قال (عميْر): فقال (مالِك بْن يخامر): قال (معاذ): وهُم بالشَّأْم؛ فقال (معاوية): هذا (مالِك) يزعم أنه سمع (معَاذًا) يقول: وهُم بالشّأْم؛ اُنظرْ (صحيح البخاري)، حديث رقم: (3641)؛ الجزء الثاني.. قد يستغرب المرء عندما يسمع اسم (الشّام) قد شبِّه بأرض (الشّأْم)، حتى لأنّ (معاوية) استغرب لهذه التسمية؛ والشّام وصفها النبيُّ الكريم بأنّها أرض خيرات، وزرع، ومياه، وأوصى المسلمين بالانتشار فيها، وإعمارها، فهي أرضٌ كانت مباركة بلا شكّ؛ ولكنْ للأسف الشديد، تحوّلتْ إلى أرض فتنة، وخلاف، واختلاف، بيْن المسلمين، ومن ثمّة إلى يومنا هذا، وهذه الأرضُ تجري وديانُها دماءً، ودموعًا بواسطة سيوف المسلمين أنفسهم، حيث انطلقتْ منها الفتـنُ، ثمّ تلتْها الحروبُ الصّليبية، ثم انتصبتْ فيها الصهيونية، وما تزال الدماءُ تجري في أرض (الشّأْم) إلى يومنا هذا، وإلى ما شاء لله تعالى..
قد يسألني القارئ الكريم: [وهلْ قُتِلَ صحابةٌ كثُر في بلاد (الشّأْم)؟]؛ الجواب: نعم! ونكتفي ههُنا لضيق الرقعة باسم واحد بارز، وهو (حجْر بن عَدِي) الذي قُطِعَتْ رأسُه هو وابنُه الصغير، ودُفِنا في قبر واحد؛ وسنة (2016) تمّ نبْشُ هذا القبر الكريم، فلم يوجدْ فيه شيء؛ وماذا عساك تجد في قبر مرّت عليه (15) قرنًا؛ ولماذا نَبْشُ هذا القبر لو لم يكنِ التاريخُ أمامَنا لا خلْفنا كما يقول (هايد جير)؟ فأرض (الشّأْم) أرض المآسي، والسّنون حالِكة السّواد، وما تزال تغري كلّ من يتوق إلى الفتن، والحروب، والدّسائس، والخيانة.. فالربيع العربي الذي أعِدَّتْ فصولُه من طرف منظّمات الهدم، وتمّتْ كتابةُ سيناريوهاته من طرف (أحبّاء صهيون) بمعية (أحبَّة الصّليب)، كان هدفُه في الأخير (أرض الشّام) لأنها أصْلَح، وتستجيب لمثل هذه المخطّطات، وها أنتَ ترى اليوم أنّ الحرب في (سوريا) هي التي تعرف مشاركةً مكثّفةً ومتنوعةً لتدمير (أرض الشّام)، وهو عدد لا تعرفه جهاتٌ أخرى امتدّتْ إليها فؤُوسُ الخراب والدّمار..
(أرضُ الشّام) موجودة على رأس كل المخطّطات الصّليبية والصهيونية، نكتفي منها بما جاء في المصدر الموثوق الذي تمثّله مجلّةُ (كيفونيم)، فبراير (1982)؛ صفحات: (49 إلى 59)، وقد ورد النّصُّ بالعربية، وتُرْجِم إلى الفرنسية من كتاب: [فلسطين، أرض الرّسالات السّماوية]، يقول النص: [… إنّ الهياكل العِرقية في سوريا تجعلها سهلة التفكّك الذي قد يؤدّي إلى إنشاء دولة شيعية على طول الساحل؛ ودولة سُنّية في منطقة (حلب)، وأخرى في (دمشق)؛ وكيان (دُرْزي) قد يَرْغَب في تشكيل دولته الخاصة به، وربّما فوق هضبة (الجولان)، وعلى أيّ حال مع (حُوران) وشمال (الأردن)؛ ومثْل هذه الدولة الممزّقة إلى كيانات، ستُصْبح على المدى الطويل، ضمانًا للأمن والسلام في المنطقة، وخاصّة سلامَ (إسرائيل)؛ وهو هدفٌ في متناول أيدينا]. لهذا الغرض، تمّ إنشاء (داعش)، و(النصرة) باسم الإسلام، وهما لا علاقة لهما بالإسلام، بل هما قوّتان تمثّلان (فرسان الهيكل)، و(سوريا الديموقراطية) تمثّل المسيحيةَ الصّهيونيةَ بدعم من (أمريكا)، ويقوم إعلامُ التّضليل بالتّمويه على هذه الحقائق لتغليط المسلمين.. لكنْ لماذا يتمّ اختيارُ (سوريا) دائمًا كمسرح لهذه الحروب؟ ما هو السر، وما الذي يشجّع على هذه الفتن، والحروب في هذه الرقعة من العالم العربي؟ فالقطْرُ (السوري) هو الأخطر على (إسرائيل)، وقد ألْقتْ عليه (إسرائيلُ) من القنابل سنة (1967) أكثر ممّا ألقتْه على دول عربية في كافة الحروب مجتمعة؛ هذا ما صرّح به قائدٌ عسكري صهيوني يُدْعى (عوزي ناركيس)، و(سوريا) بتعقيداتها الديموغرافية، وتناقُضاتِها المذهبية، واختلافات سكّانها العقائدية، يمْكن لهذا الواقع السّوري الداخلي أن يوظّف لتفكيك هذه الدولة من الداخل بمخطّطات مدروسة..
بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، بدأت (سوريا) الكبرى في التفتُّت، والاندثار، حيث تولّت (بريطانيا) أمْرَ الانتداب على (فلسطين)، ومن ثمّة فصلتْ عن (سوريا) الإقليم الجنوبي لها؛ أمّا (فرنسا) فقد وضعتْ يدَها على غربَيْ (سوريا) وضمتْه إلى الجزء المسيحي من (بيروت) الشمالية، حتى تتمكّن من تأسيس دولة (لبنان)، وبذلك فقدتْ (سوريا) بوّابتَها الغربية وأهمّ منافذها المطلّة على البحر.. وفي عام (1921) تولّتْ (فرنسا) الإشرافَ على المرحلة الثانية من مراحل تقليص (سوريا)؛ وذلك من خلال تسليم (الإسكندرية) إلى (لبنان)؛ وفي تلك الأثناء، كان السّوريون يشعرون بالعجز إزاء هذه السياسات الاستعمارية.. والواقع أنّ هذه التقسيمات، أدّتْ إلى إثارة الخلافات بيْن العشائر، والقبائل، فضلاً عن الفوضى العارمة التي عمّتْ أرجاءَ (سوريا) الممزّقة، وذات الاقتصاد المنهار.. والشاهد أنّ دولة (سوريا) الموجودة حاليًا على الخريطة السياسية والجغرافية تكوّنتْ من مجتمعات متصارعة، ومتناحرة، كان الاستعمار الفرنسي هو الأصل فيها، حيث تجد أنّ أبناء المدينة يناصبون أبناءَ الريف العداء، كما أنّ الدّيانات أوْعية منفصلة عن بعضها البعض؛ والقبائل والعشائر صراعاتُها معًا لا تنتهي، بينما الولاءُ شديدُ الصّلة بالموقع، والعقيدة، وصلة الدّعم، وهو ما يعني أنّ (سوريا) تعيش دائمًا على فوهة بُركان، ولكنْ ما هي هذه التركيبةُ المعقّدة؟.