ترى بعض الأحزاب الآن فوزها في الانتخابات القادمة، لا لكونها حققت للشعب ما وعدته به من تحسين لظروف عيشه، وحرصها على حقوقه من قوت، وشغل، وصحة، وتعليم، وتوظيف، وتقاعد يحفظ الكرامة، ويجنّب المواطن مدّ يديه للتسول في الشوارع؛ كلا! لا هذا ولا ذاك؛ وإنّما هي تستند في توقعاتها إلى غباء الشعب، وغفلته، وكيف لا، وقد فازت بولاية ثانية، رغم كذبها عليه في الأولى، حيث أخذت منه قوته، وأضافته إلى بطون (القطط السمان) من اقتطاعات، ومن تقاعد، ومن رفع للأسعار، وإلهاب لأثمان المحروقات، إذ المحروقات أحرقت شعبًا بأسره، وأثمانها هي الأكثر ارتفاعا في العالم بأسره، تماما كما هي الضرائب التي يؤدّيها المواطن المغربي المقهور وتُعْفى منها مافيات تعيش على نهش لحوم المغاربة في مجازر سمَّوها (المؤسّسات)، فيما هي مجرّد كنائس ظالمة مثل التي عرفتها القرون الوسطى فكان الرهبانُ يقولون للمواطن المسيحي: [من أراد الملكوت، فخبزُ الشعير والنوم في المزابل مع الكلاب كثيرٌ عليه.]، فكانوا يحذّرونه من النظر لِـما في أيدي ذوي الامتياز، فذاك كفر واعتراضٌ على القِسْمة الإلاهية.. ونحن في المغرب لا ترانا نعترض على امتيازات الوزراء، والنواب، وأصحاب المناصب العليا في البلاد؛ ولا ترانا نتخذ موقفًا من تقاعد النواب، وتقاعُد (بنكيران)، لأن الاعتراضَ كفرٌ بالديموقراطية التي جادت عليهم بجنّة النّعيم، دانية عليهم قُطوفُها، ودللت تدليلا؛ وأما النوم في المزابل، فآلاف المغاربة يتقاسمونها مع الكلاب في (فرنسا) بعد فرارهم من (جحيم الأرض) وصدق الفيلسوف الوجودي [جان بول سارتر] حين قال: [الجحيمُ هي الغَيْر]، وحين عَنْونَ روايتَه الشهيرة بـ: [موتى بلا قبور]؛ وها أنت ترى ما يصنعونه بنا، ونحن كأنّنا (موتى بلا قبور)؛ لكنْ إلى متى؟!
سكان المغرب وشعب المغرب، هو شعب مؤمن لا شك في ذلك، والإيمان الصادق يتطلب مواقف صارمة وواضحة، ومن أهمّ بنود هذا الإيمان، هو أن المؤمن لا يُلْدغ من جحرٍ مرتين كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.. المؤمن الصادق يعرف أن المؤمن لا يكذب، لأن الكذب هو أفظع وأفدح من الزنا، ومن شرب الخمر.. المؤمن يعرف أن الله قد جعل من المبذرين إخوان الشياطين.. المؤمن يعرف أن المؤمن يفي بالعقود، ولا يتنكر للوعود.. والمؤمن يعرف أن المؤمن لا ينافق أو يداهن، ولا يغيّر موقفه مقابل (09) ملايين كتقاعد، فيما الكادح قضى في العمل (40) في القرّ والحرّ، والآن، خصموا الثلث من تعويضات تقاعده، ونحن نعرف أن الفتنة الكبرى كان سبَبُها المسّ بقوت الضعفاء من المسلمين.. نحن نعرف موقف (بنكيران) من الملك الذي لا يحتاج إلى رضاه؛ ونعرف أنه كان يقول بالدولة العميقة، ونعرف أنه كان على وشك أن ينسف العلاقات الطيبة مع (روسيا) بمساندته لـ"النُّصرة" وانتقاداته لروسيا.. ونحن نعرف موقف حزبه من الملكية، وأنها الأصل في تخلّف المغرب.. ونحن نعرف أن وزيرًا صرّح بأن المغرب بحاجة إلى ملكية برلمانية، تمامًا كما كان الاشتراكيون ينادون بذلك في الملإ.. ونحن نعرف أخطاء (العثماني) في (الأمم المتحدة)، ونعرف تحريضه ضدّ منظومة القضاء في بلادنا، ونحن نعرف فضائح (البيجدي) المخلّة بالحياء؛ ونحن نعرف تعاسة المغاربة بسبب سياسته، ونحن نعرف استخدامه للدين تماما كما كان يستخدمه (عبد الله بن أُبي بن سلول) أمير المنافقين؛ ونحن نعرف أن الشعب في عُرْفِهم هو مجرّد (قطيع) لا يمكن تجميعُه إلا بأكاذيب دينية.. أبعْد كل هذا، سيصوت المغربيُّ المؤمنُ على مرشّحي (البيجيدي) مرّة أخرى، ضاربًا عرض الحائط بوصية رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ومتناسيًا مبادئ الإسلام وتعاليمه بخصوص الكذب، والنفاق، والطمع، وكلها أمورٌ فضح بها الله هؤلاء القوم الكذبة؟!
لـما حكم على [سقراط] بتناول السّم، قيل له: [اعتذر عمّا كنت تقول للشعب، ولا تشرب السّم!] فقال [سقراط] [لو لمْ أتجرَّع السُّم، واعتذرت، فمعناه أنّي كنتُ أكذب على الناس في جِدالاتي؛ فخير لي أن أموتَ مسمومًا صادقًا من أن أعيش مذمومًا كذّابًا].. وهذا الفيلسوف [إسبينوزا] كان فقيرًا جدّا، فمتعته السلطة بتعويضات شهرية سمينة لمكانته وشهرته، لكنه رفضها؛ فجاءه ثري بدوابّ محمّلة بثروة كبيرة لإخراجه من فقره؛ لكنه شكره، ورفضها كلية، فكانت مواقفه تطابق فلسفته، تمامًا كما قبِلَ [بنكيران] (09) ملايين كتقاعد، فكان موقفه منها يوافق سياسته الكاذبة والمنافقة.. في كتابه [كيف تكسِب الأصدقاء، وتستحوذ على الناس] يقول (ديلكاريجي): [أنا أحب السمك، ولكن عندما أريد أن أصطاد الأسماك، فإني أستخدم الديدان، لا لكوني أحبّ الديدان، ولكن لأن ذلك ما تحبّه السمكة].. فحزب (البيجدي) ينشئ [أكواريومات] لتربية الأسماك التي ستسقط يوم الانتخابات في سلته، ويستخدم (الديدان) وهي قفة رمضان، وأيام الصدقات، إلى جانب (ديدان) الكذب، والنفاق، حتى إذا ظفر، بكلّ ما وعد به كفر، وإني لأرثي لحال هذه (الأسماك) البليدة التي ما زالت تتذوق (ديدان) [البيجدي] وصياديه في الحومات، والمداشر، فتسقط في سلاّته في المعازل.. يقول [سارتر]: [إن المعزل المنصوب في قاعة دراسية أو في المختارية (la mairie) لهو رمز كل الخيانات التي من الممكن أن يقترفها فرد تجاه الجماعات التي ينتسب إليها].. أليس هذا بالضبط ما يجسّده (البيجدي) ومعه الأسماك التي تسقط في معزله؟