ثلاثة قياديين سياسيين متقاعدين في المغرب أقدموا على كتابة رسالة يلتمسون فيها العفو الملكي لفائدة الصحافي توفيق بوعشرين، المدان بإثني عشر سجنا في قضايا تتعلق بالاغتصاب، ومحاولة الاغتصاب، واستغلال الحاجة والضعف، واستعمال السلطة والنفوذ، والاستغلال الجنسي، وهتك العرض بالتهديد والعنف.
والقادة المعنيون بهذه المبادرة هم: محمد بنسعيد آيت يدر، وإسماعيل العلوي، وامحمد الخليفة.
نتساءل كيف تم إسناد مناصب سامية لأناس يجهلون القانون أو يتجاهلونه لغاية في نفس يعقوب، فالعفو الملكي يصدر بعد النطق بالحكم لا قبله. وبما أن قضية توفيق بوعشرين لا زالت أمام القضاء، ولازالت محكمة الاستئناف لم تحسم فيها،فالأجدر هو احترام القضاء ومساطره،وبعد ذلك فليكن ما يكون..
لكن ماذا عن الضحايا؟ الم يفكر هذا الثلاثي في حقوقهن ومصيرهن ومشاعرهن؟
وباستثناء بنسعيد آيت يدر، فالشخصان الآخران عملا كوزيرين سابقين في الحكومة ، واستطابا حينها الترحال من قطاع إلى آخر، والتنعم بخيرات الكراسي الوزارية.
وأمام هذه المأساة التي يسعى من خلالها هؤلاء القادة السياسيون إلى طرق باب الدولة عساها تتذكرهم، أوتجود عليهم بعطاءات وهبات جديدة، نتساءل بكل أسف لماذا اختار هؤلاء المنتفعون، السجين توفيق بوعشرين بالضبط دون غيره؟
أَلِأَنَّه كان يفتح لهم صفحات جريدته ليخطوا فوقها بالأسود ما شاء لهم أن يخطوه؟ أم لأنه كان المدافع الأول عن حزب العدالة والتنمية الذي استفاد زعيمه السابق بتقاعد استثنائي فأغراهم بالاستفادة بمثله إن هم دعوا بدعاء نبي الله يوسف “اذكرني عند ربك”؟
أم لأن السجين توفيق بوعشرين حرك بأفعاله حنينهم إلى فتواتهم الضائعة فرأوا فيه رمزا للنضال والرجولة الجنسية؟ أم أن بوعشرين، القابع في زنزانته، ما هو إلا مطية يمتطونها لركوب الريع أو الاستفادة من سخاء هذه الجهة او تلك؟
أم أنهم بمناصرته يناضلون بالنيابة عن مرجعهم الروحي عبد الإله بنكيران في خطوة استباقية لما يمكن أن تعرفه محاكمة عبد العالي حامي الدين؟
نعم انها مصيبة فعلا، بل إنها أم المصائب، فهؤلاء القادة السياسيون يتجاهلون، عشية يوم العيد العالمي للمرأة، اولئك الضحايا اللواتي عبث توفيق بوعشرين على أجسادهن غصبا وإدلالا، واللواتي استغل حاجتهن وضعفهن، فصال وجال على كرامتهن بشكل لا يمت بأي علاقة للأخلاق وللمشاعر الإنسانيةولقانون الشغل.
إنهم من بنات هذا الوطن، ولهن نفس الحقوق التي لغيرهن على أرضه، وهن فوق هذا وذاك ينتمين لأسر يوجد فيها الأب، والأم، والأخ، والصديق، والجار،والقريب… بل إن بعضهن متزوجات، وأخريات أمهات، والمؤكد انهن ترددن كثيرا قبل أن يلذن بالمساطر القانونية؛خوفا على كرامتهن وعلى سمعتهن.
