كان يوما حزينا، قاسيا، مؤلمًا، ثقيلا كالهم على القلب. كانت الجمعة الماضية أكثر بكثير من قدرة الإنسان السوي على التحمل، وذلك الإرهابي العنصري يقصد مسجدين في نيوزيلاندا لكي يردي حوالي الخمسين مؤمنا قتلى دون أي ذنب جنوه.
تذكر العديدون آلام المؤمنين في الكنائس، حين يضع جبان حقيبة متفجراته ويهرب تاركا للدماء أن تحمل توقيعه الكريه
تذكر العديدون مذبحة شارلي إيبدو، يوم اغتال نفس الجهل الأعمى خيرة رسامي الكاريكاتير في فرنسا وهو يتوهم أنه ينصر الدين وينتقم للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الذي لايحتاج نصرة الجهالة العمياء هاتهتذكر العديدون الأبرياء الذين يسقطون يوميا في العراق وفي أفغانستان، وفي إيران وفي كل مكان يعتقد فيه الجهل الأعمى أنه سيحل كل مشاكل الكون بهاته الطريقة الموغلة في الوحشية أي القتل.
تذكرنا جميعا دماء بريئة كثيرة سالت في غير مامكان، وتأكدنا مرة أخرى لن تكون الأخيرة أن الدين لايقتل لكن الجهل سفاحا
نتبه بعضنا، وقد كان في أوقات سابقة يجد بعض التبرير المرعب للقتل حين لايمسه هو، أو حين لايمس طائفته أو دينه أو بلاده أو أقاربه، (انتبه) إلى أن القتل ليس موضوعا خلافيا لكي نسمح باختلاف الآراء حوله، ووجد نفسه يصرخ بأعلى قوته "لا للإرهاب"، وهو صادق إلى أبعد الحدود في الصرخة، لكن يجب أن يطبقهاعلى الجميع
ذكرنا عنصري نيوزيلاندا الإرهابي ألا مجال لأي نقاش في هاته الحكاية، ولا حديث مع من يعتقد أن جهة ما كلفته بنزع الروح عن آدمي آخر فقط لأنه مختلف عنهكل مرة وقع فيها حادث إرهابي في العالم ذهب ضحيته أبرياء كانوا في مسرح الجريمة الخطأ في اللحظة الخطأ، كنا نقول "لافصال"، وكان يقال لنا "نعم...ولكن".
وكنا نرتعب من تلك ال"ولكن" اللعينة لأننا كنا نشتم في ثناياها قبول البعض منا بالقتل حلا للاختلاف، ونوعا من التطبيع مع شريعة الإرهاب هاته، وكنا نضطر لمساءلة أنفسنا « هل نعيش بين إرهابيين دون أن نعرف ذلك؟ »لا أيها السادة، لاتبرير للقتل إلا لدى القتلة وتابعيهم.
ومؤلم أن يكون الدرس قاسيا وبهاته الحدة لكي يفهم مبررو الإرهاب الحكاية ولكي يفهموا تلك الجملة التي كنا نقولها لهم حين يتصدون لنا بكل وقاحة الكون لكي يدافعوا عن الإرهاب والإرهابيين "إذا كُنتُم عاجزين إلى هذا الحد عن الشعور بآلام الناس فلتحترموا على الأقل حزنهم بالصمت...فقط لاغير"بالصمت فقط لاغير، كدقيقة التوقف عن الكلام الحضارية التي يعجز العديدون عن الصعود إليها
كدقيقة القراءة الهامسة الفردية أو الصارخة الجماعية للفاتحة التي كان يصلي بها من سقطوا في نيوزيلندا تلك الجمعةكدقيقة الحداد في كنيس أو كنيسة أو دير تعبد أعلى الهملايا أو داخل عقل مادي يفسر كل شيء بالمتحقق أمامه لكنه يستطيع الحزن لحزن الناس.
كدقيقة عودة إلى العقل أضحت ضرورية أمام هذا العالم المجنون الذي يقتل بعضه وهو يضحك ويصور جريمته في اللايف ويبعثرها على الأرض كلها ولا يحس بأي شيءكدقيقة توقف لم يعد منها مفر لأننا ذاهبون بفعل جهالة عمياء طاغية لاتفرق بين دين أو جنس أو لون إلى الفناءرحم الله المؤمنين الذين ماتوا في ذلك اليوم الحزين.
رحم الله كل من سقط قبلهم بسلاح الكراهيةوليرحم الله أيضا من سيسقطون بعدهم بنفس السلاحهو لازال قادرا على القتل وإيلامنا إلى حين مؤجل...إلى أن تعود للحب والرحابة والقبول بالآخر، وبقية علامات الإنسانية الحقة القدرة على المقاومة وهزم هاته الكراهية اللعينة التي استوطنت القلوب والعقول وكل المسام.
ملحوظة على الملحوظة.
(لاعلاقة لها دائما بماسبق)لا مفر إطلاقا من بعض المقارنة السريعة - التي قد تكون ظالمة لكن لا بأس - بين سلمية المظاهرات الحضارية الرائعة التي تجري في الجزائر، وبين أعمال التخريب والنهب والإحراق التي تشهدها العاصمة الفرنسية باريس كل يوم سبت بمناسبة مظاهرات السترات الصفراءالبلد الذي كان ذات يوم حامل الحضارة إلى المغرب الكبير، على طبق استعمار ولى ومضى ملزم بقليل تواضع وبتلقي دروس حقيقية من البلد الذي كانت هذه الحضارة محمولة إليه.
للجزائريين الحق فعلا أن يفخروا بالمشهد الرائع المدهش، الجميل، المتميز الذي يهدونه للعالم بأسره، وللفرنسيين، ولشعوب أخرى لا تعرف كيف تخرج إلى الشوارع دون أن تترك آثار مرور التتار من هناك أن يتلقوا الدروس تلو الدروس وأن يحاولوا الاستفادة إن كانوا قادرين بالطبع على ذلك.
المختار لغزيوي