ذات مرة و انا اشاهد احدى لقائاته و هى تلخص ما نحن فيه من مشاكل فالناس كلها تنظر للغرب و للدول المتحضرة بصفة عامة و تقول يا سلام على النظافة والنظام و الحضارة و لا احد ينتبه الى ما جعل هذه الدول بهذا النظام و الرقى فالعرب (اغلبهم ) يريد الحضارة دون الاخذ بمسبباتها و دون النظر الى المقومات الحضارية التى جعلت هذه الدول بهذه المكانة و التى يموت شبابنا فى عرض البحر فى سبيل الوصول اليها، و من هنا يمكننا تلخيص مشكلتنا فى غياب الرابط ما بين الحضارة ومسبباتها.
فالحضارة لها عدة مقومات نعرفها بناء على تجارب الدول المختلفة فى سبيل نهضتها الحضارية، فبعضها وصل للحضارة و الرقى بالفعل و الاخرين تعثروا و سقطوا لانهم لم يتخذوا نفس نهج الدول التى وصلت لتلك للحضارة، و اهم هذه المقومات التى لا غنى عنها برأيى هى اربعة مقومات اساسية و يمكننى تسميتها بالأساسات التى تبنى عليها الحضارة.
العلمانية
نعم فالعلمانية مقوم اساسى للدول المتحضرة شئنا ام ابينا، هذه العلمانية التى ما ان يتردد ذكرها على سمع اغلبنا الا و اصابته حالة من الارتكارية لان التيار المضاد لها قد صورها لنا بصورة بغيضة و غير صحيحة بالمرة فالعلمانية لها عدة تعاريف اشهرها هو فصل الدين عن الدولة (و ليس فصل الدين عن الحياة او عن الناس و الاشخاص ) و لكن عن الدولة اى ان الدولة تعامل جميع مواطنيها بمختلف اديانهم و عقائدهم و انتمائاتهم و اجناسهم و اعراقهم و الوانهم على اساس المواطنة و المساواة التامة بينهم و لا تتدخل الدولة برعاية دين معين او عقيدة معينة و لا يصرف من خزانة الدولة قرشا واحدا لحساب اى دين ايا كان بل تكون العقيدة هى حرية شخصية مطلقة للمواطنين ولا يحق لأحد التدخل بخياراتهم الدينية ايا كانت و لا منعهم من ممارسة شعائرهم الدينية و لا حثهم على ممارستها و معاقبتهم على تركها.
تعريف آخر قاله الفيلسوف سبينوزا وهوان العلمانية (هى التفكير فى النسبى بما هو نسبى و ليس بما هو مطلق ) فأنت عندما تفكر بالامور الدنيوية يجب ان تفكر بها بنسبية لان كل شئ فى عالمنا فى واقع الامر هو نسبى و متغير و يجب التعامل معه حسب المعطيات المتوفرة لديك فلكل عصر و لكل مكان الظروف التى يجب مراعاتها و لا يجب التعامل مع تلك المعطيات على انها مطلقات لان عالمنا و ظروفنا هى ظروف متغيرة بإستمرار و بسرعة.
