المشكل النفسي لبعض الزعماء يصعب تفكيكه ودراسته، ولهذا يجهل كثير الخلفيات التي تحكمت في رغبة عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الجزائري الذي يعاني مضاعفات صحية كبيرة، بأن يموت وهو رئيس دولة حتى تقام له جنازة رئيس دولة، وفق ما صرح به للنهار المغربية مصدر ديبلوماسي رفيع المستوى. ماذا سيربح بوتفليقة بعد أن يكون قد مات؟ هل يعتقد أنه سيرى جنازته حيث يسير وراءه رؤساء الدول وزعماؤها؟
ربما تاريخ النفس هو العلم الذي لم يهتم به الكثير من الباحثين، لأن لكل واحد تاريخ خاص بنفسه، مختلف عن باقي البشر، لكن لما تعرف تاريخ الشخص يمكن أن تفهم نفسيته، وإذا فهمتها يمكن أن تعرف لماذا يتخذ قرارات من هذا النوع أو لماذا يرغب في أشياء غريبة غير مفهومة.
قبل أن يكون لبوتفليقة شأن في الحياة السياسية، كان يخاطب الملك الراحل الحسن الثاني بعبارة "أحد رعاياكم وخادمكم" باعتباره أحد أبناء وجدة. يعني طوال حياته ظل يعتبر نفسه مواطنا مغربيا من مدينة وجدة الحدودية، وبعد أن ولج عالم التمكين السياسي وبدأ يتلمس خطواته نحو المسؤوليات، بقيت عقدته هي خطاباته الموجهة للحسن الثاني والتي ينعت فيها نفسه "أحد رعاياكم". وهي خطابات مكتوبة بمعنى رسائل، وأراد أن يتخلص منها بأية طريقة لكن هيهات.
إذن بقيت أمام بوتفليقة حالة وحيدة يمكن أن يلبي فيها رغبته وهي أن يجالس الحسن الثاني ندا للند. أن يجالسه ليس باعتباره "أحد الرعايا والخديم" ولكن رئيسا للجمهورية. وبعدما تقرر لقاء بينهما شاءت الأقدار ألا يقع وألا يحقق بوتفليقة حلمه التاريخي، حيث توفي الملك الحسن الثاني إلى رحمة الله قبيل الموعد المذكور، وحضر بوتفليقة جنازته، وكان متشبثا بالنعش كأنه يريد أن يقول له لقد رحلت وتركتني دون أن أتمكن من تحقيق حلمي.
وشاهد جنازة رجل عظيم من كبار قادة العالم، وبقيت تلك عقدته، لم يلتق الملك ندا للند، وتمنى جنازته، وهي عقدة لم يجد لها العلم اليوم تسمية لأن الجنائز ليست من متمنيات الناس ولا يرغبون فيها، وبالتالي فإن عقدة بوتفليقة نفسية أكثر منها سياسية.
ولهذا طالب بوتفليقة بأن يبقى رئيسا للجمهورية حتى وفاته كي تقام له جنازة رئيس جمهورية، فالرجل حسب مصادر طبية لم يعد قادرا على فعل الأشياء الطبيعية ناهيك عن التركيز والحكم، لكن رغبته في الموت رئيسا للجمهورية وتخليد اسمه في المقبرة بهذه الصفة دفعته إلى هذا الطلب، وبالتالي من سيلبي طلبه ينتظر وفاته في أية لحظة لهذا يتم التمديد والتمطيط في رئاسة للجمهورية هي غير موجودة منذ 2013 منذ إصابته بالجلطة.
الأقدار بيد الله، وقد يطول العمر بالرئيس الجزائري ويجد الجنيرالات أنفسهم في ورطة، ونشير إلى قراءتنا لنفسية بوتفليقة ليست وحدها الحاكمة لأن من يقف وراء القصة يستغل طلب هذا الزعيم.