|
|
|
|
|
أضيف في 26 مارس 2019 الساعة 25 : 10
قال الله تعالى في محكم التنزيل "وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ". يخبرنا المولى عزّ وجلّ في هذه الآية أنّ له أسماء بلغت في الحسن غايته، وأن له من كل صفة كمال أعلاها وأكملها، ثمّ يرشدنا أن نتوسل إليه ونسأله بها حتى يكون ذلك أحرى للإجابة وأقرب. ولا شكّ أنّ المسلمين اليوم مدعوون الى التخلق بهذه الصفات ومدلولاتها، فالرحمة واللين والصبر والمغفرة والحنان والمودة هي من القيم الكبيرة التي تكرّس إنسانية الإنسان وتدفع المسلم باتجاه السلم والرحمة والقبول بالآخر والتخلي عن الاستئصال والعنف.فى إحدى دور المناسبات، جلست مؤديًا واجب العزاء، مستمعًا إلى تلاوة القرآن، أتأمل فى الآية العظيمة «إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِى الْأَلْبَابِ» «آل عمران 190»، آه لو تحوَّلت تلك الآية الكريمة إلى منهج حياة، حتمًا لما كنا سنرى حملات الهجوم والتكفير على المُجددين، وما كنا نشهد حبس أحد الباحثين بتهمة ازدراء الأديان، وما كنا سنعتبر كل تفنيد للتراث محض تجاوز بحق الدين وتجرؤ على النصوص السماوية، فالله سبحانه وتعالى كرَّمنا وخاطبنا بـ«أولى الألباب» أى «أصحاب العقول»، ولكننا للأسف أصبحنا نُنحِّى العقول جانبًا ونقدس عقول آخرين هم أئمة التراث أو مجموعة من المشايخ، وكأن ألباب المعممين والأزهريين والقدامى تختلف عن ألباب بشر اليوم، رغم أننا أصبحنا نعيش ثورة تكنولوجية عارمة فتحت آفاق البحث ويسَّرت الوصول إلى أمهات الكتب وتفسيراتها، ولكن للأسف البعض يقدس شعار «هذا ما وجدنا عليه آباءنا». قطع صمت تأملى أحد الشباب الذى راح يوزع كتيبًا صغيرًا به أدعية للمتوفى، ثم أعطانى ورقةً مدوَّنًا فيها أسماء الله الحُسنى وشرح كل اسم، وما أن هممت فى القراءة: «الرحمن الرحيم الملك القدوس…»، حتى وجدتنى أستكمل حصر الأسماء دون النظر إليها، غالبًا أنا وكثيرون غيرى نحفظ أسماء الله الحُسنى عن ظهر قلب، فهى كانت أحد أناشيد الحضانة ثم المدرسة، وكان الأهل يفتخرون بطفلهم الذى حفظ الأسماء الحُسنى ويطلبون منه تلاوتها أمام الضيوف باستمرار كأحد أنواع الفخر والإشارة إلى أنه طفل نشأ فى بيئة دينية محافظة، ثم وحتمًا القطاع الأكبر استمع إليها فى أنشودة المطرب هشام عباس، التى افتتحت أعراس ملايين المصريين. وقفت قديمًا أمام أسماء الله الحُسنى، وتأملتها ثم سألت نفسى: لماذا يصف الله نفسه بـ«الجبار الضار المنتقم»، فالله سبحانه وتعالى «جميل رحيم كريم»، لماذا إذن نسميه بهذه الصفات المزعجة؟ ولم أجد إجابة شافية، ولكن فى هذا اليوم الموعود تأمَّلت أسماء الله الحُسنى من منظور آخر.. لأول مرة أتساءل: مَن الذى أنزل بهذه الأسماء؟ ولماذا عددها 99 اسمًا فقط؟ وهل حِفظها سُنة أو فرض أو ما شابه؟ وهل هناك فضيلة فى حِفظها؟ وهل من الضرورى تلاوتها بنفس الترتيب؟ وهل هى مُنزلة من الله عزّ وجلّ أم منقولة عن النبى صلى الله عليه وسلم، أم هى اجتهاد بشرى؟ ! بدأت رحلة بحث مكثفة، فى البداية توقَّعت أنها عمل بشرى ناتج عن رصد وحصد صفات الله عزّ وجلّ المذكورة فى القرآن الكريم، وبالفعل لفظ «الأسماء الحسنى» ذُكر فى القرآن فى الآيات: «للهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون» «سورة الأعراف 180»، ثم «قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا» «سورة الإسراء 110»، و«اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى» «سورة طه 8»، و«هوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» «سورة الحشر 24». فى سياق متصل، وجدت غالبية المسلمين تتمسك بأسماء الله الحسنى المُتعارف عليها وبتعدادها 99، مستندين فى ذلك إلى الحديث الشريف الذى رواه بخارى ومسلم: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ». والسؤال المهم هنا:إذا كان النبى صلى الله عليه وسلم، قال فيه حديثه إن 99 اسمًا لله من شأنها إدخال الناس الجنة، فلماذا لم يقُل النبى تلك الأسماء؟ ثم إن اللهَ قال فِى الْقُرْآنِ: «وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا»، ولم يحدد لأسمائه الحُسنى 99 اسمًا فقط. وإذا افترضنا الصحة فى الحديث والبعض يصفه بالصحيح فإن هناك إذن مَن اجتهد ليستنبط أسماءً لله عزّ وجل لم ينزلها الله فى كتابه، أو يتفوّه بها نبيه، عليه أفضل الصلاة والسلام. هناك 21 اسمًا هى: «الخافضُ المعزُّ المذِل العَدْلُ الجَلِيلُ البَاعِثُ المُحْصِى المُبْدِئ المُعِيدُ المُمِيتُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَالِى المُقْسِط المُغْنِى المَانِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ البَاقِى الرَّشِيدُ الصَّبُور»، لم ترد لا فى القرآن الكريم أو السُّنة النبوية، ما يؤكد أن ثمة اجتهادًا بشريًّا وراء حصد أسماء الله الحُسنى الـ99 المتعارف عليها. ومن الدلائل على عدم حصر أسماء الله تعالى الحسنى فى هذا العدد، ما رواه أحمد، عن عَبْدِ اللهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّى عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِى بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِى كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِى عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِى، وَنُورَ صَدْرِى، وَجِلَاءَ حُزْنِى، وَذَهَابَ هَمِّى إِلا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنْبَغِى لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا. فقوله صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِى عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ» دليل على أن من أسماء الله تعالى الحسنى ما استأثر به فى علم الغيب عنده، فلم يطلع عليه أحد من خلقه، وهذا يدل على أنها أكثر من تسعة وتسعين. وبناء على كل ما سبق نستنتج أن أسماء الله الحُسنى ما هى إلا اجتهاد بشرى، سواء كان عن طريق استخراجها من القرآن أو السُنة، أو فقط أحد ألوان المديح فى الله عز وجل. فى هذا الصدد، أتى فى كتاب «أسماء الله الحسنى الثابتة فى الكتاب والسنة» للشيخ الرضوانى، تفنيد لبعض تسميات الله، فتوقف الكتاب أمام اسمَى «الباعث والمُحصى» اللذين لم يوردا من قبل فى القرآن أو السُّنة، ولكن فى قوله تعالى: «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» «سورة المجادلة 6»، من الملاحظ أنه تم اشتقاق اسم «الباعث» من قوله يبعثهم، و«المُحصى» من قوله أحصاه، ولكن الاسمان لم يردا نصًّا صريحًا فى الكتاب أو صحيح السُّنة. كذلك أيضًا فى ما يخص تسمية الله بـ«الضار النافع»، فهذان الاسمان لم يردا فى القرآن أو السُّنة، خصوصًا «الضار» لم يرد اسمًا ولا وصفًا ولا فعلًا، وليس لمَن سمى الله بهما إلا الاجتهاد الشخصى فى الاشتقاق من المعنى الذى ورد فى قوله تعالى: «قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» «سورة الأعراف 188». *من كتاب الشيخ الرضوانى. وبصراحة، لا أجد منطقًا فى تسمية المولى سبحانه وتعالى بـ«الضار»، فأسماء الله «حُسنى» أى تدل على كل ما هو حسن وجميل، وأفعال الله كلها فضل وعدل وحكمة ورحمة ومصلحة، فبأى وجه ينسب الضرر إليه؟ ! فكل ما يأتى منه فله عليه الحمد والشكر، وله فيه النعمة والفضل، وقد تكون أقدار الله هى التى تحمل الخير أو الشر، والشر فى مقدراته دائمًا يُقصد به كل خير وحكمة، ولكن بصيرة الإنسان تبقى ضعيفة أمام حكمة الرب وحُسن تدبيره. فى رحلة البحث عن أسماء الله الحسنى، ستجد أمامك أسماء: «الصاحب القادر المُعين المنعم المُطعم المُعافى الناصر الدهر المنشئ المغيث المريد علام الغيوب فاطر السموات والأرض ذو الفضل العظيم عالم الغيب والشهادة المفرج…» وغيرها.. وكلها أسماء ليست من الـ99 اسمًا الأكثر شيوعًا، حتى إن عدد الأسماء التى عثرت عليها واعترف بها أئمة وعلماء قارب الـ300 اسم.. فماذا عن الحديث الذى يحدد الأسماء بـ99 اسمًا ويضمن لمَن أحصاها الجنة؟ ! ماذا تريد؟ وما الهدف من وراء هذا البحث وهذا الحديث المطوّل؟ اصطدمت بهذا السؤال كثيرًا فى رحلة البحث عن أسماء الله الحُسنى، وفى الواقع أنا لا أريد شيئًا، ولا أبحث عن هدف معين، فالبحث غاية أكثر من كونه وسيلة، والباحث الحقيقى هو الذى يتجرد فى بحثه عن كل الأهواء، ويسعى لإبداء رأيه المستند إلى قراءة واستماع وتفنيد ونقاش. الباحث الحقيقى هو مَن يبحث تحريك المياه الراكدة وإعمال عقله لا من أجل إثبات صحة رأيه والسلام. فى النهاية.. قد تكون الكلمات الماضية لا تعنى لك شيئًا، ولكن الهدف من مقالى هو الحثّ على إعمال العقل، وعدم التسليم لأى شىء اعتدنا ترديده دون التدبُّر فيه، فمنذ الصغر ونحن نردد أسماء الله الحُسنى، ولكن لم نبحث عن أصلها أو نتدبَّرها. أشيعوا التفكير فى ما بينكم.. فالتدبُّر عبادة لا تقل عن دعاء الله بأسمائه التى لا حصر لها، أشيعوا الرحمة والعدل والمحبة وارفضوا كل مَن يريد تكميم عقولكم قبل أفواهكم.
بقلم الدكتور يونس العمراني
|
|
1983 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|