مرحبا بكم في موقع أركانة بريس موقع اخباري إلكتروني مغربي .         ناقل الجهل جاهل: الريسوني ماكيفهمش النكليزية وجر معاه الجامعي فالفخ             علم الاقتصاد وعلاقته بالعلوم الاخرى             منهج نحو منظور حداثي لفلسفتنا التربوية للميثاق الوطني للتربية والتكوين             كيف بدأت الحياة على الأرض ومتى بدأت             اختصاصات رئيس الحكومة في القانون المغربي رئيس الحكومة             تعريف نظام الحكم في المملكة المغربية الشريفة             الشباب المغربي.. أرقام صادمة ومستقبل مقلق             صحفية “إسبانيول” تفضح القناة الإسبانية الرابعة وتطعن في مصداقيتها             العلاقة بين التلميذ والأستاذ والإدارة             الرسالة الأكملية في فَضْخِ الكتاني ونصرة الأمازيغية             التاريخ كما ترويه الامكنة :حقائق عن قضية الصحراء المغربية            ريدوان يطلق أغنية عالمية             خطاب الملك محمد السادس التاريخي في افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان المغربي 2017            التيجيني يناقش مغربية الصحراء مع الدكتور العدناني - الجزء الأول            القناعة كنز لا يفنى            الدارجة؟؟            تعايش الأديان.            زوجات زوجات.           

  الرئيسية اتصل بنا
صوت وصورة

التاريخ كما ترويه الامكنة :حقائق عن قضية الصحراء المغربية


ريدوان يطلق أغنية عالمية


خطاب الملك محمد السادس التاريخي في افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان المغربي 2017


التيجيني يناقش مغربية الصحراء مع الدكتور العدناني - الجزء الأول


الشاب الذي أبهر المغاربة برسمه للملك محمد السادس بطريقة لا تصدق


الخطاب الملكي بمناسبةعيد العرش المجيد


جنازة مهيبة للأسطورة الظلمي


Le Maroc vu du ciel


المغرب الإفريقي


حقيقة ناصر الزفزافي و عمالته للمخابرات العدائية للمغرب

 
اخبار عامة

المقاطعة وديكتاتورية الأغلبية.. ماذا يقول علم النفس الاجتماعي؟


حكاية "حبنا" لهذا الوطن


هواري بومدين لم يقم بالثورة وكان مختبئا في المغرب وكان يكره المجاهدين + فيديو


مضاجعة العُهر لا تحتاج إلى وضوء بل إلى عازل طبي


بركات الجزائرية.. مغربية أيضا


الصحراء مغربية حتى لو بقيت الحدود مغلقة إلى يوم القيامة


"الربيع العربي" يزحف بمعاول التقسيم والتطرف والتمذهب


الجزائر لا وجود لها في تاريخ شمال إفريقيا


أضواء على الحقيقة.. في خطاب الديكتاتور بوتفليقة


"أنتم رجال أشرار"

 
أركان خاصة

حكام الجزائر للشعوب المغاربية : تعالوا للتفرقة وبعدها نفكر في الوحدة


سمير بنيس: الإعلام الدولي تواطأ مع البوليساريو في قضية "محجوبة"


دفع الصائل الارهابي: نحو تدويل النموذج المغربي-2-


دفع الصائل الارهابي: نحو تدويل النموذج المغربي-1-


معارك إمارة المؤمنين ابتدأت


البوليساريو، القاعدة، الجزائر.. ثلاثي يهدد الاستقرار بالمنطقة


بنيس يُشَرح نزاع الصحراء أمام أكاديميي جامعة برينستون الأمريكية


سمير بنيس: جبهة البوليساريو لم يكن لها أي وجود قبل إنشائها من قبل الجزائر وقذافي ليبيا في عام 1973


الملك والصحراء التي قد تضيع!


شيزوفرينيا الجزائر ضد المغرب

 
كتب و قراءات

كتاب"سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية" يفكك التطرف بمطرقة النقد الأخلاقي


قراءة في كتاب "الإسلام السياسي في الميزان: حالة المغرب"


السوسيولوجي والباحث محمد الشرقاوي: مفهوم “الشعب الصحراوي” أسطورة اسبانية


رغم رحيله.. الدكتور رشدي فكار يبقى من عمالقة الفكر المعاصر


الفيلسوف طه عبد الرحمن.. نقد للحداثة وتأسيس للأخلاقية الإسلامية


الطاهر بنجلون : الجزائر لها "عُقدة" مع المغرب و هَمُها هو محاربته .


انغلاق النص التشريعي خدعة سياسية وكذب على التاريخ


متى يتحرك المنتظم الدولي لوقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بتندوف ؟؟


الهوية العاطفية: حول مفهوم الحب كتجربة تعالٍ


طه عبد الرحمن .. من زلزال "روح الدين" إلى تسونامي "بؤس الدَّهرانيَّة"

 
ثقافات ...

الجزء 2..تفاصيل إحدى أكبر عمليات المخابرات في التاريخ التي قادها الرسول (ص)


الجزء الأول..لكل هذا كان الرسول (ص) رجل استخبارات بامتياز!


نحن والجزائر


في ذكرى رحيله..... أجمل 50 مقولة لـ"جلال الدين الرومي"


حتى لا يباع التاريخ المغربي بحفنة من حروف صخرية


حتى لا يتحول الفقه الأمازيغي الاركامي الى فقه حنبلي..


الجزائر وعقدة المغرب


بوحمارة في ورش الظهير البربري


معطيات واضحة تحكم على جبهة البوليساريو بالاندحار والزوال


الخبير الياباني ماتسوموتو :«الجمهورية الصحراوية» مجرد تنظيم اختارتوصيف نفسه بلقب «الجمهورية»

 
ترفيه

كيف وصلتنا "كذبة ابريل" او "سمكة ابريل"


الحاجة أم الإبداع


interdit aux moins de 18 ans


أنواع الأسلحة المنزلية:


أبغض الحلال...

 
ذاكرة

أقوال للحسن الثاني شغلت المغاربة طيلة 38 عاما


“رجع بخفي حنين”


المعلمة.

 
 


مفهوم الفلسفي والإسلامي - التنوير -


أضف المقال إلى :
yahoo Facebook yahoo Twitter Myspace delicious Live Google

أضيف في 23 مارس 2019 الساعة 53 : 12



عندما يُذكر التنوير في المغرب أو في الدول الناطقة بالعربية لابد أن يُذكر الفيلسوف إبن خلدون وغالبا ما يُوضع على رأس قائمة التنويريين الناطقيين بالعربية. وخصوصاً المقدمة الخلدونية.
بل لعلنا نكون أكثر جرأة في طرح الأسئلة، فما التنوير إلا الجرأة في إعمال العقل وطرح الأسئلة مهما كانت، فنسأل عن علاقة أفكار محمد عبده بأفكار جماعة الإخوان المسلمين خاصة أن حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين كان تلميذا لمحمد رشيد رضا الذي بدوره كان تلميذا للشيخ محمد عبده.
للإجابة على هذا السؤال يجب في البداية أن نوضح الفرق بين التنوير وبين الإصلاح الديني وبين الإسلام السياسي.