فكيف بهن وبحالهن وهن يسمعن اليوم ما ينوي بعض القياديين الحزبيين القيام به ضدا على شرائع الدنيا والأديان؟
إننا نتفادى الخوض في جدال بخصوص الرمز السياسي بنسعيد آيت يدر، المعروف بزهده وبساطته، وقلة معرفته ودرايته بمثل هذه الأمور والقضايا، فالرجل ظل ملتزما بالحياد والموضوعية، والذين يدفعونه اليوم إلى تلويث صورته، في هذه المرحلة من عمره السياسي حيث يحتاج الى كثير من الراحة والهدوء، إنما يزجون به إلى الأوحال، بغية الانتفاعمت ورائه، وتحت رمزية مظلته. ولا يسعنا في هذه اللحظة إلا أن نلعن الذين يقومون بهذه الدسائس الدنيئة، فمهما انتفعوا منها إنما “يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا”.
أما أخونا الظريف امحمد الخليفة، فنحن أعلم بحاله ومآله، و”الخليفة على الله” كما يقول المغاربة، وكما قالوا يوم تعيينه وزيرا، فصاحبنا لم يخلد اسمه في الركبان بانجازات تذكر، غير الصراخ داخل مجلس النواب الذي أهله يوما ليكون وزيرا في قطاعين هامين، وهما الوظيفة العمومية والصناعة التقليدية. ولعل موظفي هذين القطاعين لا يذكرون أي إنجاز إصلاحي قام به هذا الرجل، غير الصراخ والنفير في وجه المسؤولين، وتحذيره لهم من تردي وضعه الصحي، وكراهيته للتكنولوجيا الحديثة، وللغة الفرنسية في وزارة تحديث القطاعات.
إذن فحب هذا الرجل للمناصب والمكاسب والمآدب، أعماه عن كل المعايب، بما فيها جريمة الاغتصاب التي قام بها أقرب صحفي إليه، توفيق بوعشرين.
إن الوزير السابق امحمد الخليفة الذي يبدو أن حزبه أهمله فارتمى في أحضان البيجيدي، يستلطفه ويستدر عطفه، لم يطرح على نفسه ماذا لو كان الأمر يتعلق بإحدى قريباته المنتميات لبيته أو لأسرته، فهل يرضى لهن بهذا الحال والمصير؟ هل سيحمل قلمه حينها ويكتب ملتمس العفو الى القصر الملكي؟ طبعا لا وألف لا!! ولكن حين تعلق الأمر ب”بنات الناس، هاهو كيقول لهلا يقلب”. فإذن يجب أن تعلم آسي الخليفة أننا نعتبرهن بناتنا وأخواتنا، ولن نسمح للضباع بأن تنهش أجسادهن مهما كلفنا الأمر.
أما إسماعيل العلوي الذي أجهر حبه وقربه للعدالة والتنمية، وكان زعيمها السابق يغدق عليه ببعض التعيينات الرمزية كرئيس لبعض اللجان، ومن تم انتقل الى الاستفادة المادية من رئيس جهة درعة تافيلالت، الحبيب الشوباني، بدعوى بناء القناطر في هذا الإقليم، علما أن أبناء الرشيدية قادرون على تدبير شؤونهم بأنفسهم، إذا ما منحت لهم نفس الإمكانيات المادية التي منحت للشخص القادم من سلا، والذي لا يفقه في علم القناطر إلا ما “يفقهه العطار في علوم البحار”، والذي لو ركن الى الراحة وإبداء النصيحة لكان أحسن، ولاتخذه المتعاطفون معه رمزا،ولاعتبروه حكيما . ولكنه للأسف قضل أن يسلك مسلك ذلك الفقير الذي دافع عنه أهل القبيلة عند أخيه الغني، كي يجود عليه بشئ من المال، فأقسم لهم بأن أخاه خلق ليكون فقيرا، وقدم لهم دليلا بأن ألقى بكيس من المال في طريق أخيه، وناداه إليه لعله يرى المال في طريقه، فما كان من الأخ الفقير إلا أن تحدى الحاضرين بأن يقدم إليهم مغمض العينين دون اعوجاج…
إذن، ندعو الله لامحمد لخليفة ولإسماعيل العلوي بحسن الخاتمة والمآب، وبأن يختما صفحات تاريخهما بلا زيغان او اعوجاج.
برلمان كوم