إن العنف والقهر الذي يتعرض له الإنسان في المجتمعات المتخلفة، يولد لديه نوعاً من الخيبة والانكسار والعجز من تغير الواقع المرير الذي يتعرض له. وإحساس النقص بالضعف أمام زملائه ومع الزمن تبرز آثارها النفسية المدمرة على كينونة الإنسان وعبر أشكال متعددة من الحقد والعدوانية ضد الآخرين. الإنسان الذي تعرض لحالة القهر والعنف لمدة طويلة، تجده مستفزاً بشكل دائم ويتصرف بعدوانية تختلف وتيرتها، باختلاف آثار العنف والقهر الناخرة لذاته. فالعدوانية هي تعبير عن الحقد الكامن في الذات المقهورة لأمد طويل، وما لم يتم طرحها إلى خارج الذات عبر افتعال (المعارك والشجارات ) في محيطه العائلي والمجتمعي ستلحق الأذى الكبير بالكينونة ذاتها.
الهزيمة النفسية psychological defeat
الإسقاط: آلية نفسية شائعة يغزو الشخص بواسطتها أو عن طريقها الآخرين فهي أحاسيس، وعواطف، ومشاعر يكون قد كبتها بداخله، ونلاحظ أن هناك العديد من الأمثلة في حياتنا اليومية، ونعايشها وندرك من خلالها سلوك الآخرين.
مثال: الرجل الذي يخون زوجته كثيرًا ما يتهم زوجته بالخيانة، ويشك فيها كثيرًا، أو الزوجة الخائنة التي دأبت على كبت ميولها إلى اقتراف الزنا تصبح على درجة مبالغ فيها من الغيرة بحيث تتهم زوجها بالخيانة، ويمكن أن تحدث أوهام الاضطهاد من خلال الشعور بالذنب الذي يحمل الشخص على تخيل الآخرين، وكأنهم يتكلمون عنه، ويلقون بالاتهامات عليه.
يقول علماء النفس: إن المصاب يحرص دائمًا على لوم الآخرين على ما فشل هو فيه بسبب ما يضعونه أمامه من عقبات، وما يوقعونه فيه من زلات أو أخطاء، ويحاسبهم على ما حققوه من مكتسبات في حياتهم عجز هو عنها، ويحرص على تصوير نفسه في دور الضحية الذي يجلده الآخرون بلا رحمة.
تتطور الحالة إلى البرانويا
يقول المصاب: أنا أكره شخصًا ما، لكن أدعي أنه يكرهني هنا أريد أن أخفف من إثمي، ومشاعر الحقد تجاه ذلك الشخص، ففي المرض العقلي يسقط المريض رغباته ومخاوفه على العالم الخارجي، وربما يعتقد المريض أن زوجته تريد قتله لكي تسيطر على ثروته وترثه، وربما يعتقد أيضًا أن جميع الناس ضده، ويريدون أن ينالوا منه، وربما المرأة تفكر في قتل زوجها.
في حال كان المريض في موضع من مواضع القوة أو السيطرة تتطور الحالة إلى جنون العظمة Megalomania.
يقول المصاب: أنا الأفضل، وأستطيع أن أفعل ما لا يستطيع أن يفعله غيري، دائمًا تغلب عليه حالة من الشعور بالتميز والأفضلية في كل شيء، يقدم الأنا على كل الاعتبارات والأشخاص مهما بلغت درجة قربهم منه، ربما يستبد على أبنائه وأقرانه، ولو كان موظفًا في منصب سيادي استبد على موظفيه، وحرص على التنكيل بهم، ولو كان حاكمًا استبد على رعيته ونكل بها وسلبها أملاكها، حيث يرى نفسه أحق بكل شيء.
دائمًا يورط نفسه فيما يفوق مقدرته سواء الفكرية أو المادية أو تلك التي تعتمد على القوة، دائمًا يسيئ استخدام سلطاته، عادةً يستخدم ذكاءه في الشر، ولا تخلو أفكاره من التآمر على غيره، ويستخدم أي أسلوب أو طريقة مهما بلغ من سوء وقبح ظنًا منه أنه يبلغه مآربه، فإن لم يبلغ مآربه أو التقى بمن يواجهه أصابه حالة من القلق والانهيار الداخلي، وأكن كرهًا وحقدًا شديدًا على من يصده، ومن داخله هو على أهبة الاستعداد لإيذاءه أو قتله إن سنحت له الفرصة.