أولا: ما التنوير؟

يُجيب إيمانويل كانط في مقالته الصادرة في ديسمبر 1784 عن هذا السؤال بقولة “التنوير هو تحرر الفرد من الوصاية التي جلبها لنفسه. والوصاية هي عدم قدرة الفرد على استخدام فهمه الخاص دون توجيه من الأخر.و ليس القصور العقلي هو السبب في جلب الوصاية، بل السبب انعدام الإقدام والشجاعة على استخدامه [أي العقل] دون توجيه من الأخر. تشجع لتعلم ! “فلتكن لديك الشجاعة لإستخدام عقلك الخاص !“ هذا هو شعار التنوير.”
فالتنوير إذاً يقوم على العقل وأن يكون عقل الإنسان هو القائد له وليس أى فرد سواء كان رجل دين أو سياسة أو فن أو ثقافة. فالانسان يفكر لنفسه بنفسه دون خوف أو كسل. وليس “كتاب يُفكر بدلا عني” كما يقول كانط. ولا يمكن لحقبة زمانية سابقة أن تكون حاكمة للحقب الزمانية التالية، أى أن تحكُم أفكار ومعتقدات الأمس في أفكار ومعتقدات اليوم مناقض التنوير، فيقول كانط “لا يمكن لحقبة زمنية ما أن تقطع عهداً يُلزم الأجيال اللاحقة مانعةً إياهم من تنمية معرفتهم وتطهير أنفسهم من الأخطاء والمضيّ عموماً في مسيرة التنوير”. ويضيف محددا القوانين والشرائع الدينية بقولة “أما أن يتمّ الاتفاق على تشريع دينيّ دائمٍ فوق النّقد فهذا  (كما هو الحال دوماً في مثل هذه الأحوال ) يعتبر تدميراً لتطور الإنسان، وهذا يجب أن يكون ممنوعاً إطلاقاً.”
ولكى يكون عقل الإنسان قادر على قيادته فلابد له من الحرية، فالعقل بدون حرية يصبح بلا قيمة وبلا فائدة، فكيف للعقل الخائف من استبداد السلطة أو استبداد المجتمع أن يكون قادر على التفكير والابداع والتحليل والتفسير وتقديم الحلول؟ فيقول كانط عن أهمية الحرية للتنوير “التنوير لا يتطلّب إلا الحرية؛ وأبسطُ ما يمكن تسميته حريّة هو أن يكون الفرد حراً لاستخدام عقله الخاص علنيّاً في كل الأمور.” ويقول أيضا “ استخدام الفرد لعقله علنياً يجب دوماً أن يكون غير مقيّد، وهذا وحده ما يجلب التنوير.”
لهذا فالحربة والايمان بها والدفاع عنها والسعى لها هى الطريق للتنوير وتحرير العقل من سلطان.
ولذلك فالتنويري سواء كان عالم أو مثقف أو مفكر أو فيلسوف أو رجل دين هو الذي يعمل على تحرير العقل الانساني من وصاية الأوصياء، وليس استبدال وصاية بوصاية. وهو الذي يرفض اخضاع الحاضر لقوانين وشرائع الماضي باعتبارها قوانين ثابتة غير قبالة للتطوير أو التغيير. وهو أيضا من يؤمن بالحرية وضرورتها للإنسان.

الإصلاح الديني
تُعرف موسوعة السياسة الإصلاح بأنة “تعديل أو تطوير غير جذري في شكل الحكم أو العلاقات الإجتماعية دون المساس بأسسها.” ولهذا فالإصلاح الديني هو تعديل وتطوير للتفسيرات والتأويلات والاجتهادات والأفكار الدينية دون المساس بحاكمية النص ومرجعيته التي يجب أن يحتكم إليها الأفراد والمجتمعات وفقا للرؤية الدينية. ولهذا لم يكن مستغربا أن تخرج الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة من رحم البروتستانتية بالرغم أنها في الأصل حركة إصلاح ديني داخل الكنيسة الكاثوليكية. وكذلك خرجت الأصولية الإسلامية من أفكار يصنفها البعض أنها إصلاحية، فقد أسس حسن البنا تلميذ رشيد رضا الإخوان المسلمين، والسلفية هى نتاج أفكار محمد بن عبد الوهاب.

الإسلام السياسي

أما الإسلام السياسي فهو أيديولوجيه تقوم على أن الإسلام دين ودولة، فهو يحتوى على نظام سياسي واقتصادي واجتماعي يجب على المجتمع الالتزام به لكى يحقق السيادة في الدنيا والجنة في الأخرة. وليس بالضرورة أن يكون الإسلامي عضو في تنظيم أو جماعة أو حزب يعتنق هذه الأفكار فقد يكون فرد مستقل، وربما أيضا رافض لهذه التنظيمات ومعارض لها.
والآن يمكن أن نحدد السؤال بشكل أدق فنقول، هل كان محمد عبده يسعى أو يدعو لتحرير العقل المصري من أى قيود أو وصاية أو سيطرة للشريعة الاسلامية، ليفكر الانسان بنفسي ولنفسة بكل حرية ودون قيود، أم كان يسعى لتطوير وتعديل التفسيرات والتأويلات والاجتهادات المرتبطة بالنص الديني ولكن دون المساس بسلطة النص على الفرد والمجتمع والحياة؟ وما علاقة محمد عبده بأفكار جماعة الإخوان المسلمين؟ وهل كان محمد عبده بالفعل داعية حرية مطلقة أم حرية بما لا يخالف شرع الله؟
وللإجابة على هذة الأسئلة سنعرض لنماذج من مواقف وآراء الشيخ محمد عبده التي توضح موقفه من سلطة النص الديني ومن سلطة العقل، وعلاقة كل منهما بالأخر، وكذلك الأفكار الأساسية لجماعة الإخوان المسلمين.
ونبدأ بموقف الشيخ محمد عبده من العلمانية أو فصل الدين عن الدولة.

الشيخ محمد عبده والعلمانية
يمثل موقف الإنسان من العلمانية أوضح موقف من سلطة النص ورجال الدين على الحياة العامة للمجتمع وعلى الحريات الشخصية للإنسان. فتبني الإنسان للعلمانية يعني أنه يرفض أى سلطة على عقله وعقل الأخرين سواء كانت سلطة دينية أو لا دينية، وعندما يعارض الإنسان العلمانية فهو ببساطة يفتح الباب أمام رجال الدين للتحكم في عقل الإنسان وفي حياته.

وتمثل المناظرة التي دارت بين فرح أنطون والشيخ محمد عبده نموذج واضح على موقف الشيخ محمد عبده الرافض للعلمانية.

ففي 1 يناير 1903 بمدينة الإسكندرية المصرية صدر كتاب “ابن رشد وفلسفته” للكاتب اللبناني بالميلاد والمصري بالعيش والوفاة فرح أنطون، حيث ولد في طرابلس عام 1874 وتوفي في القاهرة عام 1922 بعد أن هاجر إلي الإسكندرية عام 1897 هاربا من إضطهاد الأتراك العثمانيين. ومن المفارقات هنا أن فرح أنطون جاء إلى مصر مع الشيخ محمد رشيد رضا على نفس الباخرة القادمة من طرابلس لبنان، إلا أن السُبل الفكرية فرقت بينهما وعلى رأسها هذا الكتاب “ابن رشد وفلسفته”.

فقد ذكر فرح أنطون في مقدمة الكتاب أن الشيخ رشيد رضا تلميذ محمد عبده وأستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين يحرض الشيخ محمد عبده، والذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب مفتى الديار المصرية، على فرح أنطون ومجلته “الجامعة”. حيث يقول فرح أنطون في مقدمة الكتاب “وردنا من صديق في العاصمة  (القاهرة ) يخبرنا فيه بأن حضرة صاحب مجلة المنار في العاصمة رصيفنا  (زميلنا ) الشيخ رشيد رضا يُحرك خاطر فضيلة العلامة الاستاذ الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية على  (مجلة ) الجامعة لعدة أسباب ذكرها المراسل ولا ندخل نحن فيها لأن ذكرها يسؤ الجميع. وأن فضيلة الاستاذ عزم على الرد على المقالة التى نشرتها الجامعة عن الفيلسوف ابن رشد.”

