلى تقارير ودراسات موثقة عملت على إعدادها تنظيمات مختصة من قبيل التجمع ضد الإسلامو فوبيا بفرنسا CCIF وصولا إلى تحليل الموقفين الرئيسين من الظاهرة والذين راعينا أن نقدمهما من خلال أطروحات كتاب فرنسيين غير مسلمين توخيا للموضوعية والحياد العلمي: موقف الإقرار ممثلا في أطروحة الباحث VINCENT GEISSER.في كتابه LA NOUVELLE ISLAMOPHOBIE وموقف الرفض وعدم الاعتراف ممثلا في كتاب TIRS CROISÉS للباحثتينCAROLINE FOUREST وFIAMMETTA VENNER.
الإسلاموفوبيا؟
اشتقاقيا فإن اللفظ اليوناني phobos يحيل على الخوف اللاشعوري واللامبرر, استنادا لهذا يمكن القول بأن الإسلاموفوبيا خوف لاشعوري ولامبرر ورفض عشوائي للإسلام.غير أن هذا التعريف لا يعكس قطعا طبيعة التشعب المحيط بالمفهوم باعتباره يشكل محور نقاشات عميقة يتداخل فيها الديني بالثقافي والسياسي بالتاريخي مما يتطلب تتبع مسيرة المفهوم عبر مختلف أشكال حضوره في التقارير والدراسات والأبحاث التي تعاملت معه كما في اشتغال جهات مختصة من قبيل جمعيات ومنظمات ومراصد حقوق الإنسان ومناهضة التمييز والعنصرية.
يجب التمييز في التعامل مع مفهوم إسلاموفوبيا بين مرحلتين أساسيتين تقف 11 سبتمبر 2001 حدا فاصلا بينهما.
مرحلة الماقبل والتي تتميز بندرة استخدام المفهوم إلى درجة أن الدراسة التي تحدث عنها ALAIN GRESH في مقالته بجريدة M DE DIPLOMATIQUE LEبتاريخ 1 مارس 2004تحت عنوان À PROPOS DE L’ISLAMOPHOBIE والتي اتخذت كأساس لها أرشيف جريدة LE M DE ما بين 1 يناير 1987 و10 سبتمبر2001 أي يوم واحد قبل تفجيرات نيويورك لم تسجل استخدام المفهوم سوى مرتين الأولى سنة 1994 فيما الثانية في فبراير 2001 .نفس العدد من المرات سيجل أيضا على امتداد نفس الفترة بالنسبة ل M DE DIPLOMATIQUE LE الأولى في إطار روبورتاج حول مدينة مرسيلية في يوليوز 97 فيما الثانية تنسب للمفكر السويسري العربي الأصل طارق رمضان في أبريل 98 أما في بريطانيا فقد تم الترويج للمفهوم سنة 1996 من قبل منظمة RUNNYMEDE TRUST التي أصدرت تحت إشراف البروفيسور G ORD C WAY دراسة تحت عنوان Islamophobia : Fact Not Fiction . سنة 1998 وعلى هامش الدورة الرابعة والخمسين للأمم المتحدة قدمGlèleAhnanhanzo المقرر الخاص حول الأشكال المعاصرة للعنصرية تقريرا أمام لجنة حقوق الإنسان الأممية جاء فيه أن مختلف أشكال العنصرية ومعاداة الأجانب الموجهة ضد العرب تتضاعف في اتجاه الإسلاموفوبيا.
