الجميع مقتنع بها اليوم: أفضل طريقة يملكها حزب «العدالة والتنمية»، للدفاع عن حصيلته الحكومية في الولايتين اللتين عبرهما ولازال يعبرهما، هي أن يشكك في الانتخابات المقبلة من الآن.
أفضل طريقة لتحويل الأنظار وتفادي الإجابة على السؤال الواضح والقاسي: ماذا غيرتم في حياة المغاربة؟ هو أن يخرج الرميد والداودي والبقية لكي يقولوا لنا قبل الانتخابات بسنتين إنهم الفائزون بها إلا في حالة واحدة: أن تتعرض للتزوير وألا تكون المنافسة فيها نظيفة وأن يتم تفضيل خصومهم الحزبيين الآخرين عليهم، سواء تعلق الأمر بالاستقلال، أو التجمع، أو بأي منافس آخر قادر على هزمهم على الأرض وعبر الصناديق.
هذه الحكاية معهودة لدى التنظيم الدولي الذي يتحدر منه «العدالة والتنمية». ومع أن الأهل في هذا الحزب يقولون لنا باستمرار ألا انتماء تنظيمي يجمعهم بالتنظيم الدولي، ومع أننا نعرف أنها الحقيقة، إلا أننا نعرف أيضا أن الانتساب الروحي غالب على الانتساب التنظيمي الفعلي، وأن بعض التحركات تتشابه في كل الأقطار التي يصل فيها التيار الإسلامي أو الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية (لكأن الأحزاب الأخرى ذات مرجعية بوذية أو مجوسية في بلاد أغلبيتها مسلمة) حين الانتخابات.
لا يملك التيار الإسلامي لكي يصل إلى الحكم إلا شعار «الإسلام هو الحل» في البدء، وهذا الشعار تم تحويره وتطويره حسب المستجدات والدول، إذ أصبح في نهاية المطاف «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت». ودائما، وعبر المتن القرآني، وعبر اللعب على الوتر الديني الحساس والمتقدم لدى شعوبنا، يجد هذا التيار طريقة أو أخرى لخداع ناخبيه، ولإيهامهم أنه يعبد الله عبر الصناديق الانتخابية، وأنه يواصل هاته العبادة عبر تدبير شؤون الناس بما يرضي الله، علما أن الحكاية في البدء وفي المنتصف وفي المتم سياسية ولا علاقة لها بدين، لكنها الخديعة الأولى.
بعد ذلك وعندما يصل التيار الإسلامي أو الحزب ذو المرجعية الإسلامية إلى الحكم أو الحكومة - ودائما حسب البلاد التي هو فيها - يعتقد جازما أنه أتى لكي يبقى.
هو لا يتصور أن التداول على السلطة موجود، وهو مقتنع بأنه الحزب الوحيد القادر على إقناع الناس بالتصويت عليه، وهو مؤمن - مثل كل الأحزاب اليمينية المتطرفة- أن الآخرين كلهم فاسدون tous pourris)) وأنه وحده الأصلح.
وحتى عندما يتورط التيار الإسلامي، أو التيار السياسي ذو المرجعية الإسلامية في قضايا فساد تشبه ما لدى الأحزاب الأخرى، ويجد نفسه ملزما بالإجابة على تساؤلات الناس حول هذا التناقض يجد الطريقة المثلى للخروج من المأزق باعتناق منطق المؤامرة أولا وتعرضه للاستهداف، وعندما لا تنجح هاته الطريقة يلجأ لاختلاق الأعذار والتبريرات الواهية التي لا يجدها للآخرين، لكنه يعثر عليها بسهولة عندما يتعلق الأمر به وبأعضائه، وفي المرحلة الثالثة يتخلص من المتورط أو المتورطة في هذا الشأن الفاسد ويقول إنه كان مندسا عليه وكفى.
عندما يخسر التيار الإسلامي السلطة، أو عندما يبدو له أنه بصدد فقدانها، وأن أيامه في الكراسي أضحت معدودة الخطة هنا أيضا تتشابه في كل مكان يعبر منه هذا التيار المبني على الشعار الديني: التشكيك في كل شيء حتى في اللعبة الديمقراطية التي أتت به هو أول الأمر إلى الحكم أو الحكومة.
فجأة يصبح الكل فاسدا، والكل متواطئا، والكل راغبا فقط في إفساد هاته التجربة الإسلامية الرائدة وإجهاضها، وفجأة يتحول كل خصوم هذا الحزب أو التيار السياسيين إلى أعداء للدين، وإلى شياطين همها المصلحة الخاصة، وتريد الاستيلاء على البلاد، وتزاوج بن السلطة والمال وتمتلك مشاريع عملاقة لابتلاع المكان.
لا يمتلك التيار الإسلامي أو الحزب ذو المرجعية الإسلامية القدرة الكافية على التنسيب، أو التعامل مع الشأن السياسي بعقلانية لأن هاته الكلمة لا تدخل ضمن قاموس اقتناعاته ولا قاموس ممارساته
هو أصلا يصل إلى الحكم أو الحكومة بشعارات غيبية (من الغيب) جماعية مشتركة بين الناس يخوصصها وتصبح ملكا له بدءا من أركان الدين الأولى من المسجد والحج والصلاة والزكاة وصوم رمضان وبقية الشعائر الدينية، وحتى أصغر أو أكبر شيء يهم المرء في ذاته أو في علاقته مع الآخرين.
يحكم هذا التيار اعتمادا على تطويع هاته الشعارات لكي تصبح مشتغلة لديه وفي خدمته عوض العكس، أي عوض أن يكون هو خادمها. وعندما تنتهي «السبعيام» الشهيرة «ديال الباكور»، ويفهم الناس/الناخبون المقلب، ويستوعبون أن الشعار لا يمكنه أن يغير حياتهم، وأنهم ملزمون بالعثور على أكفاء حقيقيين يسيرون الميادين التي يتكلفون بها بمنطق الكفاءة لا بمنطق الحزبية والعبادة عبر الصناديق، يعود التيار إياه إلى طريقة تعامله الأولى والأساسية في الحكاية كلها: التشكيك مجددا و«لاعبين ولا محرمينها».
البعض يسمي هذا الأمر ابتزازا، والبعض الآخر يعتقده طريقة للي الذراع، وبعض ثالث يقول إنه التعامل مع الدول بمنطق الرهائن، فيما البعض الرابع يكتفي - مثل حالاتنا - بمعاينة الخسائر، والتحسر على عديد الأخطاء التي أنتجت كل هذا الهراء وانتظار ما ستأتي به الأيام القادمة وكفى...
المختار لغزيوي