وقد نتج عن هذا التحريض للشيخ محمد عبده ضد مجلة الجامعة وصاحبها فرح أنطون أن قرر الشيخ كتابة ردود على ما قالته الجامعة بخصوص فلسفة ابن رشد واعتبره الشيخ محمد عبده خطأ، واعتبره الشيخ محمد رشيد رضا في مقدمته لردود الشيخ إهانة للعقائد الإسلامية وأئمة المسلمين، واعتبر رد الشيخ محمد عبده “للفصل بين الحق والباطل”، بالرغم من تأكيد فرح أنطون أن الموضوع “فلسفي لا ديني، ولو كان دينيا بحتا كما أوهم سيئوا القصد لأمسكنا عن الخوض فيه لأننا لا ندخل فيما لا يعنينا ولا يفيد الدخول فيه”. وهو المشهد الذي مازال يتكرر حتى هذه اللحظة مع كل من يقدم رؤية مغايرة للتاريخ أو الفلسفة أو الأفكار أو الآراء الفقهية عن تلك التي يملكها التيار الإسلامي العام، حيث يتحول الأمر من اختلاف في وجهات النظر والرأى إلى معركة بين الحق والباطل، والكفر والإيمان. وهى تهمة مازالت تتردد أصدائها حتى يومنا هذا فيما يسمى “إزدراء الأديان”، وهى تمثل رد عملي على من يقول لا كهنوت في الإسلام، فقد تحول رجال الدين المسلمين إلى كهنة لا يقبلون اختلاف ولا خروج على آرائهم، التي يعتقدون أنها الحقيقة المطلقة. وهنا لابد أن نسأل عن موقف الشيخ محمد عبده من كلام تلميذه محمد رشيد رضا، لماذا لم يعترض الشيخ محمد عبده على هذه التهمة التي وجهها لفرح أنطون ومجلته، خاصة أنه كلام جاء كمقدمة لردود الشيخ على فرح أنطون؟

وقد نشر فرح أنطون ردود الشيخ محمد عبده وردوده على ردود الشيخ في الجزء الثالث من كتاب “ابن رشد وفلسفته”، والتي لم تكن تتعلق بفكر ابن رشد فقط، ولكن تطرقت إلى العلمانية أو فصل الدين عن السياسة ومسائل الحكم والموقف من العلم.

ينطلق محمد عبده في رفضه للعلمانية من الإختلاف الذي يراه بين الإسلام والمسيحية في موقف كل منهما من العلم والعقل والدولة الدينية. فيرى محمد عبده أن الإسلام على عكس المسيحية يحترم العلم والعقل ويدعم حرية البحث العلمي وهو أيضا على عكس المسيحية لا يعرف الحكم الديني بل إنه ضد الإستبداد ويحارب المستبدين. وبالتالي فلا حاجة للمسلمين بالعلمانية، لكى ينطلقوا ويحققوا النهضة العلمية والسياسية. وهى الفكرة التي تتبناها جماعة الإخوان المسلمين والوسطيين والحداثيين. فيقول في ردودة على مجلة “الجامعة” والتى نشرها فرح أنطون ملحقة بكتابه “ابن رشد وفلسفته، وبعد أن سرد قائمة بالعلماء غير المسلمين الذين عاشوا في كنف الحكام المسلمين وقائمة بعلماء المسلمين، “أظن أنه يسهل بعد سرد ما عددناه أن يعرف قراء الجامعة أن الإسلام كان يوسع صدرة للغريب كما يوسعه للقريب بميزان واحد وهو ميزان احترام العلماء للعلم. ويسهل على أن ألتمس العذر للجامعة بأنها عندما كتبت ما كتبت تمثلت لها بعض الحوادث قيل أنها حدثت للدين وما حدثت له. بل كان سبب حدوثها اما سياسة خرقاء، أو جهالة عمياء أو تأريث بعض السفهاء.” فهو هنا ينفي أن يكون الاسلام هو السبب في أى عمليات اضطهاد لغير المسلمين أو لعلماء المسلمين على أساس ديني ولكنها جميعا حدثت لأسباب سياسية أو بسبب الجهل. ثم يبدأ بعد ذلك في نقد المسيحية ليثبت أنها تتنافي مع المدنية والعقل والاعتقاد بقوانين الطبيعة. فيقول في ص 133 من كتاب ابن رشد وفلسفته “وأول أصل قام عليه الدين المسيحي وأقوى عماد له هو خوارق العادات، تقرأ الانجيل فلا تجد للمسيح عليه السلام دليلا على صدقه إلا ما كان يصنع من الخوارق وعددها في الانجيل يطول شرحه – ثم أنه جعل ذلك دليلا على صحة الدين لمن يأتي بعده – وإذا تتبعت جميع ما قال الأولون من أهل هذا الدين تجد خوارق العادات من أظهر الآيات على صحة الاعتقادات” ويذكر في ص 134 الأصل الثاني قائلا “وبعد هذا الأصل أصل آخر وهو السلطة الدينية التي مُنحت للرؤساء على المرؤوسين في عقائدهم.” أما الأصل الثالث فيقول عنه “وبعد هذين الأصلين أصل ثالث وهو التجرد من الدنيا والانقطاع إلى الأخرة – والحث على الرهبانية وترك الزواج وفي ذلك قطع للنسل البشري”. وعن الأصل الرابع للمسيحية يقول الشيخ محمد عبده “وبعد هذه الأصول أصل رابع وهو عند عامة المسيحيين أصل الأصول لا يختلف فيه كاثوليك ولا ارثوذكس ولا بروتستانت وهو أن الايمان منحة لا دخل للعقل فيها وأن من الدين ما هو فوق العقل بمعنى ما يناقض أحكام العقل وهو مع ذلك مما يجب الايمان به”. ويذكر أصل خامس “ثم ينضم إلى الأصول الأربعة خامس وهو أن الكتب المعروفة بالعهد القديم والعهد الجديد تحتوى على ما يحتاج البشر إلى علمه في المعاش والمعاد”. والأصل السادس للمسيحية حسب الشيخ محمد عبده هو “الذي ورد في الاصحاح العاشر من انجيل متى  (لا تظنوا أني جئت لالقي سلاما على الأرض بل سيفا فاني جئت لافرق الانسان ضد ابيه والابنة ضد أمها والكنة ضد حماتها – وروح الشدة التي جاءت في قوله “لا تظنوا أني جئت لالقي لسلاما الخ ) هى التي بقى أثرها في نفوس الأولين من المعتقدين بالدين المسيحي وعفت على آثر ما كان يصح أن تستشعره النفوس من بعض الوصايا الأخرى”. ثم ينتهى إلى نتيجة “ان من لم يتبع المسيح عندهم فهو هالك، والهالك لا يستحق الحياة.”

ثم أخيرا يوضح موقفه من الفصل بين الدين والدولة معبرا عن رفضة لهذا الفصل وأن تكون السلطة المدنية متغلبة على الدينية، وينتهي بضرورة خضوع العلم للسلطة الدينية. يقول الشيخ محمد عبده في ص. 140 من ردودة على فرح أنطون “كيف يتسنى للسلطة المدنية أن تتغلب على السلطة الدينية وتقف بها عند حدها والسلطة الدينية إنما تستمد حكمها من الله ثم تمد نفوذها بتلك القوة إلى أعماق قلوب الناس وتديرها كيف تشاء – نعم هذا الفصل يسهل التسامح لو كانت الأبدان التي يحكمها الملك يمكنها أن تأتي أعمالها على حدة مستقلة عن الارواح التي تحيا بها والارواح كذلك تأتي أعمالها بدون الأبدان التي تحمل قواها”.

ثم ينتقل بعد ذلك الشيخ في ردوده على فرح أنطون إلى بيان الفرق بين الإسلام والمسيحية من حيث الأصول وسبب جمود الإسلام. فيقول عن أصول الاسلام أنها دعوتين “دعوة إلى الاعتقاد بوجود الله وتوحيده ودعوة إلى التصديق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. أما الدعوة الأولى فالاسلام يعتمد فيها على العقل وأما الدعوة الثانية فهو يعتمد فيها على القرآن الكريم الذي هو معجزة الاسلام وخارق العادة فيه. ولذلك كان من أصول الاسلام  (أولا ) النظر العقلي لتحصيل الايمان  (ثانيا ) تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض  (ثالثا ) البعد عن التكفير  (رابعا ) الاعتبار بسنن الله في الخلق  (خامسا ) هدم السلطة الدينية وجعل السلطان أو الخليفة تابعاً للشعب  (سادسا ) مودة المخالفين في العقيدة  (سابعاً ) الجمع بين مصالح الدنيا والأخرة. ويرجع الشيخ محمد عبده سبب جمود الإسلام إلى الاستبداد السياسي الذي يخاف “خروج فكر واحد من حبس التقليد فتنتشر عدواه فينتبه غافل آخر ويتبعه ثالث ثم ربما تسرى العدوى من الدين إلى غير الدين. – إلى أخر ما يكون من حرية الفكر يعوذون بالله منها” ثم يرجع الشيخ محمد عبده هذا الضعف والجمود الذي طرأ على الاسلام من استيلاء الترك والديلم على سلطانة، وعدد هذا الجمود فقال أنها “افسدت اللغة، وجنت على الشريعة، وعلى العقيدة.” وينتهى الشيخ إلى القول “العقل والقلب متفقان في الدين الإسلامي وأنه لابد أن ينتهي أمر العالم إلى تآخي العلم والدين. على سنة القرآن والذكر الحكيم”.