الليبرالية
ثانى عنصر او ثانى اساس من اساسات الحضارة هى الليبرالية و التى اعتبرها رافد من روافد نهر العلمانية و الليبرالية تعنى الحرية و التى يجب عدم المساس بها نهائياً و لكن كيف وهذه الكلمة هى الاخرى تصيب قطاعا كبيرا من مواطنى دولنا الشرق اوسطية بما يشبه الهيستيريا فليبرال تعنى الحرية و بمعنى ادق حرية الفرد (على الا يؤذى غيره ) و لكن ما ادراك كيف يستقبل المواطن العربى كلمة الحرية فأول ما يتبادر الى ذهنه هو الجنس ثم الجنس ثم الخمور و المسكرات ثم القمار و العرى الخ… مع ان الليبرالية معناها اوسع و اشمل من هذا بكثير فهى ببساطة ان تعيش كما تحب و تترك غيرك يعيش كما يحب و كما يقول من سبقونا بالحضارة-Live & let live-اى وكما قلنا مسبقا عش حياتك كما تحب ان تعيشها و اترك غيرك يعيش حياته كما يحب و يرغب شريطة الا يؤذى احدكما الاخر و على ان تنتهى حريتك عند حدود حرية الآخرين .. بمعنى انه بأى دولة متحضرة يمكنك ان تجد تنوعا كبيرا جدا من الناس بمختلف الاديان و الطوائف و الالوان و الاجناس و التوجهات الجنسية و الفكرية و لكنك لن تجد احدا يعتدى على حرية الآخر فمثلا بكندا و امريكا تجد تنوعا كبيرا فى الاعراق و الاديان و الالوان و لا احد يتطاول على الآخر او يهينه وإن حدث يعاقب بشدة ولا تعتبر الدول التى تقبل التعدد ان هناك مشكلة ما بهذا التنوع بل يعتبرونه مصدر قوة لدولهم و إثراء لثقافتهم فيتقبلون المختلف بكل اريحية طالما انه لم يفرض عليهم شيئا فهذه الدول لا تشجعك لكى تكون متدينا او منتميا لاى دين و لا ايضا تشجعك لتترك ايمانك بفكرة ما اودين ما ولكنهم تركوا لك الخيار ولا يهمهم خيارك و لكن ما يهمهم هو ان تكون شخصاً ناجحاً و فاعلاً بمجتمعاتهم و الا تكون مخرباَ لها او تحث و تحرض على تخريبها و هذا هو جل ما يهمهم اما توجهك الدينى او الجنسى او الفكرى فلا يهمهم فى شئ.
نظام تعليمى قوى و بحث علمى جاد.
بلا اى مقدمات فلا امل ولا بصيص من نور دون تعليم جيد و بحث علمى جاد فكل الامم التى عرفت و قدرت قيمة العلم تقدمت وكل الامم التى ولت ظهورها للعلم اصابها ما اصابنا تماما فبدون قاعدة تعليمية جيدة ممثلة فى نظام التعليم المدرسى و الذى يمهد للطلاب طريقهم الى الجامعات التى ينشدونها فلا امل فى تعليم جامعى من الاساس و حينما نؤسس لتعليم مدرسى جيد بمناهج و طرق و اساليب حديثة تواكب العصر نستطيع ان نقول ان التعليم الجامعى يمكن ان يقوم بدوره و لكن و بالتأكيد بعد ان يتم تحديثه هو الآخر و بعد ان يتوافر بجامعاتنا و مختبراتنا بحث علمى حقيقى و ترصد له ميزانية لا تقل عن ميزانية اهم المرافق بالدولة ومن هنا نستطيع ان نقوم بثورة فكرية و علمية حقيقية.
وجود معارضة حقيقية.
لا يمكن لاى شخص ان يعمل فى عمل لا يملكه دون وجود رقيب فالرقابة على العمل و السؤال الدائم عن ما تم انجازه و محاولة الحث على الافضل دائما و انتقاد الاخطاء و المساوئ هى السبيل الوحيد لتقويم اى شخص قائم بعمل ما لا سيما ان كان القائم على هذا العمل هو الرئيس او الملك او النظام الحاكم فبإعتبار ان القائمين على الحكم هم موظفون بمناصبهم فيجب محاسبتهم و قياس ادائهم طوال فترة وجودهم بالحكم ومحاسبتهم اذا ما قصروا او تجاوزوا.
وبالختام اقول انه دون هذه المقومات و الاساسات الاربع لا يمكن ان ننتظر اى تقدم كما انه لا يجب علينا الالتفاف على اى مبدأ من هذه المبادئ ظنا منا اننا سنجد طريقا اخراً للتقدم او انه يمكننا الاستغناء عن احدى تلك المبادئ او استبدالها بمبدأ آخر فلقد تمت تجربة هذه المبادئ من اليابان شرقاً الى امريكا غرباً و نجحت نجاحاً مبهراً كما انه تمت تجربة الكثير من الانظمة الاخرى (التى لا تعتمد المقومات الاربع اساساً لها ) من كوريا الشمالية شرقا الى باكستان غرباً و فشلت فشلا ذريعا و مدوياً، بإختصار هذه المقومات او الاساسات الاربعة هى مثل الـ Package اى الرزمة او الحزمة التى لا يمكن الانتقاء منها او التبديل فيها.
سكينة عشوبة طالبة وباحثة