بعد 11 سبتمبر سيصبح استعمال المفهوم دارجا على لسان الجميع في فرنسا كما في باقي الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية هكذا سيظهر في أكتوبر 2001 مفهوم الإسلاموفوبيا على الموقع الإلكتروني لكل من المرصد الأوروبي لظواهر العنصرية ومعاداة الأجانب بفيينا EUMC والشبكة الأوروبية ضد العنصريةENAR أما في فرنسا فإن سنة2003 ستعرف تنظيم يوم دراسي في موضوع du Racisme antiarabe à l’islamophobie من قبل منظمة الحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب MRAP كما سيتشكل التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا CCIF الذي أصدر أول تقاريره في 21 أكتوبر 2004 كما كان الوزير الأول الفرنسي السابق j.pierre.rafarin قد استخدم المفهوم في كلمة له بمناسبة افتتاح المسجد الكبير بباريس في 17 أكتوبر من نفس السنة. أما أكثر التعاريف شيوعا وتبنيا من قبل الباحثين فيعود للمركز من أجل تكافؤ الفرص ومواجهة العنصرية والذي جاء فيه : الإسلاموفوبيا كراهية ورفض لإسلام مختزل في كيان شرير بينما الإسلام هو متعدد عل المستوى الاجتماعي , الجغرافي , التاريخي والثقافي.هذه الكراهية تتغذى على أحكام مسبقة وقوالب جاهزة سلبية تمارس غالبا خلطا بين مفاهيم متعددة: إسلام, عرب, مسلم, إسلاموي, إرهابي, أصولي.. من جهة وبين ثقافة ودين من جهة أخرى.
التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا: مسؤولية الدولة والمثقفين ؟
تستند الدراسة الموثقة التي عملت على إعدادها منظمة التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا COLLECTIF C TRE L’ISLAMOPHOBIE EN FRANCE إلى إحصاء شمل 182 فعل إسلامفوبي يغطي سنة كاملة ممتدة من أكتوبر 2003 إلى غشت 2004 حيث 118 منها كانت موجهة ضد أفراد ( شتائم عنصرية, تهديد بالقتل, اعتداءات مسلحة... ) فيما 64 استهدفت مؤسسات (اعتداء على مساجد ومقابر إسلامية , إلغاء مجموعة من الندوات حول الإسلام لدواعي مختلفة, توقيف مجموعة من الأئمة... ) . هده الأرقام وإن كانت لا تعكس بالضرورة حيثيات الوضع بالنظر إلى صعوبة رصد كل هده الأفعال خصوصا تلك الموجهة ضد الأفراد يصرح التقرير المذكور, فإن من شأنها أن تقدم رصدا موثقا لظاهرة الإسلاموفوبيا التي أصبح يحذر منها مجموعة من الخبراء والحقوقيين بفرنسا في هدا السياق يستخلص التقرير الذي قدمه هدا التنظيم أمام وسائل الإعلام يوم 21 أكتوبر 2004استنتاجين اثنين حول الظاهرة يرتبط الأول بكون 76 في المائة من حالات الاعتداء على الأشخاص المسجلة كانت ضد نساء محجبات بما يعطي الانطباع بأن الحجاب كرمز ديني إسلامي كان مستهدفا أكثر من الأشخاص بعينهم .فيما يسير التوجه الثاني نحو تحميل الدولة الفرنسية مسؤولية ما يقارب 60 في المائة من هده الأفعال وهو ما يضع هده الأخيرة ممثلة في العمد, المفوضين, مسؤولي المؤسسات التعليمية... على رأس قائمة مصادر الإسلاموفوبيا بفرنسا.من جهة أخرى يشدد التقرير على المسؤولية التاريخية للمثقفين والسياسيين ووسائل الإعلام... إذ يستشهد التقرير بأسماء من قبيل الوزير السابق Xavier Darcos الذي صرح تعليقا على حضر الحجاب « quand on aime pas la République Française, on va ailleurs » هدا إضافة إلى الكتابات المنسوبة إلى أسماء بعينها تأتي على رأسها Oriana Fallaci صاحبة كتاب: LA RAGE ET L’ ORGUEIL ;C TRE LE JIHAD ET L’ LERANCE. الذي قال بخصوصه المفكر Gilles Kepel :
فإذا كان هدا هوتوجه النخب وصناع الرأي في فرنسا فمادا سننتظر من المواطن العادي, العامل المستفز أصلا من أزمات البطالة والسكن التي تخلق ارتباكا على مستوى حياته اليومية يتساءل التقرير. في هدا السياق قام التجمع بتنسيق مع تنظيمات مهتمة بمواجهة التمييز كمنظمة الحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب MRAPوعصبة حقوق الإنسانLDH بإطلاق حملة لمواجهة الإسلاموفوبيا اتخذت لها شعار "الإسلاموفوبيا ليست رأيا وإنما جريمة".