ودعونا الأن نختبر صحة ما قالة الشيخ محمد عبده وتبعه فيه بعد ذلك أجيال من الإسلاميين بدأً من رشيد رضا وتلميذه حسن البنا وجماعته الإخوان المسلمين وحتى الأفراد والمجموعات التي سمت نفسها بعد ذلك بالاسلاميين الحداثيين والوسطيين والمستنيريين.

أولا: المسيحية تقوم على خوارق العادات


لقد نسى الشيخ أنه لا يوجد دين لا يقوم على خوارق العادات لاثبات صحته وصحة نبوة النبى. والإسلام الذي يدعي أنه يقوم على العقل قام أيضا على الخوارق والمعجزات لاثبات صحة نبوة النبي، وليس فقط على معجزة القرآن كما يقول الشيخ. فهناك معجزة الإسراء والمعراج المذكورة في القرآن في سورتى الإسراء والنجم والتي حسب الروايات الدينية سافر النبي فيها من مكة إلى بيت المقدس ومن بيت المقدس إلى سدرة المنتهي حيث مقام العرش الإلهي في ليلة واحدة، وحسب أيضا أغلب الفقهاء ورجال الدين الإسلامي كانت الرحلة بالروح والجسد معا، أى سفر حقيقي مثل سفرنا هذه الأيام. وما رواة البخاري عن نبوع الماء من بين أصابعه، وانشقاق القمر، وسماع النبي لأهل القبور، ومخاطبته لقتلى بدر من قريش وسماعهم لكلامه، وحنين جزع الشجرة للنبي، وما رواة مسلم عن اهتزاز جبل أحد وحديث النبي للجبل ليسكن. هذا بخلاف ما تحفل به كتب السيرة عن من تفل النبي في عينه فشُفيت من الرمد، وتكثير قليل الطعام في غزوة الخندق ليكفي الجيش كله. ثم إذا نظرنا إلي القرآن الكريم باعتباره المعجزة الوحيدة والخارق الوحيد للعادة حسب الشيخ محمد عبده، فكيف يمكن اعتبار القرآن معجز لغير الناطقيين بالعربية؟ ماذا يفهم الياباني أو الصيني أو الفرنسي أو الأسباني أو الإنجليزي أو كل من لا يتحدث العربية بطلاقة وغير متمكن من قواعدها اللغوية وتصويرتها الجمالية؟

فالإسلام مثل المسيحية يستمد صحته من الخوارق والمعجزات ولا يختلف في ذلك عن أى دين أخر. وهو ما نستطيع رؤيته في القرآن بوضوح في حديثه عن معجزات الأنبياء والرسل، فنجد معجزات الأنبياء، إبراهيم، ويوسف، وموسى، وصالح، وسليمان، والمسيح نفسه. ويروي البخاري ومسلم عن النبي ما يؤكد أن الخوارق والمعجزات كانت ملازمة لكل الأنبياء وأنها لإقناع الناس بصدق النبي المرسل “مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْياً أَوْحَى الله إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.

فلا حُجة للشيخ هنا للتفريق بين الإسلام والمسيحية بأن الأول اعتمد العقل والأخر اعتمد الخوارق كدليل على صدق النبوة.

ثانيا: السلطة الدينية التي مُنحت للرؤساء على المرؤوسين في عقائدهم

يرى الشيخ هنا أن لرجال الدين في المسيحية سلطة على الناس في عقائدهم وهو ما يغيب في الإسلام. والمقصود هنا ليست السلطة الدينية السياسية التي تحكم باسم الله في الحياة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن سلطة رجال الدين على ضمائر الناس، لتقسمهم إلى مؤمنيين ومهرطقيين، فتمنع وتمنح الحياة الأبدية، وتمنح لمن تشاء صكوك الغفران وترسل من تشاء إلى الموت حرقا.

وقد شهد الاسلام هذه السلطة على ضمائر الناس منذ بدايته الأولى عندما حارب الخليفة الأول أبو بكر الصديق مانعي الزكاة باعتبار أن منع الزكاة مثل ترك الصلاة يؤدي إلى الكفر، وهو ما سار عليه فقهاء المسلمين بعد ذلك بتكفير المسلمين لأسباب من وجهة نظرهم تمثل خروج عن الدين القويم وخروج عن العقيدة الإسلامية. فقط قام فقهاء المسلمون باستبدال تهمة الهرطقة بتهمة الكفر.

فقد حكم فقهاء المسلمين بكفر تارك الصلاة وجعلوا عقوبته القتل، وكفروا تارك الزكاة وجعلوا حكمة حكم المرتد كما قال ابن قدامة المقدسي في كتابة “المغني”، كما كفروا من لم يحكم بما أنزل الله. كذلك كفرت الفرق الإسلامية من أهل السنة والجماعة والشيعة والمعتزلة والخوارج بعضهم البعض. ويكفي أن يعود القارئ إلى أزمة خلق القرآن في عصر الخلفاء العباسيين الذين تبنوا أفكار المعتزلة، المأمون والمعتصم والواثق، فتبادلوا التكفير مع الحنابلة، وألقوا من خالفوهم في السجون وعلى رأسهم أحمد بن حنبل، الذي بدوره كان قد حكم بكفر المعتزلة. فهذا سلوك المعتزلة المصنفيين في التاريخ الإسلامي بأنهم أهل العقل والعقلانية، مع من يختلفوا معهم في الآراء الدينية. وهم ليسوا استثناء فقد مارس التكفير كل فقهاء المسلمين، ولهذا فالقول بغياب سلطة دينية على عقائد المسلمين هو قول عار من الصحة، فقد ظل لفقهاء المسلمين سلطة الحكم بالكفر والفسق والزندقة والابتداع على المسلمين والحكم بعقوبات تتراوح بين القتل والجلد والسجن، وما جرائم تنظيمات الاسلام السياسي في حق المسلمين إلا انعكاس لهذه السلطة الدينية على ضمائر المسلمين.

ثالثا: أن الايمان منحة لا دخل للعقل فيها وأن من الدين ما هو فوق العقل بمعنى ما يناقض أحكام العقل وهو مع ذلك مما يجب الايمان به

مرة أخرى يتغافل الشيخ محمد عبده عن حقيقة أن كل الأديان تحتوى على ما هو فوق العقل ويتناقض مع المنطق ومع ذلك يجب على المؤمنين بالدين أن يؤمنوا بها وأن يمارسوا طقوس ليس لها أى علاقة بالعقل أو المنطق سوا اعلان الخضوع والاستسلام لله، والمسيحية ليس حالة فردية والإسلام ليس استثناء من هذه القاعدة.

فالمسلمين مثل أتباع كل الديانات الأخرى يؤمنوا بمجموعة من العقائد ويمارسوا شعائر ليس للعقل علاقة بها. فالمسلم لابد أن يؤمن بمخلوقات لا دليل علمي ولا عقلي على وجودها وهى الجن والملائكة والشياطين، وأن يؤمن بقصص وأحداث لا دليل أثري عليها مثل قصة موسى والفرعون ودخول وخروج بني إسرائيل من مصر، والطوفان الذي عم الأرض كلها، وذو القرنين، وأهل الكهف، والقصة التي ترتبط بالمسيحية نفسها وهى الميلاد العذري للمسيح بل ويضيف اليها الاسلام أنه تكلم في المهد وأنه لم يصلب ولكن رُفع إلى السماء. يضاف إلى ذلك، الشعائر التي يمارسها المسلم والمسلمة فقط ابتغاء مرضاة الله بالرغم من عدم وجود أى منطق عقلي لها وعلى رأس هذه الشعائر، شعيرة الحج، التي إذا تأملنا في طقوسها فلن نجد أى منطق في الطواف حول الكعبة 7 مرات والسعي بين الصفا والمروة 7 مرات، والوقوف بعرفات، ورجم الشيطان بالحصى.

وأخيرا نختم بقول علي بن أبي طالب “لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه”.

