يستعد بعض الفاعلين في السياسة والإعلام والمجتمع المدني لتوجيه رسالة إلى الديوان الملكي للمطالبة بإصدار عفو ملكي عن توفيق بوعشرين، مدير أخبار اليوم السابق ومالكها المحكوم بـ12 سنة سجنا والذي يحاكم حاليا في الدرجة الاستئنافية، وعلى رأس الموقعين توجد أسماء مشهورة في عالم السياسة، ويتعلق الأمر بمحمد بنسعيد أيت إيدر، مؤسس منظمة 23 مارس الماركسية اللينينية السرية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، ومولاي إسماعيل العلوي، الوزير والأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية، ومولاي امحمد الخليفة، الوزير والقيادي السابق في حزب الاستقلال.
أحيانا يكون كبر السن عاملا على النضج، حيث تختمر الرجولة كما تختمر الأفكار والقدرة على التركيز، لكن أحيانا أخرى يكون الكبر عامل خرف وتيه وجودي، كما قد يكون بحثا عن موقع يكون صاحبه في غنى عنه أصلا. وهذا ما وقع لأصحابنا الشيوخ الثلاثة، الذين لم يلعنوا الشيطان وهم يتضامنون مع متهم بالاتجار في البشر والاغتصاب وغيرها من التهم، كما يوجد ملفه بين يدي القضاء في إطار المحاكمة الاستئنافية.
مبادرة غريبة من ثلاثي غريب، يجمع بينهم التقدم في السن وعدم القدرة على تمييز الطيب من الخبيث من الوقائع، ولم يعد لديهم التركيز اللازم لاتخاذ الموقف ناهيك عن النسيان الذي أصابهم ويحاولون اليوم الظهور للعلن مرة أخرى بأية طريقة كانت.
نعرف أن بنسعيد رجل ملتبس دون مصلحة من الموضوع لكن هو يساري مصاب بداء البلادة من ستينيات القرن الماضي منذ أن التف حوله مجموعة من الشباب بفرنسا لتأسيس منظمة يسارية، لكن الكل يعرف أنه لا يعرف شيئا عن السياسة ولا الماركسية التي تتبناها منظمته. لكن ماذا يريد إسماعيل العلوي ومولاي امحمد الخليفة؟
لقد كان الأول وزيرا لمرتين كما أنه ينتمي إلى عائلة مخزنية ووالده كان باشا في عهد فرنسا، واستفاد من امتيازات كثيرة خلال توليه مناصب وزارية عديدة، ناهيك عن قربه من دوائر القرار لسنين طويلة، فهل كانت كل هذه السنوات مجرد مرور سريع في عالم السياسة، في الوقت الذي كان ينبغي أن تصنع منه رجل دولة كبيرا يفكر بتأنٍّ وروية؟ أما مولاي امحمد الخليفة فهو وزير عقدته أنه لم يكن يعرف لغة غير اللغة العربية مما جعل من المستحيل استمراره في الوزارة. الثلاثي المذكور يقول إنهم مناضلون ويسعون إلى الحقيقة.
المطالبة بالعفو عن متهم بالاتجار في البشر والاغتصاب اعتداء خطير وانتهاك صارخ لمفهوم الحقيقة لأن الثلاثي المذكور المطالب بإطلاق سراح بوعشرين وعن طريق طلب العفو الملكي، في محاولة لتوريط القصر في قضية طرفها الآخر صحفيات ضحايا حسب الوقائع والأحكام، لم يراع شعور الضحايا وكيف سيكون حالهم عندما يرون مغتصبهم حرا طليقا؟ ماذا سيقول هؤلاء للصحفيات اللواتي تعرضن للاغتصاب؟ أي حق سيدافع عنه الثلاثي في وجه نسوة لم يبق أمامهن سوى القضاء لأخذ حقهن؟
نعتقد أن المطالبة بإطلاق سراح بوعشرين بعد ثبوت التهم في حقه مدعاة للمطالبة بإطلاق سراح كافة المجرمين مهما كانوا.