برغم حالة العظمة التي تتملكه طوال الوقت، إلا أن الجبن والخوف يسيطران عليه، رغم ما يعتقده في نفسه، ورغم ما يحاول أن يصدره لمن حوله من قدرة أو قوة، في الأصل هو ضعيف هش مهترئ من الداخل لا يستطيع أن يجد لنفسه مستقبلًا مشرقًا أو مكانة مرموقة أو علما يعرف به، فيحاول إقناع نفسه وغيره بالعكس، إلا أن مشاعر حب الغير تنعدم بداخله كلما باء بفشلٍ جديد، وعدوه اللدود الذي يواجهه بفشله أو بأخطائه أو حقق ما عجز هو عن تحقيقه.
هذه النظريات النفسية هي أمر واقع وتزداد الأمراض النفسية في المجتمعات كلما ازداد الاستبداد العائلي والمجتمعي وكلما كانت المجتمعات منغلقة كلما ازداد فشلها في كافة المجالات، وأرى أننا لن نخرج بمجتمع متحضر، إلا بعلاجه نفسيًا، وإخراجه من هذه الأمراض، لماذا لا يتم استحداث وزارة مختصة بالعلاج النفسي عوض بويا عمر أو الأضرحة.
نظرية فرويد من مدرسة التحليل النفسي, وعن أهم مفهوم وهو الوعي واللاوعي...
ولكي أختصر فإن فرويد قسم العقل لواع ولاواع, حيث أن الوعي هو ما تدركه وتفعله بإدراكك التام في حين أن اللاوعي يحركك في الخفاء دون أن تدري, قد تشعر بالرغبة في النوم كلما فتحت كتابا لتراجع للامتحان أو أن تشعر بالتوعك كلما أردت السفر لمكان لا ترغب فيه.
إلا أن مهمة اللاوعي لا تقتصر فقط على حمايتك من الأفعال والأنشطة المزعجة بل حتى الأفكار المزعجة.
الهو والأنا الأعلى والأنا, وقلنا أن الهو لاواع في حين أن لكل من الأنا والأنا الأعلى جزءً واعيا وآخر لاواعيا, والآن سنتحدث عن القسم اللاواعي لهذا الأنا.
الأنا يعمل أحيانا على الدفاع عن نفسه بطريقة لاواعية, وقد عدد فرويد ميكانيزمات الدفاع النفسي وأتى بعده من أضاف ميكانيزمات أخرى, لكنني هنا سأقتصر فقط على سبعة آليات لأنها كثيرة جدا... بشكل عام فإنه بناء على هذه السبعة ستتمكن من اكتشاف بقية الآليات بمفردك لأنك ستفهم المبدأ.
1 التبرير:
التبرير أو بترجمة أدق العقلنة, وهي ميكانيزم من ميكانيزمات الدفاع النفسي التي ينهجها الشخص لتبرير فعل غير لائق أو فشل, ولعلك تعرف القصة الخرافية للثعلب الذي لم يتمكن من الوصول للعنب أعلى الشجرة فقال عنه أنه حامض كي يشعر بالارتياح.
أمثلة التبرير كثيرة, كأن يرسب الطالب في الامتحان فيبرر رسوبه بأن الأستاذ ظلمه وأن الوقت لم يسعفه ويبدأ بإلقاء اللائمة على الظروف الغير موالمة...هو إذن يبرر لنفسه كي لا يشعر بالذنب أو أن ما حدث له أمر سيء.
مثال آخر لرجل تتزوج حبيبته فيقول بأنها كانت فتاة سيئة وأن زواجها أمر جيد بالنسبة له, كي لا يشعر بالحزن والضيق.
