والله ثمّ والله لو كان (العُبَيْديون) هم من يحْكم (المغرب) عند الهجمة الصّليبية، لـمَا انتصر (المغاربةُ) في معركة (وادي المخازن) قرب (القصر الكبير).. فالصليبيون كانوا قد أعدّوا خطّتهم، وأرادوا أن يبدؤُوا من (المغرب) لتطويق العالم العربي من عُنُقه، ثمّ يواصلون زحْفَهم عبْر شمال إفريقية نحو الشرق، لكنّ المغاربةَ الأشاوس، كانوا لهم بالمرصاد، وحطّموا خُططَهم، وخيَّبوا آمالهم، وعاد الصّليبيون يجرّون أذيالَ الخيبة من (بلد النبلاء) كما يُلَقِّب المؤرّخون (مغربَ) الشُّجعان.. هؤلاء المغاربة الذين ينكّل بهم اليوم التجارُ، وأصحابُ سياسة العار والشّنار، هم مَن طرد (العُبَيْديين) من بلدهم (المغرب)، وضربوهم على قفاهم، وخلّصوا البلادَ من شرورهم، وبَذْخِهم، وعنصريتهم، حيث كانوا يوظّفون غَيْر المغاربة في المناصب، ويُنَصّبون أزلامهم، والموالين لهم في الوزارات، والإدارات، ويُثْقلون كاهلَ المواطن بالضرائب، ويلهبون الأسعار، ويُجْهِزون على مصادر العيش، ويتحكّمون في العبادات، ويشنقون من أجلها المسلمين المغاربة، كما حدث في مدينة (سلا) ذات يوم.. ولكنّ (المغرب) سقط اليوم في أيدي أشباه (العُبيْديين)، لا من حيث السياسة المتّبعة، ولا من حيث البذْخ، والمكاسب، ولا من حيث توزيع المناصب، ولا من حيث ضرب مصادر العيش في البلاد؛ ثمّ لا فرق بيْن (العُبيْديين) و(البيجيديين)..
فالطريقة التي استولى بها (العُبيْديون) على المغرب، هي نفسُها الطريقة التي تولّى بها (البيجِيديون) حُكْمَ البلاد، وكلّهم اعتمدوا الكذب بالدّين.. فـ(العُبيْديون) ادّعوا قرابتهم لـ(فاطمة الزهراء) رضي الله عنها، و(البيجيديون) ادّعوا (الدعوة إلى الله)، وكلّهم كذَبة بلا شكّ.. لـمّا قامت الدولةُ (العُبَيْدية) في المغرب، كان من أنصارها السَّذجُ، والمغرّرُ بهم بواسطة الدين، مثْلهم مِثْل المغرّر بهم مِمّن ثاقوا بحكومة (البِيجيديين)، فساندوهم، ومنحوهم أصواتهم، ولا سيما قبائل (أحزاب) المذلّة التي والتْهم، وتحالفتْ معهم.. فكما ساندت قبائلُ (العُبَيْديين) منذ قيامهم على أيام (عبيْد الله المهدي)، ساندتْ قبائلُ (أحزاب) الرّدة (البيجيديين) أيام (خليفتهم) الأوّل (بنكيران)، ولـمّا تأيّدَتْ دولتُهم، اتّخَذ (العُبيْديون) بطانتَهم من هذه القبائل المغرّر بها، وجعلوهم من أهل الدولة، وأوّل مَن فعل ذلك (أبو عبد الله الشيعي)، وظلّوا كذلك في خلافة ابنِه (القائم بأمر الله)، وهو ما فعله (البيجيديون) بقبائل (أحزاب) الرّدة، والمذلّة، التي أيّدتْ حركتَهم أيام خليفتهم (عبد الإلاه بنكيران) الذي جعل منهم هو كذلك بطانتَه مثْل أتباع (الزاوية ستالينية) مثلاً؛ وظلّوا كذلك في خلافة خلفِه (سَعْد الدّين العثماني).. وإذا كان (العُبَيْديون) قد قلّدوا (العبّاسيين) في نظام حكوماتهم، فإن (البيجيديين) قد ساروا على سياسة (الاشتراكيين)، إلاّ ما يتعلّق بالدّين؛ فإذا كانت حكومة (الاشتراكيين) قد وضعتْ قانون (المغادرة الطّوعية) في التعليم، فإنّ (البيجيديين) قد وضعوا قانون التوظيف بالعُقدة، وخصموا الثلثَ من تعويضات المتقاعدين، وسمحوا بتعدُّد تعويضات المسؤولين والنواب، واكتسحتْ شراذِمُهم أرضَ الوطن، واستولوا على الجهات، والبلديات، والقرويات، وعاثوا في البلاد فسادًا وكسادًا.
عمل (العبيْديون) على ربْط السياسة بالدين، وهو ما قام به (البيجيديون).. لقد كان (يعقوب بنُ كِلْس) هو من خدمَ (العبيْديين) بفكره، وأشاع المذهب الشّيعي في البلاد، وأعلى من شأن فقهائه، وهو ما فعله كذلك (البيجيديون) حيث رَوّجوا بواسطة فقهائهم للأفكار الإخوانية، والوهّابية، والتّيمية المجسِّدة للذات الإلاهية.. وقد تشابهَ (البيجيديون) في بَذْخِهم مع (العُبَيْديين)؛ فبعْد (البيصارة) في (باب الحدّ)؛ وركوب سيارة (كانغو) الرّخيصة، بدأ عهدُ الوسائل غالية الثمن، والتفكيرُ في شراء (الڤيلاّت)، كما شيّد (العبيْديون) القصور، والبيوتات المرصَّعة للزّينة في مجالسهم.. وكما انتشر الفسادُ، وزواجُ المتعة، كذلك فعل (البيجيديون) حيث شاع الزّنا، والغرامُ، والمضاجعات على شواطئ البحر، وإظهار السّيقان، وجغرافية الأجساد في الشوارع قبالة (Le Moulin rouge) في (دار الفاسقين)، يعني (باريس).. فصرتَ ترى الشيخ، وقد ظهرتْ صلْعتُه، يعيد عصْر شبابه في سريره مع بُنيّة في سنّ ابنته، ثم (لا تَلُمْ عاشقًا لعلّكَ تُبْلى!).. كان المواطنون في عهد (العُبيْديين) يشْكُون الضيقَ بسبب ارتفاع الأسعار، وكثرة الضرائب، في وقت كان فيه آخرون يعيشون في بحبوحة، ورفاهية، وصلتْ حدَّ التبذير.. هو الوضع نفسُه الذي يعيشه المواطنون في عهد حكومة (البيجيديين)، وقد تجرّؤُوا على ضرْب أبسط الحقوق في هذه البلاد، ثمّ لا أملَ يلوح في الأفق، لأنّه لا أحدَ يعرف ما وراء الـمُنْحنى؛ بل يُعْتَقَد أنّ هذا الوضع سيدوم، ثم والله إنهم لواهِمُون؛ فـ(البيجيديون) يَسيرون بالبلاد نحو مستقبل لا بارقة من أملٍ فيه، ثم خاب من ظنَّ أنّ (العثماني) سيقدّم البلاد؛ كلاّ! إنّه والله لأفرَغُ من بطْن (أمّ موسى)؛ هذه هي الحقيقة!