مازال جدل العرض الفني الإنشادي الذي قدم أمام الملك محمد السادس والبابا فرانسيس بمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدات، يثير الجدل بين المثقفين ورجال الدين المغاربة والمشارقة، فبعدما أصدرت رابطة علماء المسلمين، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بلاغين، يرفضان فيهما ما اعتبراه “الاستخفاف بثواب ومقدسات الإسلام” بسبب العرض المذكور، خرج عدد من المثقفين بآراء مستنكرة للتوجه العام الذي سلكته هذه المؤسسات الدينية، التي دائما ما تثير التساؤلات حول تجديدها للخطاب الديني وتوجهها المتطرف.
المفكر والباحث في الدراسات الإسلامية عبد الوهاب رفيقي كان من أبرز الشخصيات التي تصدت لهذا التوجه الذي سلكته هاتين المؤسستين ونشر تدوينة كشف فيها عن التناقضات التي سقطت فيها وكتب:” رابطة علماء المسلمين تستنكر الاحتفال الجمالي الذي جرى بمعهد الأئمة والمرشدين، تلاه بيان من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يتضمن نفس الإنكار مع تحذير شديد بالفتنة والعذاب الأليم، وإن لم أفهم لمن التحذير وأي أمر يحذر منه.”
وأضاف رفيقي” الرابطة والاتحاد بهذين البيانين الشديدي اللهجة، الهيئة الأولى بمرجعتيها ومكوناتها السلفية، والثانية بمرجعتيها الإخوانية وهواها السلفي، يمثلان نموذج التدين المشرقي، وإن كان على رأس الثانية فقيه مغربي اشتغل على مقاصد الشريعة وألف فيها، وهذان البيانان لا يخرجان عن السياسة القديمة التي ينتهجها شيوخ المشرق حين يعتقدون أنهم أوصياء على كل المسلمين في تدينهم، وأن لهم من الحق ما يسمح بتحديد ما يجوز وما لا يجوز ذبا عن العقيدة وحفاظا على الدين برأيهم.”
تناقضات الشيوخ
النقاش الذي أثاره العرض الفني، جعل الكثير من النشطاء يتساءلون عن التناقضات التي يسقط فيها علماء الدين المشارقة ، والبعض من المغاربة، معتبرين أنهم يعبرون عن رفضهم لبعض الممارسات التجديدية في الدين حينما لا تخدم مصالحهم، في حين يؤيدونها حينما تخدم مصالحهم، وهو ما أشار إليه الباحث المذكور في تدوينته حيث كتب:” لا زلنا نذكر ما أثاره الشيخ يوسف القرضاوي من ضجة، حين أباح للمغاربة شراء المساكن عن طريق البنوك التجارية، قياسا على المسلمين في الغرب الذين كان القرضاوي قد أجاز لهم سابقا ذلك اعتمادا على فتوى الأحناف بجواز الربا بدار الحرب، وما أعقب ذلك من ردود فعل لحد إصدار المجلس العلمي الأعلى بيانا وردا شديدا على الشيخ القرضاوي”.
ويضيف الباحث في نفس السياق:” هي حلقة أخرى إذن، أساسها اعتقاد هؤلاء الشيوخ أن ما يرونه هو النسخة الصحيحة والوحيدة للإسلام، وأن على المسلمين في شرق الأرض وغربها الاتباع، دون أي مراعاة لخصوصية أي بلد، حتى لو كان بلدا كالمغرب، له تجربته الدينية الخاصة، المؤسسة على تراكم تاريخي ممتد لقرون طويلة، وعلى مراعاة لطبيعة المنطقة وعوائدها وأعرافها الضاربة في القدم، وعلى تنوع عرقي وتقارب حضاري لم تعرفه المناطق الأخرى”.
ووجه رفيقي رسالته لهؤلاء قائلا:” لقد انتهى زمن البعثات الشرقية والغربية، ولا يمكن لشخص أو هيئة أو مؤسسة مهما كانت صفتها أن تملي على المغاربة ما يفعلون، وأن تحدد لهم ما يجوز و ما لا يجوز، خاصة وأننا عانينا بل لا نزال نعاني نتائج فتح الأبواب لهذه التيارات، لتنشر اختياراتها الدينية المتشددة، ولتؤطر جيلا بكامله على ذلك الشكل من التدين، وقد كانت النتيجة تطرف وإرهاب وتوترات مجتمعية، لم يكن يعرفها المغرب قبل الغزو السلفي المدعم بالمال والمصالح المشتركة.”
الدين واحد لكن التدين أنواع
وبالرجوع إلى مدى الإجماع على صحة العرض الفني من عدمه يقول رفيقي :” إنه لابد من القطع المطلق مع سياسة تدخل المشارقة في ما يختاره المغاربة لدينهم، كما لا يتدخل المغاربة في تدين الآخرين المنسجم مع طبيعة المنطقة وخصائص أهلها، ولا بد من الوعي بأنه إن كان الدين واحدا فإن التدين أنواع، حسب الخصائص التاريخية لكل بلد وطبيعته الجغرافية والاجتماعية”، يقول الباحث.
ويسترسل “كما ينبغي الوعي بأن حملات التهييج التي يمارسها البعض احتجاجا على لوحة جمالية بديعة من الخطر بمكان، فاللعب على عواطف الناس تجاه معتقداتهم، وتجييشها لصالح موقف معين، من شأنه زرع بذور الفتنة والتطرف، وإن كنت أستغرب جدا أن بعض من وظفوا هذه الشعبوية لحشد الناس تجاه مخالف لهم، هم أنفسهم من يسمون اليوم من يعارضهم او ينتقد مسلكهم بالذباب… ولله في خلقه شؤون.” ينهي الباحث كلامه.
رضوان الكندوزي