لا يسعنا سوى التنويه بالوجه الحضاري والسلمي الذي تتخذه التعبئة الشعبية في الجزائر. أنزل النظام الملايين للشوارع، عبر إعادة ترشيح بوتفليقة لعهدة خامسة، وهو ما اعتبره الجزائريون إهانة لشعب يهيمن على تركيبته السكانية الشباب دون سن الأربعين. الاحتجاجات الحالية تجاوزت عتبة النظام السياسي، لتضرب بعرض الحائط نظاما ريعيا راكم فيه الكثيرون أموالا طائلة.. من لاشيء.
الحراك الجزائري يشترك في خاصية معينة مع باقي الحركات الاحتجاجية التي برزت في الجوار خلال السنوات الأخيرة. المحتجون في الجزائر يرفضون كل أشكال الوساطة، بما فيها أحزاب المعارضة. وإذا كانوا راغبين في تفادي حالة الفوضى، فلا بد من خوض فترة انتقالية، تقتضي بدورها مفاوضات. وهنا مكمن الإشكالية، حيث سيصبح مفروضا على الجزائريين التوافق حول وجوه مقبولة من كل فئات الحراك لتمثيلهم.
الشباب في الجزائر ضاق ذرعا من غياب الديمقراطية،وضاقوا أكثر من عملية النهب الممنهج،الممارس بحماية،وبتشجيع منجبهة التحريرالوطني. لكنهم أيضا لا يثقون في وجوه المعارضة، على اعتبار أنهم يمارون النظام كثيرا. وكما أن تأخر الحراك الشعبي في الجزائر في التشكل ضمن بنية واضحة، تنتج أطرا وممثلين، لن يكون مجديا للاستجابة لتطلعات الجزائريين، فإن انعدام الثقة في النخب، الذي بلغ ذروته وكرسته سنوات طويلة من الممارسات المشبوهة، لن يكون مفيدا لوحده في بناء المستقبل دون بديل ديمقراطي.
في المغرب، يتشابه تدني منسوب الثقة في المؤسسات المنتخبة، والوساطة الحزبية والنقابية مع ما يحدث في الجزائر، حتى وإن كنا في سياق سياسي مختلف تماما.
الهيئات الشبابية، التي كانت سابقا خزانا للأحزاب، تعاني اليوم من الهزال المزمن. نسبة المشاركة في الانتخابات ضعيفة جدا، في الوقت الذي ينأى ال6 ملايين مغربي الذين بلغوا سن التصويت بأنفسهم عن تجشم عناء التسجيل في القوائم الانتخابية، وشعور العزوف عن الذهاب لصناديق الاقتراع يتعاظم. منظمو اللقاءات الحزبية يضطرون أحيانا لتقديم المال للحضور من أجل ملأ القاعات.
إننا نعيش فعلا زمن البؤس السياسي.
لا يجب تلخيص الأزمة فقط في ضعف البرامج الانتخابية، وافتقادها الصارخ للإبداع.. بل في تضائل منسوب الثقة في السياسيين.
في زمن الشفافية، «تنافس» موظفون تحولوا إلى مليارديرات مباشرة بعد خوض غمار تجربة سياسية، وانتهازيون أقزام يقتاتون من التحالفات المافيوزية، في إسقاط آخر أوراق التوت عن الطبقة السياسية لدى الشباب بشكل نهائي.
والمفارقة أن المغرب شهد بروز قامات سياسية مهمة كرست حياتها للشأن العام، ودافعت عن أفكارها، ثم رحلت عن هذا العالم دون أن تورث أبناءها أملاكا مادية.. عبد الله ابراهيم، عبد الرحيم بوعبيد وعلي يعتة، وآخرون.. كانوا من هذه الطينة.
على السياسة أن تستعيد توازنها، من خلال استقطاب وجوه مستعدة لخدمة بلادها، دون أن يحركها هم الاستفادة الضيق، وأن تسمع لنبض الشعب وأن تجيب على أسئلته الحارقة عبر مقترحات واقعية.
تدني منسوب الثقة الحالي يضعف المؤسسات ويرخي بظلاله على المستقبل. ما يحدث في الجوار يذكرنا بهذه الحقيقة. وسيكون ضربا من الانتحار استمرار الوضع على ما هو عليه.