الخداع في التعاملات اليومية، أي اتفاق يمكن التراجع عنه، وأي شخص ممكن ان يغشك، في السعر، أو الخدمة، التي يقدمها، لقد انتشر الغش، كالوباء بيننا، بدءا من الغش الجماعي، في الامتحانات، وغش في مواد البناء، والأغذية، وقطع غيار السيارات، وحتى اللحوم الفاسدة، التي يتم ضبطها عند الجزار، أو في المطاعم. هذه الظاهرة السلبية، وهذا الانحدار المؤسف، في الأخلاق، يصاحبه حرص بالغ على مظاهر التدين، هنا نجد أنفسنا، امام آفة غريبة، هي الانفصال الكامل والكلي، بين العقيدة والسلوك، بين الدين والاخلاق، لو تم تحويل، الدين إلى مجموعة إجراءات، كلها طقوس، وعبادات، صلاة، وصوم، وحج، وعمرة، وحجاب، ونقاب…هذه الإجراءات، إذا فعلتها، تصبح متدينا، بينما في تعاملاتك، يكون كل شيء، مباحا، من أجل تحقيق، مصلحتك، ورغباتك الشخصية.
في بلدنا الحبيب، يتزاحم المصلون، حتى تضيق بهم المساجد، خاصة في شهر رمضان الكريم، وفي نفس الوقت، يحتل المغرب موقعا متقدما للغاية، في مؤشرات التحرش الجنسي. في جميع بلدان العالم، يوجد فاسدون، يتظاهرون بالتدين، معظم هؤلاء، ستجدهم غالبا متدينون بصدق، لأنهم ببساطة، لا يرون أي تناقض، بين سلوكهم الفاسد، وفهمهم للدين.
في بلد مثقف وديمقراطي، المواطن، ينشأ على منظومة واضحة، من الحقوق والواجبات، ويتربى على الصدق، لأنه لا يحتاج الى الكذب، إذ أنه يثق تماما، في سلك العدالة، وبالتالي لا يخشى من ضياع حقوقه، ويتعلم، أن توفير الحياة الكريمة له، هي أهم وظيفة للدولة.
على عكس المواطن، في المغرب، الذي يشعر بأنه بلا قيمة، وأنه لو فقد حريته أو حياته، لا قدر الله، في أي لحظة، لن يهتم أحد، بمحاسبة أحد، مادام الضحايا، من البسطاء، إنه يكذب، لأنه يعيش في أكاذيب، إنه يرى المتملقين، يهنئون السياسيين الانتهازيين، بفوزهم في الانتخابات، ويستمع لشعاراتهم، الكاذبة والوهمية.
في المشهد السياسي المغربي، تكون المسافة شاسعة، بين الكلام و الفعل، و بين الصورة و الواقع، هذا التناقض المرفوض، ينتقل بالداء، من المسؤولين السياسيين، إلى أفراد الشعب، و الأخطر من هذا، أن النفاق المجتمعي و السياسي، يدمر القواعد العادلة للمجتمع، و بالتالي، ينسف العلاقة، بين الأسباب و النتائج، فيصبح الترقي في العمل، ليس للأصلح و الأكفأ، و إنما للأقدر على النفاق، و الحصول على واسطة قوية، و يصبح التعيين في المناصب، ليس للمواطن المتفوق، و إنما لأبناء الأعيان و السياسيين، و الشخصيات الهامة، حتى و لو كانوا فاشلين دراسيا، و القانون لا يطبق، إلا على الضعفاء، أما كبار القوم، فتعطل من أجلهم، قوانين، و تصدر قوانين، لحماية مصالحهم.
عندما يقود المغربي سيارته، في البلاد الغربية، يلتزم، ويحترم تماما قوانين السير، لأنه يعلم علم اليقين، أنها تطبق على الجميع، بلا تمييز، لكنه، إذا رجع الى المغرب، سيخالف قوانين المرور، لأنه ببساطة، يعلم أنها لا تطبق أبدا، على الفئات المحظوظة.
إن المواطن المغربي البسيط، يعتبر نفسه “عن حق”، مظلوما، وبالتالي، فهو يخيل له، أنه من حقه، أن يفعل أي شيء، حتى لو كان غير أخلاقي، حتى يحصل على حقوقه الضائعة والمهضومة.
إن تقهقر الأخلاق في المغرب، ليس طبيعة في المغاربة، وليس مجرد تقصير أو معصية دينية، نعالجها بالمواعظ، والنصائح.
أزمتنا، ليست في الأخلاق والسلوكيات، ولا في الدين، وإنما في الحياة السياسية، وفينا جميعا، إن تدهور الأخلاق، مثل التدين الكاذب، كلها علامات لمرض الأنانية واللامسوؤلية، لن تزول الأعراض أبدا، إلا بعلاج المرض.
مصطفى طه