الإسلاموفوبيا الجديدة: دور مشبوه لوسائل الإعلام؟
هناك ظاهرة لافتة للنظر في السنوات الأخيرة تتمثل في توجيه الإهانات العنصرية؛ ففي الستينيات والسبعينيات كانت الإهانة العنصرية الدارجة هي القول "المهاجر القذر"، ثم تطورت إلى "العربي القذر"، أو "المغاربي القذر"، أما اليوم فقد تمت أسلمة الإهانة وأصبحت عبارة "المسلم القذر" شائعة، و"هذا شكل آخر من أشكال الإسلاموفوبيا". بهده العبارة يتحدث الباحث الأكاديمي بمعهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي (CNRS ) VINCENT GEISSER عن ظاهرة الإسلاموفوبيا بفرنسا والتي شكلت محور كتابه "LA NOUVELLE ISLAMOPHOBIE"
في كتابه هذا يرى VINCENT GEISSER أن صورة المسلمين في فرنسا متداخلة قليلا وغير واضحة إذ في جانب معين يتم الحديث عنهم كونهم فرنسيين وعن بداية "اندماجهم"،أما عندما يظهر المسلمون تمسكا بديانة بلدانهم الأصلية على مستوى التطبيق الديني فإن المسألة تتعقد بالنسبة للرأي العام كما بالنسبة للنخبة الفرنسية.مما يضعنا أمام مفارقة عجيبة تقبل وتقر في جزء منها بأن جزءا من المواطنين الفرنسيين هم مسلمون ولكن عندما تتجسد هذه المواطنة في الصلاة أو المطالبة بالمساجد وبالنسبة للفتيات في ارتداء الحجاب فإنهم سرعان ما يوصفون بالأصولية. لقد أصبح على المسلمين الفرنسيين إذن أن يثبتوا أنهم ليسوا "مسلمين كثيرا" لأن المجال السياسي الفرنسي وإن كان لا يعترض على وجود مسلمين, فإن هؤلاء لا يجب أن يكونوا "مسلمين كثيرا" لأنهم إذا ما أصبحوا "مسلمين بشكل زائد عن اللزوم" فإننا نبدأ في الخوف منهم لنصل إلى ممارسة التمييز ضدهم في أحيان كثيرة يقول GEISSER.
إن الإسلاموفوبيا وإن كانت تدخل في نطاق المسكوت عنه من حيث كونها تتداخل مع أشكال أخرى من العنصرية والتمييز ضد الأجانب xénophobie فإن الإشارات الكثيرة الصادرة عمن يقفون وراءها تجعل من السهل تعريتها ففي سنوات السبعينيات والثمانينيات كانت السلوكات العدوانية تتوجه بالأساس نحو مآوي المهاجرين والجمعيات المدافعة عن حقوق الأجانب بما يدفع للقول بأن رموز الهجرة والمهاجرين هي التي كانت مستهدفة من مختلف أشكال التمييز أما اليوم فإن نفس المنطق يجعلنا نقول بأن رموز الحضور الإسلامي بفرنسا هي المستهدفة على خلفية مهاجمة المساجد والأئمة والنساء المحجبات. هكذا إذن يرتكز الرفض لا على الأصل وإنما على المرجع الديني باعتباره يحيل على الهوية.إنه الإسلام إذن ديانة المهاجرين المستوردة والغريبة على الثقافة الفرنسية كما تؤطرها أطروحات الإسلاموفوبيين التي تجد من الفضاء الإعلامي الفرنسي مجالا شاسعا لترسيخ رؤيتها الضيقة للإسلام والمسلمين والتي لا تمل من تكرار نفس الصور النمطية لأناس يرون من ظهورهم وهم يصلون في العراء, تجمعات حاشدة تصرخ وتهدد, نساء محجبات, وجوه ملتحية, أفواه مفتوحة وعيون محملقة...
