كتب الفيلسوف الألماني الشهير، زعيم الفلسفة (الوجودية) [مرتان هايدغير: 1889 ــ 1976]، وعنه أخذ الفرنسي من أصل ألماني [جان بول سارتر: 1905 ــ 1980] مبادئَ (الوجودية) ثم صاغها صياغةً رائعةً جعلتْها أقرب إلى الفهم، وأيسر على التناول، فذاعت في الأوساط الثقافية، وشاعتْ في المنتديات الفلسفية، وانتشرتْ انتشارَ البدعة غير المألوفة؛ لا، بل وجدت مستقرّا لها في الحياة الثقافية العربية، ومقرّا لها في أذهان المثقفين، والكتّاب، والطّلبة، والتلاميذ؛ ولا أنكر أنّي وُجوديٌ حتى النخاع الشوكي، وقد علّمتْني أشياء أحسنَ من عقائد النفاق، والإرهاب، والفسوق.. تعلّمتُ معنى (الحرية والالتزام) في الحياة، وحبّ الوطن، والبعد عن (سوء الطوية)؛ فماذا تعلّمَ شبابٌ من الملتحين، والمتاجرين بالدّين؟ لقد ساهمت (الوجوديةُ) في تحرير (فرنسا) من نيْر (النازية)؛ فماذا تعلّم الشبابُ المسلم من العقائد الدّينية الفاسدة غير النفاق، والذبح، والزِّنا، والالتحاق بإرهاب (داعش والقاعدة)؟ قد يقال لي إن (الوجودية) فلسفة ملحدة؛ وهذا صحيح؛ ولكنْ هناك (وجودية) مؤْمنة تتمثّل في (وجودية) [غابريال مارسيل] وهي مسيحية؛ و(وُجودية) [عبد الرحمان بدوي] وهي (وُجودية) مسلمة، وكانت خيْر من دافعَ عن الإسلام، وتنقيته من الشوائب التي لحقتْ به، ولكنّ أصحاب العمائم حاربوها ومنعوا كتُبَ الدكتور (عبد الرحمان بدوي) رحمه الله..
يقول [مارتان هايدغير]: [إنّ التاريخ يوجد أمامنا، لا خلْفنا]؛ فلو دقّقتَ النظرَ في هذه المقولة، وأطلتَ التأمّل، لوجدْتها صحيحة لا شك في ذلك، ما دام الواقع يؤكّدها، والأحداث تجسّدها، وأبرز تاريخ يدلّل على صحتها، وأهم أحداث تكشف عنها إنما هو تاريخ العرب قديمًا وحديثًا، والأحداث المأساوية التي ما زالوا يجترّونها في حياتهم السياسية، والاجتماعية، والدينية، حتى بدتْ وكأنها قَدر محتوم في هذه الأمّة.. لو جُلتَ عبر العالم العربي، لألفيتَ الماضي ما زال جاثمًا، فتجد هنا (العُبيْديين) الشيعة؛ وتجد هناك (العبّاسيين) السّنة؛ وتجد في بلد آخر (الأمويين) يقْطعون الرؤوس مثل (الحجّاج)، ومُقلِّد سياسة (خالد القسْري)؛ وتكتشف سقوطَ (القدس) كما سقطتْ بالأمس (غرناطة) بلا قتال.. كما أنّك تفاجَأ بمفاسدَ عقائدية تبيح الفحشاء، والزّنا عبْر فتاوى؛ كما تجد المجسِّدة لذات الله، وتجد أهل البذخ، والتبذير، والمكاسب، والمناصب، والأكاذيب واللغة الفارغة.. يقول (نزار قبّاني): [العرب يَعْلِكون جلودَ اللغة، ولا يَهْضِمون.
يقول أحد المؤرّخين الذي لا تُدرَّس مؤلّفاتُه في المدارس، لأنها تفضح واقعنا قديمًا وحديثًا: [إذا كان الكيانُ الصهيوني يسعى جاهدًا في منع قيام وحدة عربية تشكِّل خطرًا على وجوده، فإنّ الصليبيين استماتوا في منع تحقيق وحدة الصف الإسلامي، ثم مَن قال إنّ الحرب الصليبية انتهتْ، بل ما زالت قائمة بأشكال عدّة، فما إن اختفى أبطال (ليسوا عربًا) مثْل: [عماد الدّين زَنْكي، ونور الدين محمود، وصلاح الدين الأيّوبي، وسيف الدّين قطز، والظاهر بيبرس، وقلاوُون الألفي، وابنه الأشرف، و..] حتى عادت (الصّليبيةُ) في شخص (الصهيونية).. لـمّا وصل الجنيرال الفرنسي (غور) إلى (الشام)، وقفَ أمام قبْر (صلاح الدّين) وركله بقدمه، ثم قال له: [لقد عُدْنا يا (صلاح)؛ هذا هو الواقع!]..
لم تكن الحركةُ الصليبية هامشيةً، بل كانت محورية بالنسبة للهوية الغربية، وما فتئت مستمرة إلى يومنا هذا؛ وها هي (فرنسا) يأخذها الحنيـنُ إلى هذه الحروب الهمجية، وقد تجسّدتْ في سياستها العدوانية، والإمبريالية، وهي تشارك في سائر عمليات تدمير العالم العربي، مثل العدوان الثُّلاثي، إلى العدوان الثّلاثيني على (العراق)، ودعّمتْ بكل الوسائل الكيانَ الصهيوني، من أسلحة، وطائرات، وسرٍّ نووي، ووضعت قوانين تدين مَن يبغض (إسرائيل) بدعوى (كراهية السامية).. وهنا قد يتساءل القارئُ الكريم: [هل كان لفرنسا دورٌ حاسمٌ في انطلاق الحروب الصليبية؟]؛ الجواب: نعم! فهي تعرف بالدراسة أنّ العرب ينْزعون نحو التّشتُّت، والعداء، وعدم التراضي، وحُبّ السلطة، والمال، وأنّ هؤلاء العرب، سوف يسلّمونها (القدس) وبقية البلاد مقابل سلامة أجسادهم، وأموالهم، ثم لِلبيت ربٌّ يحميه.. (العُبيْديون) هم من سلّموا لفرنسا (بيت المقدس)، فأقامت فيه (مملكة بيت المقدس)، وكان ملوكُ هذه المملكة المصطنَعة فرنسيين، تماما كما هي اليوم (دولة إسرائيل) مصطنعة، يحكُمها إرهابيون، لا علاقة لهم باليهودية بشهادة اليهود أنفسهم؛ فمِن أيدي مَن انتزعتْ (إسرائيلُ) [القدس] مرّة أخرى؟