رابعا: أن الكتب المعروفة بالعهد القديم والعهد الجديد تحتوى على ما يحتاج البشر إلى علمه في المعاش والمعاد

وهو نفس ما يؤمن به المسلمون تصديقا لقول القرآن “ما فرطنا في الكتاب من شيء” وقولة “نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء”. فيقول الشيخ محمد راتب النابلسي “ أما هؤلاء المسلمون ضعيفو الثقافة، الذين لم يستقوا العلم من مصادره الصحيحة، الذين لم يبنوا إيمانهم على علم، هم عرضة لسوء الظن بشريعتهم، يظنون أن شريعتهم لا تكفي هذا العصر الحديث، يبحثون عن أشياء من هنا ومن هناك، يستوردونها ليحلوا مشكلاتهم، وغاب عن ذهنهم أنهم زادوا هذه المشكلات مشكلاتٍ إلى مشكلاتهم. أيها الأخوة الكرام، هذا القرآن الكريم الذي بين أيدينا، والذي أنزله الله على نبيه الكريم تبياناً لكل شيء، سُمي فرقاناً، يفرق بين الحق والباطل، سُمي هدىً تهتدي به، سُمي برهاناً دليلاً قطعياً على صواب ما فيه، سُمي بياناً شرحاً تفصيلياً، سُمي تبياناً وتبياناً لكل شيء، وهو حجة الله على الخلق على الجملة والتفصيل والإطلاق والعموم”. ويقول د. ياسر حمدي أستاذ الدراسات الإنسانية “النظام الإسلامي شامل لشئون الحياة، بمعني أنه ليس في الإسلام شيء يتعلق بالإنسان والحياة يمكن بحثه بمعزل عن الدين، وأنه ما من تشريع أو حكم أو فعل يمكن أن يخرج عن إطار حكم الشريعة وتنظيمها، والنظام الإسلامي يمثل منهجاً متكاملاً لتنظيم الحياة عقائدياً من حيث علاقة الإنسان بربه، وقانونياً من حيث علاقته مع عموم الناس، وسياسياً مع الدولة، واقتصادياً مع العمل، بما يمثل أطراف الحياة كلها وحركتها: ( اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً ) (المائدة: من الآية3 ).” ويقول حسن البنا في الأصول العشرين في ركن الفهم من رسالة التعاليم “الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء.” فالراسخ في أذهان المسلمين على مر العصور أن الإسلام دين شامل يحتوى على كل شيء حتى وصلنا إلى العصور الحديثة ومع التحديات العلمية وصل الأمر مداه بالحديث عن “الإعجاز العلمي في القرآن”، فكان من أوائل من قالوا به الشيخ طنطاوي جوهري  (1870 1940 )، ود. محمد جمال الفندي  (1913 – 1998 ) ود. عبد الرزاق نوفل  (19171984 ).

خامسا: العنف
“لا تظنوا أني جئت لالقي سلاما على الأرض بل سيفا فاني جئت لافرق الانسان ضد ابيه والابنة ضد أمها والكنة ضد حماتها – وروح الشدة التي جاءت في قوله “لا تظنوا أني جئت لالقي لسلاما”

يرى الشيخ محمد عبده في هذه الآية من العهد الجديد تحريض على العنف وبعث لروح الشدة في المسيحية متجاهلا العديد من الآيات والأحاديث النبوية والأحداث التاريخية التي تحرض على العنف ضد الأخر حتى لو كان هذا الأخر هو الأب أو الأم أو الأخ. ونبدأ هنا بأية السيف التي حسب المفسرين والشراح نسخت 120 آية من آيات السلم والتعايش. ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ سورة التوبة الآية 5. يقول ابن كثير في تفسيرة “وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم: إنها نسخت كل عهد بين النبي – صلى الله عليه وسلم – وبين أحد من المشركين، وكل عهد، وكل مدة. وقال العوفي، عن ابن عباس في هذه الآية : لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة، منذ نزلت براءة وانسلاخ الأشهر الحرم، ومدة من كان له عهد من المشركين قبل أن تنزل أربعة أشهر، من يوم أذن ببراءة إلى عشر من أول شهر ربيع الآخر. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه الآية، قال : أمره الله تعالى أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام، ونقض ما كان سمى لهم من العقد والميثاق، وأذهب الشرط الأول.”

أما الحديث النبوي فقد روى البخاري ومسلم عن النبي “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى”.

أما عن العلاقات الأسرية فقد جعل الإسلام علاقة المسلم بدينة ورموزه أقوى من أى رابطة أخرى وتعلوا عليها. فيقول القرآن “لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚأُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” سورة المجادلة الآية 22. وفي الحديث يروي مسلم عن النبي “لاَ يؤمِنُ أَحَدَكُم حَتّى أَكُونَ أَحَبّ إِلَيهِ مِن وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنّاسِ أَجمَعِينَ” ولهذا رأينا الصحابة يقتلون أقرب الناس إليهم فأبو عبيدة بن الجراح قتل أباه في غزوة بدر كما روى الطبراني والحاكم والبيهقي، وقتل عمر بن الخطاب خالة العاص بن هشام حسب رواية ابن حجر وابن عبد البر وابن كثير وابن هشام، كذلك أراد عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول قتل أبيه عندما علم بأن الرسول قد أهدر دمه فذهب إلى النبي وقال: “يا رسول الله قد علمت المدينة أنه لا يوجد أحد أبر من أبيه مني فإن تريد قتله فأمرني أنا، فإني لا أصبر على قاتل ابي“. وعندما دخل الجيش المدينة بعد العودة من غزوة بنو المصطلق تقدم عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول الجيش ووقف بسيفه على مدخل المدينة والكلُ مستغرب من عمله حتى إذا قدم أبوه داخلاً المدينة أشهر السيف في وجه أبيه وقال والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله”. وهو في النهاية ما أدى إلى ظاهرة داعش وقيام أحد أفرادها بقتل أمه لأنها طلبت منه ترك التنظيم. وبذلك نرى أن ما عابة الشيخ محمد عبده على المسيحية من بث روح الشدة موجود في الإسلام بصورة أقوى وأوضح، نظريا وعمليا.

وننتقل الأن مع الشيخ إلى أصول الإسلام والتي هى حسب الشيخ

1 النظر العقلي لتحصيل الايمان


يرى الشيخ محمد عبده أن الايمان بالله يقوم على أسس عقلية بينما الايمان بالنبي يقوم على القرآن. وهو بهذا ينحاز لوجهة نظر ولا يعبر عن تفكير عقلي منطقي. ولعل في هذا الحوار الذي كنت شاهد عليه بين مسلم وصديقته الملحدة ما يبين أن مسألة الايمان بخلق للكون هو محض إيمان لا علاقة له بالعقل، عندما قال أن الله قد خلق هذا الكون، فسألته صديقته فمن خلق الله؟ فلم يجد الصديق المسلم رد، وعندما سألها، قالت أن هذا الكون هو نتيجة الانفجار العظيم، فسألها فمن أين جاءت المادة التي انفجرت ومن قام بالتفجير فلم تجد الصديقة الملحدة رد. فالأمر في النهاية ميول نفسيه وانحيازات شخصية لوجهات نظر لا يمكن التدليل عليها بالعقل. ولذلك نجد الاشتباك بين المؤمنين والملحدين اشتباك دائما ومستمر على مر التاريخ دون أن يُحسم وليس من المنتظر له أن يُحسم في المستقبل بالرغم من التقدم العلمي الكبير وتفسير العلم للكثير من الظواهر التي كانت تُفسر في الماضي باعتبارها من أعمال الألهة أو الإله الواحد. فأن تؤمن بوجود خالق للكون أو أن الكون نشأ من الانفجار العظيم هى مسألة نفسية وميول عقلية ليس أكثر.

