نجح الحراك الشعبي في إسقاط الخطة التي حبكتها الدائرة المحيطة بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، والقاضية ببقاء هذا الأخير من فوق الكرسي المتحرك رئيسا للجزائر. وإذا كان الحراك قد تمكن من الفوز بالشوط الأول للنزال الذي يخوضه ضد النظام، فإنه لا يزال مصرا على تحقيق كافة مطالبه التي يؤطرها شعار “يتنحاو قاع”، في إشارة إلى ضرورة تنحي الشخصيات التي دبرت الحكم طيلة العقدين الأخيرين.
مرحلة حكم بوتفليقة قد طويت إذن وأصبحت في عداد الماضي، بعد أن قدم استقالته على مضض، فاتحا بذلك المجال أمام انعقاد المجلس الدستوري لإعلان شغور منصب الرئيس، غير أن المرحلة الانتقالية التي ستؤسس لقيام الجمهورية الجزائرية الثانية ستضع الجزائريين أمام تحديات بناء التوافقات حول طبيعة النظام الجديد، والخريطة السياسية التي ستنبثق عن إعادة تشكيل المؤسسات التشريعية والتنفيذية.
وبالإضافة إلى القضايا الرئيسية التي ستستأثر باهتمام النخب السياسية الجديدة التواقة إلى تعويض الوجوه القديمة في المشهد السياسي الجزائري الراهن، فقد بات من المؤكد أن تطفو قضية الصحراء المغربية على السطح، سيما وأن حرس النظام القديم استنزفوا ثروات طائلة على امتداد أكثر من 4 عقود لمعاكسة الوحدة الترابية للمملكة.
وطبيعي أن تتساءل القوى الحية للشعب الجزائري اليوم عن الجدوى من الاستمرار في معاداة المغرب، وضرب ما يجمع بين المغاربة والجزائريين من قواسم مشتركة وإرث تاريخي وحضاري، وعن أسباب تغاضي حكام قصر المرادية عن الاستجابة لنداء الأخوة الذي أطلقه المغرب تجاه الجزائر، من أجل تحسين العلاقات الثنائية والارتقاء بها إلى مستوى تطلعات الشعبين الشقيقين.
ولعل ما سيشجع النخب السياسية الجديدة على طي صفحة حشر الجزائر لأنفها في قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، كون المغرب استطاع أن يحقق طفرة نوعية على مختلف الأصعدة جعلت منه قوة إقليمية صاعدة، ونموذجا يحتدى به في تعاطيه مع قضاياه الداخلية والخارجية، بالرغم من ضعف موارده في الوقت الذي عجز فيه النظام الجزائري عن تحقيق إنجازات ملموسة غير مستفيد من البحبوحة المالية التي تأتت له بفعل ارتفاع أسعار البترول والغاز خلال السنوات الأخيرة.
هذه التطورات المتسارعة التي تشهدها الجزائر، من المؤكد أن تكون لها ارتدادات على جبهة البوليساريو التي ستجد نفسها في وضعية أشبه ما يكون بوضعية الأيتام في مأدبة اللئام، لأن جيل جنرالات العسكر والسياسة الذين كانوا من وراء تأسيسها ودعمها بالمال والسلاح خدمة لأجندتهم العدائية ضد المغرب، لن يكون لهم مكان تحت شمس الجمهورية الجزائرية الثانية. وهذا ما سيجعل المتشبثين بالأطروحة الانفصالية يدركون جيدا بأن الزمن قد تغير ولم يعد في صالحهم كما كانوا يعتقدون من قبل.
فبقاء قيادة البوليساريو بمخيم الرابوني لن يدوم طويلا، لأن كل المؤشرات توحي بأن الجزائريين لن يقبلوا أن يخصص جزء مهم من المال العام الجزائري لدعم قضية خاسرة، بعد أن انكشفت أمام العالم مسؤولية النظام الجزائري المتهاوي في إطالة أمد النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، ودوره السلبي في تعطيل وشل مؤسسات الاتحاد المغاربي الذي يمثل خيارا استراتيجيا لدول وشعوب المنطقة المغاربية.
وعلاوة على ذلك فإن الإنتقال الديموقراطي بالجزائر سيعطي زخما أكبر للحراك الذي بدأت تعرفه مخيمات تندوف، وستجد ساكنة هذه المخيمات نفسها أمام خيار قلب الطاولة على قيادة جبهة البوليساريو بعد أن ضاقت درعا من العيش في ظروف قاسية داخل سجن كبير، وأيقنت بأن شعارات “الإستقلال” ليست إلا سرابا وبأن الحقيقة التي لا غبار عليها أن الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه.
لحسن بوشمامة