لم تكن حركة 20 فبراير إلا صدى لحركات التغيير التي انطلقت من تونس لتنتقل إلى مصر و اليمن و ليبيا ... و لأن الظروف مختلفة جدا بين جمهوريات ديكتاتورية في أغلب البلدان العربية ، و الملكية الدستورية التعددية في المغرب ، فإن الكثير من الهيأت السياسية و النقابية و الجمعوية ، ساندت في البداية شعارات حركة 20 فبراير الإصلاحية (محاربة الفساد، تعديل الدستور، تشغيل الشباب، محاربة السكن العشوائي، محاسبة ناهبي المال العام) ...
و كان الخطاب الملكي ليوم 9 مارس الماضي أسمى استجابة لمطالب ممثلي الشعب في التغيير الايجابي،بل فاق كل التوقعات بإطلاقه لورش إصلاحي متكامل ، سواء على صعيد دسترة الجهوية أو على صعيد إعادة النظر في اغلب أبواب و فصول الدستورالحالي .
هكذا و مباشرة بعد الخطاب و تشكيل لجنة مراجعة الدستور ، انطلقت عدة أوراش متوازية على صعيد الدولة و المجتمع ، فتسابقت الهيأت السياسية و المدنية في إعداد تصوراتها الإصلاحية ، و أعلن جلالة الملك عن عدة مبادرات ( المجلس الوطني لحقوق الانسان، المجلس الاقتصادي و الاجتماعي ، مؤسسة الوسيط ، المندوبية الوزارية لحقوق الانسان ، توسيع صلاحيات هيأت المنافسة و محاربة الرشوة.. ) .
وكان إطلاق سراح مجموعة من المعتقلين السياسيين مبادرة ذات دلالة عميقة في سياق هذا المناخ الإصلاحي التاريخي .غير أن ما كان يبعث على الدهشة هو تحول حركة 20 فبراير تدريجيا إلى بوق للتوجهات العدمية للعدل و الإحسان و اليسار الجذري ،والسلفية الجهادية.... المعروفين دوما برفضهم لكل المبادرات لأنهم يريدون وبكل بساطة إسقاط النظام الملكي و لا يهمهم إصلاحه من الداخل .
إن الركوب على شباب حركة 20 فبراير تم بشكل تدريجي ، بواسطة شباب التيارات العدمية ( إسلاموية و يساراوية).الذين أصبحوا هم من يقود فعليا هذه الحركة ن و تبين في الأخير أن حركة 20 فبراير الإصلاحية أصبحت مجرد ذكرى ، و أصبحنا نتابع حركة 20 فبراير عدمية بتلاوين نهجية – عدلية، إن الذي يتابع وقفات و شعارات حركة 20 فبراير بعد الخطاب 9 مارس يلاحظ بوضوح التوجه العدمي الذي اتخذته لنفسها ، فهي رافضة لكل المقترحات و مستعجلة على حل كل المؤسسات ( برلمان ، حكومة ، مسؤولين عموميين ...). ورافضة لأي حوار، فجاء موقفها مطابقا و مستنسخا عن الذين قاطعوا لجنة الدستور، لهذا رفضت الحضور لجلسات الحوار وتقديم المقترحات ( إن كانت تتوفر أصلا على مقترحات ). لقد نجح العدميون في اختراق حركة 20 فبراير التي بدات مقلدة للحركات الشبابية العربية ، وانتهت بين أحضان العدميين ( ملتحين و غير ملتحين) ، فلاهي تقدمت بمشروع تتعبأ حوله القوى الديمقراطية و الوطنية ، ولاهي أنجزت في الشارع شيئا ملموسا ،باستثناء التظاهر المستمر الذي تحول إلى طقس كرنفالي يلتئم فيه الشباب في نهاية الأسبوع دون آن يعرف المجتمع ماذا يريدون باستثناء من ركبوا على الموجة ،وأصبح الصدام مع القوات العمومية هو هدفهم... أما قوى الشعب الحقيقية فقد انخرطت بحماس في ورش الإصلاح ، و فتحت حوارات متصلة مع المجتمع ، في أفق إخراج دستور توافقي يرضي الجميع.