هدا المسار الضيق الذي اختطته وسائل الإعلام الفرنسية في التعامل مع الإسلام والمسلمين الذي يدعو الكاتب وعلى امتداد فصول الكتاب الأربعة إلى ضرورة تجاوزه يعود من وجهة نظره إلى كون الصحافيين ضحايا معرفة غير دقيقة وغير معمقة تتأسس على تقارير مشوهة عن حقيقة الدين الإسلامي تستند في كثير من أبعادها إلى العقلية الاستعمارية التي ترى في المسلمين مجرد "بلهاء" و"رعاع"، وفي الإسلام طائفة "مغلقة". مما يحصر الرؤية الإعلامية برمتها في تصور افتراضي متخيل يضفي الشرعية على مجموعة من الأفكار والأحكام المسبقة. في هدا السياق يحدد الكاتب أربع مصادر أساسية لظاهرة الإسلاموفوبيا بفرنسا يمكن تقديمها كالتالي:
مجموعة من الصحفيين ممن أصبحت وسائل الإعلام تقدمهم باعتبارهم حماة القيم الجمهورية من أمثال: (Alain Finkielkraut, JeanFrançois Revel, Jacques Julliard, PierreAndré, Emmanuel Todd,… ) , خطاب هؤلاء لا يتعامل مع الإسلام باعتباره دينا كباقي الأديان يتطلب التعامل معه تحليل مختلف الأنساق والظواهر المتفاعلة في علاقة به بقدر ما يعمل على ترسيخ إطار نمطي يضع الإسلام والمسلمين في موضع المهددين لروح الجمهورية الفرنسية , هكذا يصبح كل حديث عن الإسلام والمسلمين محيلا بشكل مباشر على المثقف المهدد من قبل التطرف الإسلامي (نموذج سلمان رشدي وتسليمة نسرين ) النساء ضحايا المعاملة السيئة والمفتي ذوالقراءة المتحجرة للنصوص...
خبراء الرعب الجدد هم مجموعة من الأكاديميين الذين يحتلون بشكل مبالغ فيه مختلف وسائل الإعلام كلما تعلق الأمر بالإسلام أو المسلمين, هؤلاء الذين يقدمون باعتبارهم متخصصين في الشأن الإسلامي ومختلف تأثيراته على الجمهورية الفرنسية لا يتعاملون مع الدين الإسلامي باعتباره دينا كباقي الأديان وإنما كحضارة ينبغي أن تدرس وفق مبادئ نظرية صدام الحضارات . أطروحات خبراء الرعب الجدد تساهم في إشاعة جومن الريبة والكراهية تجاه كل ما له علاقة بالدين الإسلامي بفرنسا.
المسلمون الإسلاموفوبيون ويتعلق الأمر بمجموعة من الأسماء المغاربية بالأساس التي تعيش بفرنسا وتشكل بالنسبة لوسائل الإعلام مرجعا مثاليا لتكريس الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين وفق منطق شهد شاهد من أهلها ومرة أخرى يرصد مجموعة من الأسماء التي تتكرر باستمرار في وسائل الإعلام الفرنسية كالكاتب التونسي عبد الوهاب مديب, الخبير الأمني اللبناني أنطوان صفير, الكاتب الجزائري رشيد قاسي, الصحفي محمد السيفاوي والكاتبة الجزائرية لطيفة بنمنصور فإنه يتساءل عن سر التضليل الإعلامي على أسماء مفكرين مسلمين كبار من أمثال محمد أركون وعلي ميراد.