تحدثت بعض وسائط الاتصال عن الاحتكاكات التي وقعت بين رجال الأمن والأساتذة المتعاقدين يوم السبت الماضي إثر المسيرة التي نظمتها “التنسيقية الوطنية للأساتذة المتعاقدين” بمدينة الرباط، تحت شعار “الإدماج أو البلوكاج”.
وبعيدا عن دوافع هذا الاحتكاك وما نتج عنه من مظاهر ومن تداول لأخبار أغلبها غير صحيحة وتدخل في إطار التشويش على الطرفين معا، يجب الإشارة إلى أن مهام الشرطة في مثل هذه المناسبات هي الحرص على ضمان حسن سير التجمعات والملتقيات والمسيرات التي يتم تنظيمها لأهداف مختلفة، وأن تنظيم كل الأنشطة النقابية والجمعوية والرياضية والسياسية عبر ربوع الكرة الأرضية لا يمكن ان يتم بدون حضور أمني في إطار تأمين مثل هذه المناسبات، وضمان سلامة المشاركين فيها من أي انزلاق أو اختلال أو تسرب أو تشويش أو خروج عن السياق الذي نظمت من أجله.
وبخصوص ما يحدث أحيانا من احتكاك قد ينتج عنه عنف متبادل أو من جانب واحد، فهذا لا يحدث في الغالب إلا إذا زاغت المسيرات والتظاهرات عن المسار المحدد لها، كما أن مثل هذه الأمور تحدث في كل الدول، مهما ادعت من تقدم في ضمان الحريات وتطبيق القوانين. وما حدث من احتكاك بمناسبة المسيرة الأخيرة للمتعاقدين لا يشكل ولو ربع ما حدث في فرنسا، في نفس اليوم، من عنف واعتقالات وتفتيش ومطاردات بمناسبة احتجاجات أصحاب السترات الصفراء في باريس.
ومهما يكن فإن كاتب هذه السطور لا يسعى بمثل هذه المقارنات إلى تبرير ما حدث من احتكاكات، مهما كانت شروطها وأسبابها، ما دام الأساتذة المتعاقدون خرجوا إلى الشارع للتعبير عن مطالب مشروعة، ومادامت عناصر الأمن تواجدت بعين المكان لأداء مهامها الأمنية، التي تتجلى خاصة في ضمان سلامة المحتجين، وحماية الأملاك العامة، ومصالح باقي المواطنين غير المشاركين في المسيرة. لكن السؤال المحوري الذي يجب طرحه في مثل هذه اللحظات هو: من تسبب في مثل هذه الاحتجاجات؟ ومن أمر رجال الأمن بمثل المواجهات والاحتكاكات؟ وكيف يتم اتخاذ قرارات من هذا الحجم؟..
أولا، وجبت الإشارة إن الحكومة هي المسؤول الأول عما يقع حاليا من تداعيات أمنية واجتماعية، وأن رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران هو من تعمد اتخاذ قرارات نتج عنها ما نتج من تداعيات على هيئة الأساتذة، وعلى المسار التعليمي للتلاميذ، وعلى زحزحة استقرار الشارع، وبنكيران نفسه خرج مؤخرا ليعلن مسؤوليته بالجهر، ويدعو الأساتذة للعودة إلى أقسامهم، كما أنه صرح أكثر من مرة أثناء تواجده على رأس الحكومة بأنه يسعى الى فصل التكوين عن التوظيف.
وعليه، فخروج الأساتذة المتعاقدين إلى الشارع، ووجودهم وجها لوجه أمام الجهاز الأمني، ما كان ليكون لو حرصت الحكومة الحالية بقيادة سعد الدين العثماني على إنجاح الحوار الاجتماعي، في الجانب الخاص بالاساتذة المتعاقدين، الذي يسبب الأضرار لأبنائنا في المدارس العمومية، ولأساتذتهم إضافة إلى المشاكل المتعلقة بالأمن والاستقرار الاجتماعي.
نقطة أخرى يستحسن توضيحها في هذه اللحظة، وبهذه المناسبة، وهي أن اتخاذ قرار إيقاف المسيرات، أو ضبط اختلالاتها، أو مواجهة النزوح بعيدا عن النقطة الجغرافية التي تم تحديدها للمسيرة، لا يمكن أن يحدث دون إذن من الجهاز القضائي المغربي، وخاصة النيابة العامة، كما أن اتخاذه يخضع لمسطرة طويلة مهما كانت استعجالية، ومنها إخبار وزارة الداخلية التي تبقى المسؤول الأول عن أي قرار من هذا النوع. وعليه، فإن وزارة الداخلية تمتلك مصالح تسهر على التواصل لحظة بلحظة مع المشرفين على الأمن العام، وتبليغ الأخبار المتعلقة بمسار الاحتجاجات لوزير الداخلية، الذي يتوفر على صلاحية توجيه التعليمات في أي اتجاه تقتضيه الأمور.
لدى فمن الخطأ إقحام جهاز دون آخر في المواجهات التي تحدث أحيانا بمناسبة مثل هذه الاحتجاجات وغيرها، كما يحدث أحيانا بمناسبة بعض المباريات الرياضية، والأمر لا يعني وطننا لوحده، بل كل دول العالم، بما في ذلك الدول التي أدخلت إصلاحات هامة على جهازها الأمني كبريطانيا وألمانيا، كما أن الإصلاحات التي عرفها بدوره الجهاز الأمني في المغرب، وأشادت بها العديد من الدول المتقدمة في هذا المجال، أبانت عن فعالية كبيرة في أدائه وفي احترامه للحريات العامة والحقوق الإنسانية، لأن الجميع ينتمي إلى وطن واحد وتهمه مصلحة هذا الوطن. فكما يتسارع البعض لاصدار بلاغات لاستعراض انجازات الغير في مجال مكافحة الارهاب على سبيل المثال، وجب عليه تحمل مسؤولياته خلال المسيرات و المظاهرات، بدل ترك رجال الامن وجها لوجه مع الشارع! فجهاز الامن ليس بمثابة قميص عثمان لتلطيخه بما اقترفته أيادي الاخرين. فهو لا يلعب دورا سياسيا و إنما هو اداة تقنية تنفذ قرارات الجهاز التنفيذي وعلى رأسه رئيس الحكومة و وزيري الداخلية و العدل.
برلمان كوم