قال الدكتور الإدريسي الخيري خالد، أستاذ أمراض القلب والطبيب الخاص السابق لمعمر القذافي، في مذكراته إن معمر القذافي عزل أول رئيس للوزراء بسبب جنسيته المغربية ويتعلق الأمر بسليمان المغربي.
و مما جاء في مذكرات الدكتور الخاص للعقيد القذافي حول النازلة نجد ما يلي: "كان قـراري أن أدوّن بصـدق كل الأحداث التي عشتها، وعلى الأخص تلك المتعلقة بالفترة الممتدة من سنـة 1971 إلى سنة 1984 (ثلاثة عشر عاما) لصيقـاً
بالعقيـد معمـر القـذافي، إذ كنت طبيبـه الخـاص. تلك الفترة التي أدخلـتني قصـوراً ودهـاليز لم تتح لغيري، وحضرت لقاءات واطلعتُ على أسرارٍ لم يكـن من المفروض على مثلي حضورها أو معرفتها"
هذا الكتاب يهتم بتسجيل جزء هام من هذه المرحلة، وهي على سبيل التحديد، فترة ثلاثة عشر عاما من حياة القذافي، بما أثار من تساؤلات عن شخصيته وتصرفاته وأُسُس وأهداف سياسته.
ذكرت سابقا أن العقيد القذافي والرائد عبد السلام تعارفا سنوات الدراسة في مدينة سبها، وشكلا أول أعضاء التنظيم المستقبلي لقلب نظام الحكم الملكي بعد أن تعاهدا على دخول الكلية الحربية من أجل ذلك الغرض.
سارت الأمور ظاهرياً على ما يرام، بالرغم من اختلاف شخصيتي وأخلاق ومثل وأهداف كل منهما.
في أول أيام الثورة، اعتمد العقيد على عبد السلام اعتمادا كليا في تسيير أمور الإدارة، وأبلى عبد السلام بلاءً حسناً في عمله، مما أعطاه رصيدا مضافاً لدى العقيد، إذ لقبه بالكمبيوتر، ففي إحدى المرات.
وأثناء زيارة فيديل كاسترو لليبيا، وخلال انعقاد الاجتماع بين الوفد الليبي برئاسة معمر القذافي والكوبي برئاسة فيديل كاسترو، طلب العقيد فجأة استدعاء عبد السلام جلود، وعندما وصل الرائد عبد السلام غادر العقيد الاجتماع، وظهر الأمر كأن هناك أزمة سياسية أو عدم تفاهم.
استمر الاجتماع برئاسة عبد السلام، وبعد ذلك بدأ حفل العشاء، وسارت الأمور على خير ما يرام. وعندما التقيت بالعقيد سألته: «لماذا تركت الاجتماع؟ هل هناك ما يمكن أن أساعد به؟» فقال لي: «صدعني كاسترو بالأرقام، استطعنا أن نجعل الهكتار في كوبا ينتج كذا، والمصنع الفلاني ينتج كيت... الخ» من هنا قررت أن أستدعي له الكمبيوتر (يقصد عبد السلام جلود) ليتفاهم معاه. معنديش راس لهذه الأمور".
زيارة كاسترو لم تمر على ما يرام، إذ حصل له ما حصل لأنور السادات. استمرت المحادثات وحفل العشاء إلى ساعة متأخرة، تعذر بعدها على الطائرة العمودية الطيران ليلا، ولما كنا في بوهادي، اضطر كاسترو إلى أن ينام في ظروف غير لائقة بتاتا، وفي الصباح رأيته يغسل وجهه ويتجه وصحبه إلى الطائرة العمودية دون وداع أو حتى إفطار.
لنعد إلى معمر وعبد السلام. في أمر الأخلاق الشخصية، كان العقيد- حسب ما رأيته بأم عيني (حتى عام 1984)- يصلي الفروض الخمس بأوقاتها، ويصوم الاثنين والخميس أسبوعياً، دمث اللسان (حين يريد)، لا يحتسي الخمر، يدخن أحياناً (بالرغم من تكرار نصائحي).
