بعد أن أيدت غرفة الجنايات الاستئنافية بالدارالبيضاء، منتصف ليلة الجمعة، الأحكام التي سبق لغرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية الدارالبيضاء أن أصدرتها ضد المعتقلين المتابعين على ذمة أحداث الريف، اختارت عدد من الأصوات الركوب على هذه الأحكام، وتصويرها في سياق سياسوي، يتجاهل حقيقة ماحدث بالحسيمة.
ولأن ذاكرة الكثيرين تناست أو حاولت متعمدة القفز على الواقع، فقد بدأت العديد من التعليقات تتمسح بسياقات لاعلاقة لها بماخحدث، وتعيد التباكي حول غياب العدالة في هذا الملف، الذي كاد بعض المتابعين فيه أن يحولوا المنطقة لمرتع خصب للعنف، مستغلين سليمتها وطبيعتها الاجتماعية التي ظلت قائمة لعدة أشهر.
بفعد أن ظلت الاحتجاجات في مدينة الحسيمة، تتم بحرية لحوالي 8 أشهر، بسبب سلميتها، حدثت انحرافات وانزلاقات، حولت هذا الشكل الاحتجاجي السلمي، إلى عنف مورس من قبل بعض الجهات التي سعت لخدمة آجندات سياسية، لتتحول القضية من احتجاج اجتماعي سلمي، إلى احتجاج سياسي عنيف.
من أحداث الحسيمة
من أحداث الحسيمة 1
ماكشفت عنه الأحداث هو أن السلطات العمومية، التزمت وخلال كافة الاحتجاجات بإقليم الحسيمة، بالاحترام التام لممارسة الحق المذكور دون استعمال القوة لتفريق التجمعات أو تعنيف المحتجين، قبل أن تحدث الانزلاقات الخطيرة.
وخرجت الاحتجاجات، في بعض الأحيان، عن طابعها السلمي، وانفلتت بتحريض من طرف بعض العناصر ذات الأهداف غير البريئة، ساهمت في تأجيج الوضع، مما تسبب في ارتكاب مجموعة من الأفعال المخالفة للقانون أضرت بشكل كبير بالممتلكات العامة والخاصة والاعتداء على قوات حفظ الأمن، وكان واجبا على السلطات المختصة التدخل لحماية الممتلكات والأرواح واحترام المؤسسات، تعزيزا للأمن والاستقرار.
في إيمزورن، وبتاريخ 26 مارس 2017، تم إيقاف 17 شخصا تمت إحالتهم من طرف النيابة العامة على قضاء التحقيق، الذي أمر باعتقالهم (16 شخصا راشدا وواحد حدثا) من أجل محاولة إضرام النار عمدا في ناقلة بها أشخاص ووضع متاريس في الطريق العام نتج عنه جروح وتعييب أشياء مخصصة للمنفعة العامة ....
كما ساهم الزفزافي في تأجيج الأوضاع، حين قام بعرقلة خطبة الجمعة في 26 ماي 2017، لتندلع المواجهات التي انتهت بإيقاف 49 شخصا اتخذت بشأنهم النيابة العامة الإجراءات القضائية التالية:
-متابعة 25 شخصا في حالة اعتقال من أجل الإهانة والعنف في حق رجال القوة العمومية والعصيان وتعييب أشياء مخصصة للمنفعة العامة والتظاهر بدون تصريح والتجمهر المسلح في الطريق العمومية.
-متابعة 6 أشخاص في حالة اعتقال من اجل الإهانة والعنف في حق رجال القوة العمومية والعصيان والتظاهر في الشارع العام بدون ترخيص.
-متابعة 7 أشخاص في حالة سراح من أجل العصيان والتظاهر في الشارع العام.
- متابعة حدث في حالة سراح.
-حفظ المسطرة في حق 10 أشخاص.
كما بينت التحقيقات التي أجرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بشأن اشتباه تورط مجموعة من الأشخاص في جرائم تمس بأمن الدولة الداخلي، فتم إيقاف ما مجموعه 38 شخصا تم وضعهم رهن الحراسة النظرية المحددة مدتها قانونا في 96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة.
بعد كل هذا كان لابد آن تفعل العدالة من أجل حماية منطقة الحسيمة من المتلاعبين بأمن الوطن، ولنتذكر أن آحداث أقل وقعت مثلها في الإسبانيا، وطبعا الكل يتذكر مصير الداعين للانفصال، والمحاكمات الصارمة التي أعقبت دعوات الانفصالية بمنطقة كاطالونيا.
هذه الصرامة التي ينتقد المغرب كونه فعل القانون في التعاطي مع بعض العناصر التي سعت للركوب على مطالب اجتماعية، واستغلالها خدمة لأجندات خارجية، وكذا التعامل مع الدعوات للتخريب، هي سياسة متبعة في كل دول العالم المتحضر، وللتذكير ففرنسا كانت صارمة كذلك مؤخرا في التعاطي مع العناصر المخربة التي ركبت على حركة السترات الصفراء، وعاثت فسادا في باريس.
يذكر أن محمد عبد النبوي، رئيس النيابة العامة، كان قد علق علي هذه الأحكام، بالقول بأن التعاطي مع وصف أحكام ما بالقاسية أو المخففة، يتطلب استحضار سياقها.
وأوضح عبد النبوي أن بعض الملفات كان محركها مطالب اجتماعية مشروعة، إلا أنها عرفت بعض التجاوزات لتجد النيابة العامة نفسها في مرمى النيران بسبب نقاشات لم تكن طرفا فيها، وهو ما حمل في طياته عتابا لتراجع أدوار الأحزاب السياسية والهيئات الحقوقية لاحتواء المطالب من خلال النقاش، قبل أن تتطور لتجاوزات يعاقب عليها القانون الجنائي.