أما قولة أن الايمان بالنبي مرده إلى القرآن، فهى محاولة من الشيخ تجنب ذكر المعجزات كمسبب للايمان بالنبي بعد أن جعل المعجزات وخوارق العادات من أسباب الايمان المسيحي فقط، وهنا نعيد السؤال مرة أخرى، كيف يكون القرآن معجز لمن يتحدثوا لغات غير العربية؟

2 تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض

هنا يلجأ الشيخ محمد عبده للتدليس بأن يسحب وجهة نظر أحد الفرق الإسلامية وهى المعتزلة عن علاقة العقل بالنقل على كامل الفرق الاسلامية وكأن أسبقية العقل على النص هو أساس ثابت من أسس الإسلام وهو غير صحيح. فينقل الشيخ محمد صالح المنجد في خطبة له بعنوان “بدعة تقديم العقل على النقل” عن ابن القيم قوله “وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأى على الوحى”. ويقول ابن تيمية في الجزء الأول من كتاب درء تعارض العقل والنقل ص 138 “إذا تعارض الشرع والعقل وجب تقديم الشرع؛ لأن العقل مصدق للشرع في كل ما أخبر به، والشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به”. ويختلف فقهاء أهل السنة في حكم المعتزلة فأكثرهم أنهم مبتدعون وقد كفرهم البعض. ونعيد كلمة الإمام علي “لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه”. فقول الشيخ بتقديم العقل على ظاهر الشرع هو رأى المعتزلة وليس رأى كل الفرق الإسلامية، التي بدعت وكفرت من يقول بذلك، ولهذا فالقول ان هذا أحد أُسس الإسلام بشكل مطلق تدليس، استخدمه الشيخ ليثبت وجهة نظرة أن الاسلام يختلف عن المسيحية وهو أكثر عقلانية ويقدم العقل على النص، ولذلك فهو ليس بحاجة للعلمانية.

 (ثالثا ) البُعد عن التكفير

أما قول الشيخ بأن البُعد عن التكفير هو أحد قواعد الاسلام، بالرغم أنه لا يحتاج للرد في عصرنا هذا وقد شهدنا جماعات الاسلام السياسي من الاخوان المسلمين إلى تنظيم الدولة الإسلامية مرورا بالسلفية الجهادية والقاعدة، تُكفر وتقتل كل من يخالفها، إلا أننا يجب أن نحاكم كلام الشيخ بمعايير عصره وفي سياقه التاريخي، ولذلك سنكتفى بكلام الصحابة وفقهاء المسلمين في التكفير ليس تكفير غير المسلمين ولكن تكفير المسلمين أنفسهم. فسنجد فقهاء المسلمين يكفروا تارك الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو من يسب الصحابة أو الفرق الاسلامية المختلفة حتى وصل الأمر بمحمد بن عبد الوهاب بوضع نواقض للايمان، هى:

1 الشرك في عبادة الله تعالى، ومنه الذبح لغير الله، كمن يذبح للجن أو للقبر.

2 من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم.

3 من لم يكفر المشركين أو شك فى كفرهم أو صحح مذهبهم.

4 من اعتقد أن غير هدى النبى صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذى يفضل حكم الطواغيت على حكمه.

5 من ابغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به.

6 من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه.

7 السحر ومنه الصرف والعطف.

8 مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين.

9 من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.

10 الإعراض عن دين الله تعالى، لا يتعلمه ولا يعمل به.

بل إن الشيخ محمد عبده نفسه يذهب إلى تكفير من يتوسلون بالأنبياء والأولياء فيقول في أعمالة الكاملة التي جمعها د. محمد عمارة في الجزء الثالث ص.538 تحت عنوان التوسل بالأنبياء والأولياء، “فزعم زاعم أن لفلان جاهاً عند الله، بهذا المعنى، إشراك جلي لا خفي، وقلما يخطر ببال أحد من المتوسلين معنى اللفظ اللغوي، وهو المنزلة والقدرة، على أنه لا معنى للتوسل بالقدرة والمنزله نفسها، لأنها ليست شيئا ينفع، وإنما يكون لذلك معنى لو أولت بصفة من صفات الله كالاجتباء والاصطفاء، ولا علاقة لها بالدعاء، ولا يمكن لمتوسل أن يقصدها في دعائه، وإن كان الألوسي المسكين بنى تجويز التوسل بجاه النبي خاصه على ذلك التأويل، وما حمله على هذا إلا خوفه من ألسنة العامة وسباب الجهال، وهو ما لا قيمة له عند العارفين، فالتوسل بلفظ الجاه مبتدع بعد القرون الثلاث، وفيه شبهة الشرك، والعياذ بالله، وشبهة العدول عما جاء به رسول الله، فلم الإصرار على تحسين هذه البدعة.” وكفر من يحضروا موالد أهل البيت والأولياء في ص 555 تحت عنوان زيارة الأضرحة، “إن هذا العمل من أعمال الوثنيين، وإن الاسلام يأباه. كل آيات القرآن في التوحيد تنهى عن هذا وتذمه. إن الفاتحة التي تقرأونها كل يوم في صلاتكم مراراً تنهاكم عن هذا العمل. تخاطبون الله تعالي فيها بقوله  (إياك نعبد وإياك نستعين ) كذبا، فإنكم تستعينون بغيره، وتعبدون غيره، ثم إن عملكم هذا متناقض، حيث تهدون الفاتحة لمن تزورونه، إذ معناه أنه محتاج إليكم وينتفع بفاتحتكم، ثم تطلبون منه قضاء حوائجكم.”

 (رابعا ) الاعتبار بسنن الله في الخلق

لا أظن أن هناك أمة تعتبر بسنن الله في الخلق وتأخذ الدروس من تجارب الأمم الأخرى يمكن أن تصل إلى هذا الحضيض الذي وصلت له الدول ذات الأغلبية المسلمة، وهذا ليس بمعايير وقتنا الحالي فقط وما وصلت له الدول الناطقة بالعربية وتلك ذات الأغلبية المسلمة من فقر ومرض وجهل وتبعية وحروب أهلية حتى أصبح الشرق الأوسط وشمال افريقيا وغرب آسيا المناطق الوحيدة التي مازالت تخوض صراعات طائفية وعرقية تنتمي للعصور الوسطى، ولكن أيضا بالنظر إلى وضع هذه الدول أثناء حياة الشيخ محمد عبده والذي توفى عام 1905، فقد احتلت فرنسا الجزائر عام 1830 أى قبل مولد الشيخ بـ 19 سنة، واحتلت تونس عام 1881، وجيبوتي عام 1884، واحتلت بريطانيا لمصر عام 1882، واحتلال عدن عام 1839، والسودان عام 1898، والصومال 1884. هذا على الصعيد السياسي، وأما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي فيكفي الرجوع إلى الجبرتي وما كتبه في وصف أحوال المصريين عشية الحملة الفرنسية على مصر، وما كان يعاني منه المصريون من فقر ومرض وجهل.

ورغم كل ذلك، لم يعتبر الشيخ بسنن الله في خلقه ويُصر على أن الاسلام يختلف عن المسيحية ولا يحتاج إلى فصل الدين عن الشأن العام خاصة شؤون الدولة والشأن العلمي.

 (خامسا ) هدم السلطة الدينية وجعل السلطان أو الخليفة تابعاً للشعب

لا أدري عن أى شعب يتحدث، فمنذ تأسيس دولة الخلافة لم يكن هناك أى دور للشعب في السلطة، لا في اختيار الحكام، ولا في مراقبتهم، ولا محاسبتهم، ولا عزلهم. فمنذ سقيفة بنى ساعدة والتي حضرها مجموعة من الأنصار بقيادة سعد بن عبادة وحضرها ثلاثة من المهاجرين هم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وحتى الغاء الخلافة عام 1924 لم يحدث أن كان للشعب أى سلطة في دولة الخلافة الاسلامية. فأبو بكر جاء ببيعة عمر وأبو عبيدة من الجراح في السقيفة، وعمر جاء بتولية أبو بكر العهد له وانتهى الأمر بقتله، وعثمان جاء نتيجة تشاور 6 أفراد فقط وانتهى الأمر بقتله، وعلى جاء في ظروف مضطربة وحروب أهلية ولم يستقر له الأمر حتى قُتل، ثم جاء معاوية ابن ابي سفيان ليحول الأمر من حكم أوليجاركي في داخل قبيلة قريش يختار قلة منهم، يُسموا أهل الحل والعقد، الحاكم، إلى حكم ارستقراطي وراثي، ينتقل من الأمويين إلى العباسيين إلى العثمانيين بحد السيف، فلا رأى للشعب ولا صوت.