كان يلعب دور العربي، المسلم، الوطني، التقي الورع، المعتد بنفسه (إلى أقصى الحدود)، وقبل كل هذا هو فوق الجميع وقبل الجميع، يهوى رياضة الفروسية، ولعب الشطرنج وكرة القدم (في منتصف الظهيرة في الصحراء) على الطريقة العقيدية، حيث لا يلعب فريق ضد فريق ولا حد لعدد اللاعبين ولا تحديد هدف مخصص لفرقة دون غيرها، الكل يجري، الكل يلعب ويمرح، وأينما وجدت هدفا فحاول تسجيل الكرة فيه. فلسفته في هذا أن هذه رياضة شعبية، ولا يجوز أن تلعب الأقلية بينما الأكثرية تشاهد.
أما الرائد عبد السلام، وهو من مواليد 1944 ومن قبيلة المقارحة، فكان على نقيض زميله تماما، كان ذكياً، مجتهداً، سريع الغضب، جدياً ومتفانياً في عمله، لا تأخذه في التقصير لومة لائم، سليط اللسان يشرب الخمر ومغرم بالنساء.
كان أفراد القوات المسلحة والحرس الخاص يخشونه دون غيره. وكم من فضيحة أخلاقية نشرت عنه في القاهرة وفي موسكو، لا يصلي، يعشق لعب الورق (خصوصا الرومينو الليبية)، يتشاجر أثناء لعب الورق ويستعمل كلمات نابية لمن يفوز عليه، كم من مرة استدعاني لأجده في البحر يستحم، وعندما أسأله عن سبب استدعائي، يقول: "نريد لعب الورق ولم نجد رابعا».
وفي مرة من المرات قلت له: «يا رائد عبد السلام، راني كارديولوجست ولست كارتيولوجست» (في ليبيا يسمون لعب الورق بلعب الكارته).
في كثير من زياراتي له في منزله، كنت أجده يلعب كرة قدم «الشراب» في الشارع بالقرب من منزله مع أولاد الزنقة، ويسب ويلعن ويصيح مثله مثل تلكم الأولاد (مع أنه كان رئيساً للوزارة).
وكان في جلساتنا الخاصة كثير السؤال عن العقيد، صحته ومن زاره، وهل سمعت منه شيئا أو تعليقا يهمه، وأكثر ما كان يهمه هو لماذا يرزق العقيد بأولاد وهو يرزق بالبنات، وكان يوجه إلي الاتهام في هذا الأمر بأنني أعطي العقيد عقاراً وأمنعه عنه، لم يفدني تكرار الإنكار، وفي مرة من المرات تذكرت مقالا نشر في المجلة الطبية البريطانية في العام 1971 عن أنه يمكن تحديد جنس المولود بواسطة تغيير تفاعل مهبل الزوجة بين الحامضي والقلوي، أبلغته بالمعلومة ووصفت له مرهما خاصا وشرحت له طريقة الاستعمال.
بعد ذلك رزق بولد أسماه خالد. الرائد عبد السلام صاحب ثلاث مقولات مازلت أذكرها: الأولى هي "سنة ديك ولا مائة سنة دجاجة».
أما الثانية فهي «عضلتان فقط أهتم بهما، العضلة المثلثة والعضلة المستطيلة»، وكان يقصد عضلة القلب وعضلة القضيب. ولما أبلغته أن القضيب لا يتكون من عضلات، فوجئ وقال لي: «مهما يكون فهو العضو المهم والمحترم». والمقولة الثالثة هي «يجعل يومي قبل يومه».
يعني أنه يتمنى أن يموت قبل أن يصاب بالفشل الجنسي. وإن كان خير الكلام ما قل ودل فإن تلك المقولات «قلت ودلت» وأعطت فكرة جد واضحة عن شخصية وثقافة الرائد عبد السلام.