2 الإسقاط:
هو أن يحمل الشخص أفكارا أو مشاعر يعتبرها في قرارته خاطئة فلكي يحمي نفسه يقوم بإسقاطها على الآخرين, ولعلك سمعت بالمثل القائل "ودّت البغي لو أن كل نساء العالم بغايا", فالمرأة ذات الأخلاق السيئة قد تتهم كل امرأة تقابلها بأنها تدّعي العفة وبأنها تمارس الرذيلة في الخفاء, أو كرجل يخون زوجته فيتسرب إلى نفسه الشك في سلوك زوجته ويبدأ التحرى في كل صغيرة وكبيرة على غير عادته, هو إذن أسقط فعله الذي يعتبره لاأخلاقيا عليها.
3 التسامي:
أي أن يحول الشخص الأفكار السيئة والمشاعر الغير مرغوب فيها كالعنف أو الخوف أو الحزن أو الرغبة في القتل إلى أفعال تلقى قبولا لدى المجتمع كأن يتحول الشخص العنيف لملاكم أو أن يتحول صاحب نزوات القتل لقناص, أو أن يلجأ المكتئب للكتابة أو الرسم فيعبر عن مخاوفه وحزنه على الورق.
إذن التسامي هو آلية دفاعية قد تدفع المرء لاستبدال السلبي بالايجابي ليلقى القبول.
4 رد الفعل:
هي آلية دفاع نفسية يلجأ لها الشخص الذي يعاني من تهديد نفسي حقيقي بسبب فكرة أو رغبة تخالف معتقداته, فمثلا الشخص الذي يحب النساء بشدة ولكنه غير قادر على الزواج وقيمه ومبادؤه لا تسمح له بارتكاب الفاحشة فإنه قد يطور كرها حادا اتجاه النساء, فكثيرا ما تقابل شابا يعيب النساء ويحتقرهن ويدعي أنه عازف عن الزواج بإرادته وينصح الجميع بالعزوف عن الزواج مثله, وما إن يحصل على وظيفة وتتيسر أموره يهرع ليتزوج أول امرأة يقابلها في طريقه...أليس كذلك؟؟ هذا ما حدث مع أحد أصدقائي _ أذكر اسمك يا صديقي من أجل العلم معليش؟ وفي واقع الأمر فإن الأطفال الذين يقتربون من سن البلوغ قد يشعرون بالكره والتقزز من الجنس الآخر كآلية دفاع رد الفعل, بسبب تجربتهم لمشاعر لم يخبروها من قبل ألا وهي الانجذاب الجنسي.... الأمثلة متعددة.
5 الإزاحة:
هي آلية دفاعية يقوم فيها الشخص بإزاحة ما يزعجه وبدل صبه على مصدر الازعاج يستبدله بشخص أو شيء آخر, كمثال الموظف بالإدارة الذي يدخل عليه مديره يهينه في مكتبه دون أن تكون له المقدرة على الرد فيلجأ هذا الموظف لإهانة المواطنين بمكتبه, أو ذلك الشخص الذي قد يغلق على نفسه الباب ويبدأ بركل الوسائد والخزانات لأنه لا يستطيع ركل من يتنمر عليه بالمدرسة..أحيانا تتمثل الإزاحة في الأحلام أيضا, فقد يحلم الشخص بأنه يمزق حاجيات أخيه الذي يزعجه.
6 الإنكار:
أظن أن الآلية مفهومة من اسمها, فهي حيلة نفسية يلجأ إليها الشخص الذي لا يريد أن يعترف بوجود مشكل ما في حياته, فهو قد يعاني من الإدمان وينكر أنه مدمن بل ويقنع نفسه على أنه قادر على الإقلاع عن ما يتعاطاه متى شاء, وهذه آلية دفاعية موجودة بكثرة لدى المدمنين, أيضا المرأة التي تتعرض للتعنيف من طرف زوجها قد تنكر أنها تعيش حياة تعيسة وتقنع نفسها أن كل شيء على ما يرام.
آلية الإنكار آلية جد خطيرة فهي تحول دون القدرة على إقناع الشخص بإصلاح الخلل الذي يعاني منه.