ويقول ابن خلدون عن البيعة في مقدمته “اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازغه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره.” “وكان الإكراه فيها أكثر وأغلب. ولهذا لما أفتى مالك رضي الله عنه بسقوط يمين الإكراه أنكرها الولاة عليه، ورأوها قادحة في أيمان البيعة، ووقع ما وقع من محنة الإمام رضي الله عنه.” فهذا نظام حكم يقوم على الطاعة المطلقة حيث سلم الانسان للحكام النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، في إشارة واضحة إلى تنازل الانسان عن حقوقة الشخصية والعامة للسلطة، فلا ينازعة في شيء وبهذا تنتفي المعارضة تماما ويصبح قيام الحكام باعتقال وتعذيب وقتل المعارضيين السياسيين أمر طبيعي ومتوافق مع نظام الحكم الإسلامي، ولكى تكتمل منظومة الاستبداد الاسلامي لا يكفي الانسان أن لا يعارض الحاكم بل عليه أيضا أن يطيعه في كل الأحوال السراء والضراء، شاء أم أبى. وأخيرا يقر ابن خلدون بأن الإكراه كان هو الغالب على البيعة، مشيرا إلى ما تعرض له مالك بن أنس مؤسس المذهب المالكي في عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الذي أمر والي المدينة المنورة جعفر بن سليمان بالقبض على الإمام مالك ومعاقبته فقام بتجريده من ملابسه وجلده بالسياط وتعذيبه حتى خُلعت ذراعه بحيث لم يقدر بعدها على رفعها إلا بمساعدة ذراعه الأخرى، وكل ذلك بسبب فتواه بعدم وقوع يمين المُكره، والتى تم تفسيرها تفسير سياسي، فبما أن البيعة يمين، فتصبح بيعة الخلفاء باطلة لأنها جاءت عن طريق الاكراه.

ومن يراجع الفقه الإسلامي والكتابات فيما يسمى السياسة الشرعية مثل الأحكام السلطانية للماوردي الشافعي والكتاب الذي يحمل نفس الاسم لأبو يعلى الفراء الحنبلي لن يجد أى دور للشعب في اختيار ومراقبة ومحاسبة وعزل الحكام، فمن الناحية النظرية هذا دور أهل الحل والعقدغير المنتخبيين، وفي الواقع كانت الكلمة الأولى والأخيرة في شؤون الحكم للسيف.

 (سادسا ) مودة المخالفين في العقيدة

عندما نتحدث عن المخالفيين في العقيدة في الاسلام لابد أن نفرق بين أهل الكتاب أو أهل الذمة أو اليهود والنصارى بتعبيرات الفقهة الاسلامي وهم أتباع الديانات الابراهيمية وبين أتباع الديانات الأخرى. فإذا كان اليهود والمسيحيين مواطنون من الدرجة الثانية في الدولة الاسلامية فأتباع الديانات الأخرى مواطنون من الدرجة الثالثة أو الرابعة، في حالة عدم قتلهم، حيث أنهم مخيرون بين السيف والاسلام وليس الجزية مثل أهل الكتاب.

فيقول القرآن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) المائدة/51. ويقول أيضا  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) آل عمران/118.

ويقول القرطبي في تفسيره للأيات: “نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنَ الْكُفَّارِ وَالْيَهُودِ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ دُخَلَاءَ وَوُلَجَاءَ، [يعني: أصدقاء ومقربين ] يُفَاوِضُونَهُمْ فِي الْآرَاءِ، وَيُسْنِدُونَ إِلَيْهِمْ أُمُورَهُمْ ” انتهى من ” الجامع لأحكام القرآن ”  (4 /178 ).

ويقول القاسمي في تفسيره محاسن التأويل، “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ـ أي: لا يتخذ أحد منكم أحدا منهم وليّا، بمعنى: لا تصافوهم ولا تعاشروهم مصافاة الأحباب ومعاشرتهم، قال المهايميّ: إذا كان تودد أهل الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقصد افتتانه عن بعض ما أنزل الله مع غاية كماله، فكيف حال من يتودد إليهم من المؤمنين؟… بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ـ إيماء إلى علة النهي، أي: فإنهم متفقون على خلافكم، يوالي بعضهم بعضا لاتحادهم في الدين، وإجماعهم على مضادتكم، فما لمن دينه خلاف دينهم ولموالاتهم؟ ! وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ـ أي: من جملتهم، وحكمه حكمهم وإن زعم أنه مخالف لهم في الدين، فهو بدلالة الحال منهم لدلالتها على كمال الموافقة…: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ـ يعني: الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفرة.”

ويقول الشيخ الشعراوي في خواطره حول القرآن “ إذن قوله الحق: {لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاءَ} هو حكم تكليفي. وحيثية الإيمان بالله. فما دمت قد آمنت بالله فكل من تقدح أنت في إيمانه بمخالفته لمنهج ربه لا يصح أن يكون مؤتمنًا على نصرتك؛ لأنه لم يكن أمينًا على ما معه فهل تتوقع منه أن يعينك على الأمانة التي معك لا؛ لأنه لم يكن أمينًا على ما نزل عليه من منهج. والولاية نصرة، والنصرة انفعال الناصر لمساعدة المنصور. وهل تجد فيهم انفعالًا لك ينصرك ويعينك، أو يتظاهرون بنصرتك، ولتعلموا أنهم سيفعلون ما قاله الحق: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا} [التوبة: 47]. إنهم لو دخلوا في صفوفكم لفعلوا فيكم مثلما يفعل المنافقون، فما بالنا بالذين خانوا أمانة الكتب المنزلة عليهم؟ إذن فالموالاة والنصرة والمعونة يجب أن تكون من متحد معك في الغاية العليا. وما دام هناك من يختلف مع الإسلام في الغاية العليا وهي الإيمان فلا يصح أن يأمنه المسلم.”

فهذه آيات وأقوال مفسريين تؤكد على رفض مودة اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الأديان، وأقصى ما ذهب له المفسرون هو جواز المعاملة ولكن دون شعور بالمودة أو الحب أو الصداقة، وفي فتاوى تحريم تهنئة غير المسلمين التى اشتهرت هذه الأيام، وفتاوى النجاسة المعنوية للمسيحيين التى صدرت عن شيوخ بالأزهر ما يؤكد على خطأ ما يقوله الشيخ.

 (سابعاً ) الجمع بين مصالح الدنيا والأخرة.

الشعار الذي مازال يتردد حتى اليوم ونسمع صداه في شعار الإخوان المسلمين الانتخابي “الإسلام هو الحل” فهى رؤية الإسلام السياسي أن الإسلام يحمل الحل لمشاكل الدنيا ويقود الإنسان إلى الجنة في الأخرة، وبهذا يصبح الفصل بين الإسلام والدولة فصل لا معنى له بل هو فصل مدمر للدنيا والأخرة. فعندما تبعد الإسلام الذي يحمل الحلول للمشاكل السياسية والاقتصادية والإجتماعية التي يعاني منها المجتمع فأنت بالضرورة تدمر هذا المجتمع ليس فقط بمنع الدواء عنه في الدنيا، ولكن أيضا بتعريضه للعذاب في الأخرة بسبب الابتعاد عن منهج الله وشريعته.

ما لم يدركه الشيخ ومن بعده الإخوان المسلميين أن كل الأديان التي مارست السلطة الدينية كانت تحمل هذا الشعار، أن دينها يجمع بين مصالح الدنيا والأخرة. فعندما كانت الكنيسة الكاثوليكية تحكم قبضتها على السلطة في أوربا وتتحكم في الملوك والأمراء فقد كان الهدف هو صالح هذه المجتمعات في الدنيا والأخرة لأن الكنيسة كانت تعتقد أيضا أن “المسيحية هى الحل”، وهذا ما يعتقده أيضا اليهود عبر التاريخ والهندوس في وقتنا الحالي.

الخاتمة

انطلق محمد عبده في رفضه لفصل الدين عن الدولة من منطلق أن العلمانية قد ظهرت في السياق الأوروبي المسيحي وهذا طبيعي بسبب الأسس التي تقوم عليها العقيدة المسيحية ما يجعل خلطها بالدين أمر مضر بالمجتمع، فكان لابد من الفصل بينهما. بينما عند محمد عبده يختلف الإسلام تماما عن المسيحية وبالتالي لا حاجة لفصله عن الدولة، بل على العكس يرى محمد عبده أن فصل الإسلام عن الشأن العام في المجتمعات الإسلامية أمر مضر.