عين الرائد عبد السلام رئيساً للوزارة من 16يوليوز 1972 إلى1977، وكان ثالث رئيس وزارة في العهد الجمهوري (الرئيس الأول كان سليمان المغربي من سبتمبر 1969 إلى ديسمبر 1969 حيث نحي لسببين، أولهما احتجاج الليبيين، لأن سليمان المغربي فعلا مغربي الجنسية وليس ليبيا، والسبب الآخر هو محاولة الانقلاب التي اتهم بها اثنان من وزراء المغربي، وهما: آدم سعيد الحواز وزير الدفاع، وموسى أحمد وزير الداخلية.
بعد ذلك عين سليمان المغربي مستشاراً للعقيد في شؤون النفط. أما ثاني رئيس للوزارة فهو معمر القذافي من ديسمبر سنة 1970 إلى يوليوز 1972. وأثناء تقلده منصب رئيس الوزراء، لمع نجم الرائد عبد السلام لانكبابه على العمل وتحقيقه نتائج مبهرة في العام 1973 وأثناء جلسة خاصة معه في منزله، وبعد خطاب زوارة في عيد المولد النبوي، الذي أعلن فيه العقيد عن قيام الثورة الشعبية، صرح لي عبد السلام بكل وضوح «كنا نحسب أن العقيد زاهد في الحكم والمنصب، ويضيع أوقاته مع مجموعات من الطلبة، وإذا به يجهز للانقلاب علينا ويسحب السجادة من تحت أرجلنا». ساعتها أدرك عبد السلام (كما أدرك الباقون) نوايا معمر القذافي، فبدأ الآخرون في تحضير انقلاب على العقيد (كما فعل عمر المحيشي ورفاقه).
أما عبد السلام فقد قرر أن أسلم طريق له هو طمأنة العقيد على إخلاصه له بأن ركب الموجة وأخذ يستبق الدقائق والأحداث، وأصبح المبشر الأول والمدافع عن «النظرية العالمية الثالثة» والثورة الشعبية ويحاضر بها، بالرغم من أنه لم يكن مؤمنا بأي من أطروحاتها، وكم من مرة قلت لبعض أصدقائي المخلصين: "لو أن عبد السلام يحل محل معمر ستنقلب الأمور مائة وثمانين درجة.
في سنه 1970 ذهب عبد السلام إلى الصين في مهمة رسمية كان هدفها الأول والوحيد هو شراء قنبلة ذرية وعرض مبلغ 100 مليون دولار أمريكي، لكن الصينيين رفضوا الطلب رفضا قاطعا.
وفي سنة 1976 وأثناء رحلة معه إلى نجامينا عاصمة تشاد بطائرة نفاثة صغيرة، دار بيننا حديث في أمور مختلفة، كان أحدها مشكلة الماء الصالح للشرب في ليبيا. قلت له: «لا أفهم. لدى ليبيا الطاقة والبحر فلماذا لا تلجؤون إلى تحلية ماء البحر، فالماء في بنغازي مالحة ومعكرة منذ سنوات، والماء في طرابلس بدأ تدب فيه الملوحة؟».
فرد علي قائلا: «نحن في مأزق. لقد بحثنا هذا الموضوع بإسهاب وكان أمامنا حلان، الأول أن نبني محطات تحلية تعمل بالطاقة النووية، واحدة في طرابلس وواحدة في بنغازي، ولكن وجدنا أن كلتا المدينتين ستغرقان بالماء، وعند نقل الماء إلى المدن الأخرى سيكون باهظ الثمن بشكل يجعل المشروع غير مجد وسيكون شراؤها أرخص.
أما الحل الثاني فهو إنشاء 12 وحدة صغيرة على طول الساحل الليبي (1800 كم) تعمل بالطاقة (الغاز أو النفط)، ولكن وجدنا أننا سنحتاج لعدد من الخبراء والعمال وما يتبعهم (أطباء ومدارس ومدرسون وزوجات) بشكل سيصبح الليبيون أقلية في بلدهم، لذا لم نصل إلى حل.