طبعا لا يكون الإنكار دائما مرتبطا بمشاكل كبرى فأحيانا يتمثل الإنكار في أمور يومية بسيطة.
7 النكوص:
أو التقهقر, آلية دفاعية تتمثل في أن يعود الشخص القهقري لمرحلة سابقة من مراحله العمرية للشعور بالارتياح, وقد يلجأ إليها من تعرض لصدمة نفسية أو توتر شديد, فترى الشخص بدأ يتصرف تصرفا طفوليا كان يتصرفه بالماضي كأن يمتص إبهامه أو يلعب بالدمى أو أن يرتدي ملابس لا تناسب سنه ويتصرف تصرفات طفولية.
حسب فرويد فإن لجوء الشخص لآلية النكوص يبث في نفسه الشعور بالطمأنينة والأمان, وقد يأخذ النكوص شكلا متطرفا ينذر بمشكلة نفسية تحتاج للتدخل..
حسن الآن وقد أدركت بعضا من آليات الدفاع النفسي أظن أن الصورة اتضحت في ذهنك.
وكالعادة لابد من الإشارة إلى أنه ليس كل سلوك يسلكه الشخص قد يفسر على أنه آلية دفاعية فقد يعتقد الشخص فعلا أن الجميع من حوله سيء دون أن يكون هو ذاته سيئا, أو أن يشك الرجل في سلوك زوجته دون أن يكون هو ذاته خائنا, إذ أن الحكم على ما إذا كان الشخص يلجأ لآلية الدفاع مرتبط بالشخص ذاته ولاوعيه والذي أحيانا يصعب الوصول إليه, فالشخص ذاته غير واع بأنه قد لجأ لآلية من آليات الدفاع النفسي...هذا كي لا تحكم على الآخرين بأنهم يلجؤون لآليات الدفاع النفسي.
أن هناك في كل الحالات تقريباً جهداً لطرد العدوانية إلى خارج الذات بغرض نفيها والتعامي عنها وعدم بقاءها في الذات. فاكتشاف الحقد الكامن في الذات يسبب حالة من القلق، والبحث عن الشر عند الآخرين، كمحاولة لنفي الشر عن الذات".
وهناك مسببات عديدة لتراكم الحقد في الذات منها حالة العجز التي يصاب بها الإنسان المقهور، لعدم قدرته على تغيير واقعه. وكذلك حالة الفشل في خوض التنافس الاجتماعي، مما يسبب نوع الإحباط ويولد حالة من الحقد ضد الآخرين.
كما أن حالة الشعور الدائم بالدونية والنسب الوضيع والشكل القبيح والتحصيل العلمي المزيف وعقدة النقص.. كعوامل ذاتية، إضافة إلى العوامل القهرية الأخرى تؤدي إلى حالة من الشلل في القدرة على تحقيق الذات. وهذا يؤدي بدوره إلى حالة من الشعور بالذنب والتأنيب للضمير مما يمهد الطريق لظهور نوازع من الحقد الكامن في الذات ضد المجتمع باعتباره المسؤول المباشر عن حالة الفشل والإحباط والحط من قدرة الكينونة وفشلها في إيجاد دوراً لها في المجتمع.
إن تلك المواصفات السلبية حينما تنغرس في كينونة الإنسان المقهور، يصبح سهل الانقياد من قبل مجموعات الشر. ويتم توظيف عدوانيته في محاربة أصحاب النسب الرفيع والمرتبة الاجتماعية المرموقة والمستوى العلمي المشهود..لأجل تحقيق التوازن النفسي والإقناع الكاذب للذات بأنها لاتقل شأناً عن مستوى النخبة في المجتمع !.
ويعبر ( (يونج ) ) عن تلك الحالة من الشعور بالذنب قائلاً:" لايشعر المرء بالذنب أثر ارتكابه لفعل ممنوع فحسب، بل أيضاً عندما لايستطيع تحقيق ذاته وفرض شخصيته في المجتمع. وهذا الشعور بالذنب هو الذي يولد حالة من العدوانية غير المحدوة ضد الآخرين".
سكينة عشوبة طالبة وباحثة