وقد بينت خطأ هذا التصور الخاص بأن الإسلام يختلف عن المسيحية فالدينين متشابهان إلى حد كبير جدا، وبالتالي تصبح المجتمعات الإسلامية بحاجة إلى فصل الدين عن الدولة تماما مثل المجتمعات الغربية في القرن 17.

ولكن الملاحظ أيضا أن خطاب محمد عبده هو نفسه خطاب جماعة الإخوان المسلمين ومن يسموا أنفسهم إسلاميين مستنيريين.

 

 

بقلم الدكتور يونس العمراني



2407

0






 

 

 

 

 

 

 

 
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم

اضغط هنـا للكتابة بالعربية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقك على الخبر
* كاتب التعليق
* عنوان التعليق
  * الدولة
* التعليق
  * كود التحقق



عن الثورة و الشعب، 'رؤية غير عاطفية'

الجزائر والفوضى الخلاقة في الصحراء الكبرى

السلفية موقف مرتبك من الديمقراطية

وآآآ بنكيران

العدل والإحسان تفشل في تطهير الشوارع بالدماء

المغرب في العالم العربي اللحظات الجوهرية

فضائح أخلاقية تهز عرش الخلافة الحالمة على مشارف سلا أو السويسي

العدمية و أخواتها

الدكتاتورية (الخلاقة) ل20 فبرايرمن أجل الديمقراطية

فواصل الأيام

مفهوم الفلسفي والإسلامي - التنوير -





 
القائمة الرئيسية
 

» الرئيسية

 
 

»  الجديد بالموقع

 
 

»  صحافة و صحافيون

 
 

»  الحياة الاجتماعيةوالسياسية بالمغرب

 
 

»  كتاب الرأي

 
 

»  أركان خاصة

 
 

»  كتب و قراءات

 
 

»  حول العالم

 
 

»  موجات و أحداث

 
 

»  صوت وصورة

 
 

»  الحياة الفنية و الأدبية والعلمية

 
 

»  دبلوماسية

 
 

»  كاريكاتير و صورة

 
 

»  أحزاب نقابات وجمعيات

 
 

»  جولة حول بعض الصحف الوطنية و العالمية

 
 

»  دين و دنيا

 
 

»  صحة، تربية و علم النفس

 
 

»  ترفيه

 
 

»  أعلام مغربية

 
 

»  ثقافات ...

 
 

»  اخبار عامة

 
 

»  ذاكرة

 
 

»  القسم الرياضي

 
 

»  الطبخ المغربي

 
 

»  الموارد النباتية بالمغرب

 
 

»  منوعات

 
 

»  مختارات

 
 

»  تكنولوجيا علوم واكتشافات

 
 

»  عدالة ومحاكم

 
 

»  تاريخ فلسفة وعلوم

 
 

»  

 
 
كتاب الرأي

علم الاقتصاد وعلاقته بالعلوم الاخرى


كيف بدأت الحياة على الأرض ومتى بدأت


اختصاصات رئيس الحكومة في القانون المغربي رئيس الحكومة


تعريف نظام الحكم في المملكة المغربية الشريفة


الشباب المغربي.. أرقام صادمة ومستقبل مقلق

 
صحافة و صحافيون

الكحص: هذا الفيديو القديم..!


أخشى أن يصبح الحقد مغربيا


المغرب والخليج بين ثورتين


هل سَيَسْـتَـرِدُّ الشعبُ الجزائري سُلْطَـتَهُ التي سَرَقَـتْهَا منه عصابة بومدين يوم 15 جويلية 1961


ماهية الثّورة التي تسْتحِقّ شرَف لقبِها؟


الشرعي يكتب: الهوية المتعددة..


كيف نشكّل حكوماتِنا وننتقي وزراءَنا ونطوّر دولتَنا؟


منظمة تكتب رواية مائة عام من العزلة... ترهات جديدة على هامش قضية "أبو حجرين"


باحث يكذّب (ابن بطّوطة) بخصوص زيارته لبلاد (الصّين)


الكلاب تعرف بعضها... مدير موقع "هسبريس" يتكلبن في الإمارات


ملحوظات_لغزيوي: متفرقات من منطقة متفرقة!

 
تاريخ فلسفة وعلوم

الإسلام السياسي المفهوم والدلالات

 
الجديد بالموقع

الأمير هشام العلوي: من لا يقبل قمم الجبال يعش دائما بين الحفر..


أي شيء مُهْـتَرِئٍ و"بَالِي" أكثر من عصابتين في الجزائر :عصابة المرادية وعصابة الرابوني


مِنَ الظُّلم لتاريخ الجزائر الحديث اعتبارُ الذين اغْتَصًبُوا السُّلطة فيها ( نِظَاماً ) فَهُمْ مُجَر


حقائق حول قضية الصحراء المغربية تصيب حكام الجزائر والبوليساريو بالجنون


السعودية وسياسة نقيق الضفادع المزعج


أندية المعارضة


ملف الصحراء وما يحمله من تهديد خطير للأمن القومي المغربي


(ع.ن) مرحاض متنقل في خدمة الجماعة


تأملات في ظلال الطواحين الحمراء


معالم في طريق البناء: من "نظرية الحاكمية" إلى "الخمار والبيكيني"


بين الأب عبد السلام ياسين والأم تريزا


جريمة امليل: المنهج الإخواني في إدارة التوحش وبسط النفوذ


الشمهروشيون والشمهروشيات.. بعضهم أولياء بعض


نصف دستة من الديمقراطيين في ضيافة الإسلاميين.. ومنيب بين أنياب الخميني!


كائنات انتهازية حاولت الركوب على قضية بوعشرين


مافيا الكوكايين الحاكمة في الجزائر تضع تطبيع العلاقة مع المغرب مقابل تسليمهم الصحراء المغربية


جون بولتون الأمريكي هو"سوبرمان" الشبح الذي يتعلق به البوليساريو ليطرد لهم المغرب من الصحراء


الجزائر تشتري منتوجات من الخارج وتبيعها للأفارقة بالخسارة حتى يقال بأنها تغزو إفريقيا كالمغرب


هل يحلم حكام الجزائر والبوليساريو أن يقدم لهم المغرب صحراءه المغربية على طبق من ذهب ؟


لماذا أغلقت مفوضية الاتحاد الأوروبي الباب في وجه البوليساريو أثناء مفاوضاته مع المغرب؟


المعطي و”التشيار” الأكاديمي بالأرقام الغرائبية !!

 
الأكثر مشاهدة

التهاب السحايا أو المينانجيت.. الوقاية لتجنب الوفاة أوالإعاقة


فضيحة جنسية جديدة تهز جماعة العدل والإحسان


أقوال مأثورة.


غلام زْوَايْزُو العدل والإحسان رشيد الموتشو في بوح حقيقي


خبر عاجل: العدل والإحسان تصدر بيان مقاطعة الدستور ومقاطعة الزنا حتا هوا وحتا هيا


"العدل والإحسان "هاذي كذبة باينة


قيادة العدل والإحسان بين تجديد الوضوء وتجديد الخط السياسي


عبدة الفرج المقدس ودقَايقية العهود القديمة: كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون


هؤلاء أعداؤك يا وطني :وانتظر من أركانة المزيد إن شاء الله وليس المخزن كما سيدعون


طلاق نادية ياسين:حقيقة أم إشاعة أم رجم بالغيب


هوانم دار الخلافة في نفق أُكِلْتُ يَوْمَ أُكِلَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ


لن ترض عنك أمريكا حتى تتبع ملتها،وشوف تشوف


صحافة الرداءة تطلق كلابها على العدل والإحسان


كلام للوطن


فضائح أخلاقية تهز عرش الخلافة الحالمة على مشارف سلا أو السويسي


في فقه الروكي وسلوك الحلاّج - 1-


هشام و حواريوه،مقابل ولدات المغرب الاحرار


إذا اختلى عدلاوي بعدلاوية متزوجة بغيره فثالثهما المخابرات!!!

 
 

*جميع المقالات والمواضيع المنشورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها وليس للموقع أي مسؤولية إعلامية أو أدبية أو قانونية

 شركة وصلة