المغرب كله كان فخورا، وهو يرى المشهد الحضاري الكبير الذي شكلته زيارة البابا لبلادنا، والمغرب كله كان أكثر من مفتخر بالصدى العالمي للزيارة ولنداء القدس، ولكلمة جلالة الملك بأربع لغات الموجهة إلى العالم، المبشرة بوجود شعوب وبلدان ودول لازالت تؤمن بالسلام والتعايش قدرا قادما للإنسانية وسط ظلم الجهل والتقوقع والانكفاء المرعب على الذات.
المغرب كله، أو تقريبا المغرب كله، لأن فئة قليلة للغاية وجدت في هاته الزيارة التي كانت مثالية بالفعل مشهدا صغيرا لم تنتبه أنه الأكبر والأجمل، هو مشهد رفع الأذان لكي تعتبر أنه مساس بركن من أركان الدين.
طبعا الناس لم تلتفت لخرافات وتفاهات هؤلاء، ورأت فيها طريقة غير ذكية كثيرا لتوجيه انتقاد ما لهاته الزيارة لأن مشكلة هؤلاء هي بكل بساطة مع الأديان الأخرى، وليست مع الأذان أو أي طقس آخر من طقوس الدين، سواء تم توظيفه في مشهد فني مقبول، أو في أي مجال آخر..
مشكلة هاته القلة هي أنها تعتقد أنها أفضل من بقية أجناس الله الأخرى، وهي لا تكتفي بعبادة الله الواحد الأحد سرا والانتساب إلى الإسلام وفهم هذا الانتساب فهما سليما يعلي من قدرها ويعلي من قدر الدين الذي تنتمي إليه.
لا، هي تحتقر الديانات الأخرى، وترى أصحابها كفارا وجبت محاربتهم إذا كانت لديها القدرة على ذلك، أو وجبت معاداتهم وسبهم وشتمهم في حالة أضعف الإيمان، الذي تعاني منه هاته القلة.
للوقوف على مثال بسيط من أمثلة هذه النبرة الاستعلائية لدى هاته القلة هو موقفها من التبشير، فهي احتفلت بما قاله الحبر الأعظم البابا في الرباط وهو يدعو الرهبان المقيمين هنا إلى أن يحترموا ديانات الناس الآخرين، ولكي يقول لهم إن إدخال الناس إلى المسيحية ليست مهمتهم. بالمقابل، هاته القلة تجد أنها ملزمة كلما دخل فيها شخص بشكل فردي إلى الإسلام، وهذه مسألة خاصة بين المرء وبين خالقه أو دينه، أن تصرخ «الله أكبر»، وأن تنشر هاته الأخبار، وأن تحتفي بها دون أن ترى في السلوكين معا تناقضا مضحكا/مبكيا بين مطالبة الآخرين بعدم التدخل في دينك ولا تحريضك على تغييره، وبين تحريض نفس الناس على مغادرة دينهم للدخول معك في الدين الذي تعتبر أنه حق.
المشكلة تعيشها هاته القلة مع المسيحية، وتعيشها بشكل أبشع مع العبرانية، وتعيشها مع الديانات الأخرى التي لا تكلف نفسها عناء قراءتها أو الاطلاع عليها والاقتراب منها فعلا لفهم الإنساني الأساسي فيها المنتمي لبراح الدنيا والدين، ولاستيعاب أسباب وجود بعض أوجه الانغلاق في هاته الديانات مرتبطة بتوقيت نزول هاته الديانات وشكل الناس الذين نزلت إليهم في فترة ميلادها الأولى، وهو شكل لا علاقة له بشكل وعقل الناس في الوقت الحالي بعد مرور كل هاته القرون الطويلة التي تقدمت فيها الإنسانية أيما تقدم في كل المجالات، ولم يبق متوقفا بذهنه في العصور الخالية إلا العاجزون الأبديون عن اللحاق بركب التطور والتقدم العادي الذي يفرضه العقل السليم.
لحسن حظنا نقولها مجددا تلك الصرخات النشاز ظلت قليلة حد انعدام القدرة على رؤيتها، ولم تستطع أن تمنع كل مغربية وكل مغربي من أن يشعر بفخر شديد، وهو يرى بلاده تقدم نموذجا ولا أروع لمد اليد للآخر ولاقتراح كتابة التاريخ المقبل معه لأن حل كل مشاكل الإنسانية هو في التعاون مع بعضها البعض وليس في التناحر..
أيضا، لا يمكنك إلا أن تشعر بفخر شديد وأنت تقرأ نداء القدس الذي وقعه جلالة الملك وسماحة الحبر الأعظم إيمانا منهما معا أن قدر المدينة المقدسة هو السلام، وأن التئام الديانات السماوية الثلاث عليها وعلى الالتقاء فيها منذ زمن بعيد كان موحيا بقدرها مدينة للالتقاء بين مختلف المؤمنين، لا مكان قتل وشد وجذب وتنكيل بالهدوء السماوي الخاص من نوعه وبالجو الروحاني، الذي يعرفه كل من زارها، والذي تعيشه باستمرار تلك القدس العتيقة.
كانت أوجه فخرنا جميعا كثيرة، وكانت أملا لنا أن نتخلص في المقبلات من الأيام مما علق بعقول بعضنا من أدران الانغلاق والتخلف. وكانت، أيضا، إشارة إيجابية على المكانة التي تحتلها المملكة، وعلى قيمة مؤسسة إمارة المؤمنين، وعلى كثير الأمور التي نظل نتحدث عنها يوميا بكل إيمان واقتناع الكون، ونحن نقول إن هذا الاستثناء المغربي، الذي يستكثره علينا العديدون ويعتبرون حديثنا عنه مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي هو واقع حق ومتحقق وأيم الله وحق الرب ودون أي شك أو ارتياب.
لذلك دعونا نؤذن ونترنم ونقرأ كل التراتيل في مغربنا، وليذهبوا هم مثلما يقول المثل لكي يؤذنوا دوما وأبدا في مالطا...
المختار لغزيوي