قبْل البداية في صياغة فصول هذه الحلقات، أُخبِر القارئَ الكريم بأنّي بدأتُ بها عنوة، فلربّما تكون هذه آخر مرّة أناقش فيها مثْل هذه المواضيع التي قد يصبح الخوضُ فيها محرّمًا، ولربّما يصْدر قانونٌ يمنع ذلك إسوةً بقانون [جيسّو]، وهذا الموضوع هو [الصهيونية] التي سيصبح انتقادُها ضربًا من الكراهية، و[معاداة للسّامية]؛ وهذا ما أشار إليه بصريح العبارة يوم (20 فبراير 2019) قُبَيْل حفلة العشاء التي أقامها [المجلسُ اليهودي الفرنسي]، حيث حذّر [ماكرون] من انتقاد الصهيونية وإسرائيل في وسائل الإعلام، وقال إنّ [الجمعية الوطنية] سوف تجتمع بعد أيام لوضع قانون يجرّم ذلك، على اعتبار أنّ كراهية الصهيونية ومعاداة إسرائيل هي في الواقع نوعٌ من الكراهية ومعاداة السامية.. ومعلوم أن الرئيس الفرنسي [ماكرون] هو مرشّح منظّمة [روتشيلد] اليهودية التي ضخّتْ أموالاً لبناء أولى المستوطنات في [فلسطين]، وهي التي أوصلتْ [ماكرون] إلى قصر [الإيليزي] ضدّا على الديموقراطية النزيهة، وهو ما جعله في خدمتها رغم كل الأحداث التي هزّتْ [فرنسا] مثْل مظاهرات (السّترات الصفراء)؛ وقراره هذا يأتي تكملةً لمشروع نقل سفارة [أمريكا] إلى [القدس]، وهو قرار اتخِذ خلال [المؤتمر الصهيوني العالمي] سنة (2015) والذي انعقد في (القدس) برئاسة [نتانياهو] بمعية صهاينة كبار، ونفّذ قرارَه الرئيس الأمريكي [ترامب]، وكنّا في هذه الجريدة، قد حذّرنا، وعلّقْنا، ولكنّ (زَمّارَ الحي لا يُطرب)، لأنّ للعرب اهتماماتٍ أخرى مرتبطة بالمال، والثراء، والتشبث بالمناصب دون الاهتمام بمصير الأمة العربية.. لكنْ لماذا كانت [فرنسا] دائمًا هي مصدر الدّاء، وأصل البلاء عبر التاريخ؟ ذاك ما سنجيب عليه في الفصول القادمة إن شاء الله.. (فرنسا) هي مهد الصليبية، ومعقل الصهيونية..
لكنْ ما إن شاع الخبر، وذاع عبر كافة الأصقاع والبقاع، حتى اتخذتْه وسائلُ الإعلام موضوعًا، وخصّصتْ له برامج ولقاءات، شارك فيها بحذر مرتادو القنوات، واستثمروا غموضَ المصطلحات، وعدم تحديد المفاهيم، وهو السائد اليوم في شتى الخطابات السياسية، والفكرية ممّا جعل الخلطَ هو سيدَ الموقف ليخلصوا منه إلى كل ما أرادوه من استنتاجات مضلِّلة لتعمية المواطن العربي، وحتى يتجنّبوا تبعات قول الحقيقة؛ بل لتفادي الطرد من (فرنسا) في ما بعد؛ لكنّ بعضَ المحلّلين سقطوا في خلطٍ أصله الجهلُ بالمفاهيم، والمصطلحات؛ كيف ذلك؟ في إحدى القنوات الفرنسية التي ناقشت (الصهيونية)، خلط محلّلوها بين (الصهيونية والنازية) لغويًا على الأقل؛ قد يكون هناك تشابهٌ في المبادئ، والعنصرية، والإبادة بين (النازية والصهيونية)؛ لكن هناك فرقٌ من ناحية التسمية، والاشتقاق اللغوي، وإنْ كان هناك تماثلٌ في السياسة، والمبادئ، والممارسة.. فلفظة (نازية) مركّبة من الحرفيْن الأوليْن للفظتَي (الاشتراكية الوطنية) أي [National.sozi alisme]، مثْل (غيستابُّو)، وهي اختزالٌ لثلاثة ألفاظ: [Gehen.STAT.Polizei]، فتخرجُ منها لفظة مختزلَة هي [GE.STA.PO] ومعناها (بوليس حماية الدولة).. وفي خطابات (هتلر) لا تسمع أبدًا (نازية)، بل يذْكر (الاشتراكية الوطنية) والذين سمّوا الإيديولوجيا: (نازية) هم الغربيون، ليجْعَلوا لها جرْسًا بغيضًا في الأسماع، مذمومًا في الأنفس؛ لكنّ (الصهيونية) مختلفةٌ لغويًا؛ فهي اشتقاق، وليس اختزالاً أو تركيبًا مزجيًا؛ كيف ذلك؟
نعم؛ (الصهيونية) ليست اختزالاً، بل نسبة، اشتُقَّت من أسطورة دينية يهودية وهي (جبل صهيون) في (القدس)، حيث بنى (داوود) قصره، بعد انتقاله من (حَبْرون) يعني (الخليل) إلى (بيت المقدس) في القرن (11) قبل الميلاد؛ وهذا الاسم يرمز إلى مملكة (داوود)، وإعادة تشييد (هيكل سُلَيمان) من جديد، بحيث تكون (القدس) عاصمة لها؛ ويعتقد الصهاينة أنّ (داوود) قد دُفِن في (جبل صُهْيون)، وعندما تذهب إلى هناك، لا تجد أثرًا لهذا القبر، وإنما هي كذْبة لإضفاء القدسية الدينية على الصهيونية لتظل خالدةً؛ لذا تجد أن (النازية) بادتْ، وأنّ (الصهيونية) سادتْ، لارتباطها بالأساطير الدينية الكاذبة، ولكنّها اعتمدتْ دموية، وأسلوب (النازية) في الإبادة، والقتل، والعنصرية، والتهجير.. لقد وردتْ لفظة (صهيونية) في العهد القديم على يد (حركة باركوخيا)، وقد أثار هذا اليهودي الحماسةَ في نفوس اليهود، وحثّهم على التجمّع في (فلسطين)، وتأسيس دولة يهودية فيها.. ظهر مصطلح (الصهيونية) لأوّل مرة، على يد الكاتب الألماني (ناثان برْنبَاوم) سنة (1893)، وظهر إثر ذلك (أحبّاء صهيون) أي (Zion) أو (Sion)؛ وأقام [هرتزل] أول مؤتمر صهيوني عالمي سنة (1897) في (سويسرا).. وتعتبِر (الصهيونية) جميعَ يهود العالم أعضاء في جنسية واحدة هي الجنسية الإسرائيلية.. في عام (1983) وُجِدَتْ وثيقةٌ موقّعة من (شامير) الذي كان يسمّى حينئذ (يَزَرْنيتِسْكي) موجّهة إلى نازيين يقول لهم فيها: [من ناحية المفهوم، فنحن نتطابق مع مفهومكم؛ فلماذا لا نتعاون مع بعضنا البعض].. (شامير) كان زعيم حركة (شتيرن) الإرهابية، وهو الذي اغتال الكونت (بيرنادوت) سنة (1949) ثم صار رئيسًا للوزراء في (إسرائيل)..