استعر غضب جماعة الشيخ عبد السلام ياسين، ولم يعد يشفي غليلها إعلانها مسبقا عن رفض مشروع الدستور، والصراخ ملء شدقيها : لا للدستور، حتى من قبل أن يعلن عنه... بل انخرطت في حملة تضليلية بعد أن ضاقت بها السبل، وتقلص هامش مناوراتها إلى حد غدا معه أقرب إلى دائرة حبل المشنقة، فلم تجد ما ترد به على فرحة الناس بالمشروع، وانخراط الأحزاب في الحملة الانتخابية لصالحه، وتثمين الخارج ( عربا وعجما) لمضامينه، غير ابتداع والترويج بأن 70 مسيرة مناهضة للدستور قد خرجت في شوارع 70 مدينة تقول : " لا للدساتير الممنوحة" وكأنها تريد دستورا منزلا من السماء في زمن انتهت فيه المعجزات منذ أن ختم الرسول محمد (ص) زمن الرسل والنبوءات.
ولم تجد الجماعة، التي لاتزال تحت صدمة الفضيحة، ما ثؤتت به إدعاءاتها غير بعض الصور البئيسة من أرشيف ديربيات كرة القدم لأبطال الشغب الصغار، وإضرابات أصحاب الطاكسيات الكبار، من أجل الإيهام بما حدث، وكأنها تريد أن تقول للرأي العام ـ ضمنيا ـ أن الصور مفبركة، وهي تعرف أنها مفبركة عل ذلك يخفف عليها من وقع الصور والفيديوهات غير المفبركة التي نشرها موقع "أكورا" يفضح فيها ما يجري في دهاليز الفنادق والمخيمات الصيفية من دون أن تُصدر لحد الآن أي تكذيب في الموضوع، وإن كانت صدرت عنها الكثير من الالتفافات عن الحقيقة.
والواقع أن المسيرات التي خرجت لتأييد الدستور أكثر بكثير من تلك التي أطرها العدل والإحسان بحطب 20 فبراير، والتي كان من الممكن، في بعض الحالات، أن تتحول إلى مواجهة غير متكافئة الأطراف لأن الذين خرجوا للاحتفال ليس لهم أجندة سياسية و لا "قومة"، ولا يريدون أن ينغض عليهم أحد هذه الفرحة، لا لأنهم "بلطجية" كما حاول البعض تصوريهم، ولكن لأنهم رأوا في مشروع الدستور ما يحقق أحلامهم، وما يمنح الشعب سلطة واسعة في المشاركة والمراقبة والحقوق... ومهما حاولت بعض الجهات ابتداع المبررات من أجل الخروج إلى الشارع كل يوم أحد، من أجل الاستفزاز، لا أقل و أكثر، ومهما سعت إلى إثارة الفتنة (والفتنة نائمة لعن الله موقظها)، أو من أجل أن تقاطع التصويت أو تصوت بلا، فإن ذلك لا ينال من إرادة الأغلبية الساحقة من المغاربة... فهذا الدستور الممنوح بتعبير العدل والإحسان، الأكثر عصرية من إسلاميي القصر، كما حكى رجل تسرب له الخرف، كان بالأمس القريب من ألذ أعدائهم، إلا أنه قلب الفيسة بمجرد ما رحل الوزير المغبون الذي رافقه إلى الجزائر في ذات رحلة سرية قبل أن ينفضح الأمر... فهذا الدستور يحظى بدعم الأحزاب الأكثر حضورا، والنقابات الأكثر تمثيلية، والجمعيات الأكثر نشاطا، والنخب الأكثر تأثيرا، والجماهير الأكثر فرحا، ويحظى ـ وهذا لا يهم كثيرا ـ بدعم مطلق من الخارج، بل إن الدول العربية، حتى تلك التي حققت ثورتها بالرحيل، أصيبت بصدمة بسبب الجرأة التي جاء بها المشروع المغربي... فماذا تريد العدل والإحسان و 20 فبراير والنهج أكثر من هذا؟
الأكيد: الفتنة، لكن الأكيد أن لا أحد سينساق وراءهم في هذه اللحظة التاريخية، لأن المغاربة تهمهم الصلاة بخشوع أكثر من نقائض الوضوء