انتظر الجزائريون من بوتفليقة أن يسمع نداءهم الصارخ الذي وجهوه إليه، بعد أن تأكدوا أن صوت الهمس لن يصله، فكان رده عليهم إقالة مدير حملته الرئاسية عبد المالك سلال صاحب عبارة "الفقاقير" الشهيرة وتعويضه بمدير حملة جديد يحمل من الأسماء الإسم الدال والبليغ "زعلان".
ولا زعل" يفوق "زعل" أهلنا في الجزائر اليوم، وهم يرون إصرار النظام هناك على العهدة الخامسة، وعلى المضي قدما في إهانة الشعب هناك بهذا الترشيح الخارج عن كل منطق سليم، والذي يضحك منه العالم بأسره، ويبكي له ولأجله الجزائريون.
ومع أن المقربين جدا من بوتفليقة يقولون إنه هو الذي لازال مصرا على البقاء رئيسا، وأنه يرفض التخلص منه بعد كل الخدمات التي قدمها وبعد إعادته السلم إلى البلد بعد عشرية الإرهاب التسعينية، فإن أغلبية المتتبعين للشأن الجزائري عن قرب يعرفون أن الممسكين بزمام السلطة الفعلي أو "السيستيم"، أي الدائرة الصغرى لجنرالات المرادية هم الذين لا يرون أي مرشح متفق عليه، متوافق حول إسمه، قادر على أن يدير البلاد بطريقة بوتفليقة: عدم الاقتراب من مراكز لنفوذ التي تأسست منذ التحرير، وفي الوقت ذاته امتلاك شرعية تاريخية، وفي الوقت الثالث نفسه إعطاء الإحساس بأنه قدم شيئا للبلد في الفترة الحالية أو الأخيرة على الأقل.
طبعا هناك من يعيب علينا هنا في المغرب انشغالنا "أكثر من اللازم" بما يقع في الجزائر على المستوى الإعلامي طبعا.
هذا البعض الذي يعيب علينا هذا الأمر، ويعتبره تدخلا سافرا في شأن داخلي لدولة أجنبية، ينسى أو يتناسى أن كثيرا من الأمور هنا في المغرب ظلت عالقة بسبب هاته الدولة الأجنبية أو التي يعتبرها أجنبية وهذا منذ ستينيات القرن الماضي، وينسى أو يتناسى أن هذا "السيستيم" الذي مل منه الجزائريون اليوم، ويقولون له بصريح العبارة وبسيطها "ديكاج"، هو الذي تفنن وأبدع في اختلاق كل أساليب الإزعاج الحربي والمادي والديبلوماسي والوحدوي للمغرب.
ورغم أن للمغاربة ديبلوماسيا التزاما حكيما مع الدول الأخرى صديقة كانت أم شقيقة قديما وحديثا، ويحرصون على عدم إبداء غضبهم وانفعالهم وإن وصلت الأمور مع "الأشقاء والأصدقاء" إلى حدود قصوى، وهذه مسألة تحسب للمملكة الشريفة ولعراقتها ولحكمتها في تدبير الشأن الخارجي منذ قرون عكس الطارئين والمحدثين، فإن للصحافة المغربية الحق كل الحق في أن تتحدث باسم الشعب هنا وهناك، وأن تقول إن أولئك المتنفذين في الجزائر الذين خاضوا حروبا ضروسة ضد مصلحة المغرب لعقود وعقود، خاضوا أيضا حروبا مماثلة أكثر تدميرا ضد الشعب الجزائري، واستطاعوا أن يجعلو البلد الأكثر غنى وثراء من الناحية المادية في المغرب الكبير بلدا بأعداد كبرى من العاطلين، وبنسبة نمو جد متدنية، وبمشاكل اقتصادية وسياسية لا حصر لها مع أن العكس كان هو الأقرب إلى التحقق بالنظر إلى كل الخيرات الطبيعية التي تمتلكها الجزائر والتي لم تدبر في الاتجاه السليم منذ الاستقلال وحتى الآن، وأثمرت حالة الاستياء الكبرى وحالة التوقف التام والشلل الكامل التي جعلت الشعب يبدع جملة "كيفاش حاب البلاد تمشي واللي يمشيها مايمشيش؟"
طبعا لا يمكن، مثلما لايمكن مطالبة المغاربة ألا يتعاطفوا مع صرخة الجزائريين، وألا يروا فيها استجابة لنداء لطالما عبر عنه الناس هنا يتمنى أن تعود الأشياء إلى مسارها الطبيعي بين البلدين، أن تفتح الحدود، أن يتعاون المغرب والجزائر لأجل تنمية المغرب الكبير، أن تذهب البوليساريو إلى مكانها الطبيعي، أي إلى مزبلة التاريخ عنوان مرحلة مضت وانقضت، وأن نقدم مصلحة بلدينا وشعبينا على المصالح الصغيرة والتافهة التي تنتهي بهذا الشكل المأساوي المرعب على سرير في مستشفى بجنيف السويسرية، أو في أي بلد آخر من بلدان الشتات الأوربي أو الأمريكي الذي يهرب إليه متنفذو الجزائر وسراقها بعد الانتهاء من عملياتهم والذي لايمكن أن يعوض مهما بلغت فخامة المنفى وحجم المسروق المحول إليه، لحظة استيقاظ صغيرة في الجزائر العاصمة أو لحظة تجول عابرة في تلمسان أو وهران أو قسنطينة، أو بقية مناطق الجزائر التي تشبه حد التطابق مناطقنا المغربية.
تلك الجزائر التي في خاطرنا جميعا، والتي تعنينا جميعا، والتي تقرب إلينا جميعا، هي جزائرنا مثلما المغرب هو مغرب كل جزائرييها، ومثلما المكان الكبير الذي يضمنا معها وتونس وليبيا يحمل إسم بلدنا عن جدارة واستحقاق منذ قديم الزمن الأول، ويقال له بكل اختصار دال..المغرب الكبير.
معذرة على التطفل أيها السادة، لكنه ليس تطفلا. إنه انشغال بحال الأهل هناك، وهذه سنة الله في خلقه المغاربة…أنهم لا ينسون أهلهم مهما بلغ حجم الإساءة ومهما امتد التباعد واستطال..
لله ياجزاير. ياوردة الروح. أيام أفضل ستأتي بإذن الله، وتحيا الجزاير خويا...
المختار لغزيوي.