المغرب كله مقتنع بها ويرددها، لكن من لا يريدون حلا حقيقيا لا يريدون الاستماع أو الإنصات. الكل متفق على أن التصعيد لن يخدم مصلحة التعليم في المغرب في حكاية المتعاقدين مع قطاع التعليم. والكل مقتنع أو على الأقل كل عقلاء البلد مقتعون أن الحوار والوصول إلى توافق حول الحكاية هو الحل.
الكل باستثناء الجهة أو الجهات التي وجدت في الملف مرة أخرى أداة ركوب ومزايدة، وفهمت أنها يمكن أن تجني من التصعيد المستمر فيه بعض المكاسب السياسوية الزائلة التي قد ترد بها على ماوقع لها في الآونة الأخيرة
هاته الجهات موجودة دائما، ودورها هو هذا بالتحديد. لذلك لا ينبغي أن نستغرب كل مرة لعبها، بقدر مايجب أن نضع مصلحة الأساتذة ومصلحة التلاميذ وهم الأهم في هاته الحكاية في مقدمة انشغالاتنا.
يجب أيضا ألا ننساق وراء الحماس المبالغ فيه الصادر عن بعض الأساتذة المتعاقدين الذين شرعوا في سب كل من يخالفهم الرأي في هاته القضية، وشرعوا في توزيع صكوك الغفران والوطنية والنضال، بل ووصل بعضهم في حمقه حد تشبيه مايقع بقصف غزة الأخير، علما أن القضية كلها ترتبط بتصور معين للوظيفة أو التوظيف أو العمل بالعقدة الشخصية، وهي حكاية مهمة لكل واحد وواحدة من هؤلاء الأساتذة المتعاقدين، لكنها ليست قطعا وإطلاقا طريقة لكشف المناضلين الفعليين من الخونة والمأجورين والذين باعوا "الماتش" وبقية التفاهات التي يلجأ إليها من يعدم حجة ولا يجد طريقة أقوى وأكثر عقلا للدفاع عن مواقفه
السب لن يحل هذا المشكل. التصعيد لن يحله أيضا. هذا المشكل مرتبط بتصور حكومي معين للتعليم تركه سابقون للاحقين، اعتمد فيه البعض في البداية منطق الترضية الانتخابوية ولم يضع في ذهنه إطلاقا تطورات الوضع ولا كيفية التعامل مع هذا الملف في الأيام التي ستلي التوظيف الانتخابوي المباشر.
وهذا البعض الذي ارتكب هذا المف وتركه عالقا هو الذي يتفرج الآن ويعطي الدروس والحكم والنصائح للجميع، ويستثني نفسه من سلسلة الوعظ والإرشاد هاته لأنه يعتبر أنه محصن من الأخطاء وأنه ملاك قام بكل الأشياء الجيدة، وعندما تم الاستغناء عنه بدت عورة الناس للجميع، وظهرت الأشياء السلبية فجأة ودون سابق إنذار
هذا الملف المسمى التعليم، هو ملف ليس شائكا فقط. هو الملف الأكثر مقاومة لأي إصلاح منذ السنوات الأولى للاستقلال، لأنه يرتبط بمصالح عديدة، ويهم كل الشعب ويعني الكثير في كل المجالات، والسير فوقه أخطر بكثير من السير فوق حقل ملغم، لذلك استمرت عملية تأجيل كل شيء فيه بفعل الإضرابات، وبفعل اللعب الانتخابوي، وبفعل المزايدات وبفعل الخوف على المصالح، وبفعل الرغبة في ترك الجمل الشهير "باركا" ، منذ الحكومات الأولى، وهانحن اليوم نواصل نفس المسار ونريد له نفس المصير
الكارثة هي أن كل شخص تتحدث إليه في المغرب اليوم ينعي لك التعليم، يرثي حال المنتسبين إليه، ينتقد مستوى المكونين والمكونين، وضع لك الفتحة والجر تحت ماشئت من الحروف إذا كنت قادرا وسبق لك أن درست قليلا من فنون النحو والإعراب، لكن الإجماع حاصل ومتحقق أن ضربة قاتلة حقيقية عاجلت مدرستنا العمومية وجعلتها تصدر إلى المجتمع كثيرا من المتخرجين غير القابلين للتخرج، المحتاجين لمزيد من الدراسة لكي يحملوا الوصف عن حق فعلا.
وهذا الكلام إذ نقوله، فلانفعل ذلك من باب انتقاص أو ترفع غير مقبول منا ولا شرعية لنا للقيام به، لكن نفعله من باب "السماء فوقنا" و"هاد الشي اللي عطا الله والسوق"، مع الاعتراف الضروري بوجود فلتات حقيقية في البادية المغربية وفي المدن لأساتذة من الجيل الجديد ومعلمين من وقت الناس هذا يقدمون نموذجا مشرفا، ويحاولون أن يعززوا ماتلقوه في بداية العمر بكثير قراءة وتعلم وتكوين لكي يوصلوا إلى الجيل الذي يدرسونه معارف حقيقية مبنية على تصور بيداغوجي ملائم ومفيد وقادر على صنع شيء بالعقول الصغيرة غير الحفظ والاستظهار الخاليين من أي فهم أو نقد أو تعلم فعلي
الحكاية لاتقف هنا وإلا ستكون "حكرة" فقط على الشباب والأقل شبابا ممن اختاروا - أو فرضت عليهم الحياة - هاته المهنة، علما أنها مهنة مثل الصحافة لا تحب أن تفرض نفسها على أحد بل تقدم نفسها لن أتاها طالبا راغبا لا العكس، وهذا موضوع آخر. الحكاية تبتدئ من التدبير السياسي للملف ككل، ونقولها بكل الصراحة المكنة، ودون رغبة لا في نيل أصوات ولا في شعبوية فارغة:الأساتذة المتعاقدون ومشكلتهم مجرد نتاج للتدبير السيء للغاية للتعليم، وهو تدبير أنتج كل الكوارث المرتبطة بالقطاع اليوم، والتي جعلت جزءا كبيرا من الشعب المغربي - وهو ليس بالضرورة جزءا غنيا ولا ميسور الحال -يلجأ للتعليم الخاص وللمدارس والبعثات الأجنبية لكي ينقذ مايمكنه إنقاذه من مستوى أبنائه ومساراتهم الدراسية
هذا الاستفتاء اليومي الذي نراه في أبواب هاته المدارس الخاصة وأبواب مدارس البعثات الأجنبية وحده من شأنه أن يقول لنا إن الصراخ والعويل والكثير من شعارات التخوين وتبادل الاتهامات لن تصلح حال المدرسة العمومية أبدا، ولن تحل لا مشكل المتعاقدين ولا مشكل المتقاعدين، ولا مشكل من يوجدون بين سندان هؤلاء ومطرقة الآخرين، ينتظرون وهم يفتحون الأفواه دهشة وخوفا ورعبا من المستقبل ماستجود به الأيام من تطورات..
وحده العقل السليم سيحل هذا الإشكال التعليمي المغربي. ترانا نعثر على طريقة ما لتشغيل عقولنا في الاتجاه السليم؟ أم ترانا كالعادة سنختار كثير الصراخ ثم تأجيل اللملف إلى حين ميسرة؟؟؟
المختار لغزيوي